دواء هجر تلاوة القرآن
● اقرأ وِردك القرآني مفرَّقا أو مجمَّعا!
(الوِرد) في اللغة هو الماء الذي يورَد، قال ربنا: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ} [القصص من الآية:23]، وقال: {فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ ۖ } [يوسف من الآية:19]، فيكون على هذا معنى وِرْد القرآن: سقيا القلب من نبع القرآن، وإليك وصايا للانتظام في ورد القرآن:
- لا تقم من صلاة الفريضة إلا بعد أن تقرأ صفحة أو صفحتين من القرآن، ويا حبَذا من (مصحف الجيب) الذي لا يفارقك، يصاحبك في الدنيا لتقرأ منه، وفي الآخرة ليحرسك حتى يوصلك إلى قصرك الذي تنعم به.
- أو اقرأ وِرْدك مجمَّعاً (وهو الأفضل) بأن تجعل لك وقتًا ثابتًا لقراءة وردك من القرآن، فذلك أعون لك في المحافظة عليه..
- أكثر أوقات قراءة القرآن بركة ما كان في جوف الليل، وخاصة الثلث الأخير منه، ثم بعد الفجر، ثم عند ارتفاع الشمس وطلوع النهار.
- إحالتك قراءة وِرد القرآن على وجود الفراغ وهْمٌ من الأوهام وخدعة شيطانية.
- اجعل للقرآن كل يوم جزءا من أصل وقتك، وإلا فلا أمل في تعافيك من داء هجر كتاب الله.
● أعظم بركات القرآن في البكور!
كلما بكَّرتَ بتلاوة وِردِك من القرآن كلما حافظت عليه، وحصدت ثمرة ما فيه، ومع التأخير تزداد فرص التقصير، فالتأخير يجعل المحافظة عليه أشق! التمس دعوة نبيك: «بُورِكَ لأُمَّتِي في بُكورِها» (صحيح الجامع [2841]).
قال الإمام النووي:
" أفضل القراءة ما كان في الصلاة، وأما في غير الصلاة فأفضلها قراءة الليل، والنصف الأخير منه أفضل من الأول، وأما قراءة النهار، فأفضلها ما بعد صلاة الصُّبح، ولا كراهة في القراءة في وقت من الأوقات، ولا في أوقات النَّهي عن الصلاة (أي النّافلة) ".
ورحم الله الإمام القدوة شيخ الإسلام حماد بن سلمة؛ فقد كان لا يحدِّث؛ حتى يقرأ مائة آية نظرا في المصحف! فلتجعل من ثوابت يومك: أن تبدأه بالقرآن.
● إيثارٌ بإيثار:
من آثر القرآن آثره القرآن!
- اقرأ القرآن بتدبُّر، فإنما يؤثرِك القرآن بمعانيه بقدر ما تؤثِره على مشاغلك لتسرح فيه!
- تقدِّمُه على غيره.. تؤثره بوقتك، فيؤثرك بالمعاني التي تُسِعد قلبك، وتشحنك قوة وصلابة..
والقاعدة تقول:
" من آثر القرآن بوقته وقلبه آثره القرآن ببركة وقته وسكينة قلبه وقوة عزمه ".
فلا تزاحِم مع القرآن غيره، وآثِره بوقتك يؤثرك بفضله، وقدِّمه في أول اليوم يقدِّمك على سائر القوم.
● اقرأ القرآن كل يوم بنية: تلقي رسائل الله الخاصة!
قال الحسن بن علي: " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبَّرونها في الليل، ويتفقدونها في النهار ".
القرآن رسائل الله للصالحين؛ يستقبلونها ويتدبرونها بالليل ليعملوا بها في النهار!
والله ما ضاقت بك الدنيا إلا واتسعت بآية تقرؤها في كتاب الله، وكأن الله يواسيك ويناديك: " أنا الأعلم بما يداويك! "
عندك مشكلة؟!
تعاني من أزمة؟!
الحل:
افتح مصحفك، واستقبل الحل الناجع في وصية قرآنية تجدها في ثنايا وِرد قرآنك، وكيف ستستلم رسائل الوحي لو لم تفتح مصحفك؟!
● اعتذر للأعذار ولا تعتذر للقرآن!
هكذا كان يتوضأ الشيخ الشهيد أحمد ياسين الذي سموه زورا قعيدا لأنه عانى الشلل الرباعي، وما هو بقعيد لأن عزيمته فاقت عزائم آلاف الرجال!
قال أحد تلامذته: " كان يقلِّب صفحات المصحف بلسانه إذا لم يجد من يقلِّبها له! "
وأنت!
أي شيء أصابك اليوم فمنعك من وِردك اليوم؟!
تصبح جائعا فتأكل، وعطشان فتشرب، وهذا زاد جسدك، فماذا عن زاد الروح؟!
إن القرآن هو الزاد الذي لو لم تتناوله روحك لماتت.
هذا عروة بن الزبير..
أصابته الآكلة فبتروا ساقه، لكنه مع ذلك لم يترك وِرْدَه من القرآن في تلك الليلة..
وأنت!
أي شيء أصابك اليوم فمنعك من وِردك؟!
تصبح جائعا فتأكل، وهذا زاد الجسد، فماذا عن زاد روحك؟!
القرآن أهم زاد، والذي لو لم تأخذه لماتت روحك؟!
ووالله لا يليق أن تقدِّم على القرآن غيره من العلوم، فكيف بغيره؟!
دخل أحد فقهاء مصر على الإمام الشافعي في المسجد وبين يديه المصحف، فقال له الشافعي: " شغلكم الفقه عن القرآن! إني لأصلي العتمة وأضع المصحف في يدي فما أطبِّقه حتى الصبح! "
● الغناء من أسباب الإعراض عن القرآن!
إن الكلام الطيب الذي يجري على اللسان يطرد الكلام السيء من على اللسان، فضلا عن أنه يطرد المعاني الخبيثة التي تتولد في القلب، والعكس صحيح، فالخبيث يطرد الطيِّب.
جرِّب مثلا أن تدندن ليل نهار بالأغنيات، وستجد نفسك منصرِفا عن الآيات، وستترنم في خلوتك بالألحان بدلا من القرآن، وصدق ابن تيمية حين قال متحدِّثا عن قصائد الزهد (فكيف بالغناء الفاحش؟!): " من أكثر من سماع القصائدلطلب صلاح قلبه تَنْقص رغبته في سماع القرآن ".
ومثله تلميذه ابن القيِّم حين قرَّر جازمًا:
" ما اجتمع في قلب عبد قط محبة الغناء ومحبة القرآن؛ إلا طردت إحداهما الأخرى ".
● تعظيم الكتاب تابعٌ تعظيم ربِّ الكتاب!
ومن تعظيم القرآن أن لا تقطع قراءتك في المصحف بالكلام مع أحد، وإذا أراد أحدهم الحديث معك فاعتذر له، فإن كنت ولابد قاطعا تلاوتك فانتظر حتى تقف على رأس الآية، وغير لائق بك أن تقطع كلام ربك لتتابع كلام صحبك على تويتر وإنستجرام وغيرها من صفحات التواصل، فهذا يحرمك من تمام الفائدة فضلا أنه من قلة احترام الكتاب وتقديره قدره.
● قضاء وِردك من القرآن!
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:
«من نام عن حِزبِه، أو عن شيٍء منه، فقرأَه فيما بين صلاةِ الفجرِ وصلاةِالظهرِ، كُتِبَ له كأنما قرأَه من الليلِ» (صحيح مسلم [747]).
وحزب القرآن هو الوِرْد، وهو ما يفرضه الإنسان على نفسه، يقْرَؤه كل يوم.
قال العراقي:
" وهل المراد به صلاة الليل، أو قراءة القرآن، في صلاة أو غير صلاة يحتمل كلاً من الأمرين ".
والحديث دليل على أنَّ كل وِرْدٍ من قول أو فعل يفوت الإنسان، يثبت له أجره كاملا إذا قضاه، وهو من لطف الله بعباده، فقد فتح له باب للاستدراك، ولم ينقصه من أجره العبد شيئًا.
وقد امتثل عمر بن الخطاب –وهو راوي الحديث- الأمر، ومن يمتثل الأمر إن لم يكن عمر؟!
واسمع:
قال عبد الرحمن بن عبد القاري: استأذنتُ على عمر بالهاجرة، فحبسني طويلا، ثم أذن لي، وقال: " إني كنتُ في قضاء وردي ".
قال إبراهيم النخعي:
" كان أحدهم إذا بقي عليه من جزئه شيء، فنشَط، قرأه بالنهار، أو قرأه من ليلة أخرى، وربما زاد أحدهم ".
مختارات