الليبراليون السعوديون في استوديو الهويمل.. مراجعة لكتاب "في غفلة من الشمس"
الحمد لله وبعد،،
بكل صراحة هذا كتاب غير تقليدي، سواءً في رصدياته وتفسيراته التي يلتقطها من زوايا غير مألوفة، أم في لغته وتراكيبه التي يستعمل فيها الرمزيات والتقابلات الأيقونية، وهي أشبه ما تكون بلغة النقد الأدبي الحديث.
يستفتح المؤلف كتابه باهتمام واضح بإبراز هويته حيث يعتبر المؤلف عمله هذا صادراً عن شخص خارج التصنيفات الفكرية المعتادة، كما يقول المؤلف عن نفسه (لم يسطّر هذا الكتاب ديني متطرف أو ليبرالي منشق، بل مصوّر فوتوغرافي مشاغب).
ومن رصديات المؤلف ملاحظته للمفارقات والتناقضات في نمط توظيف الفكر الليبرالي السعودي للتدين الشعبي ضد الخطاب الشرعي، وعلى سبيل المثال يذكر المؤلف أن الليبراليين تارةً يتحدثون عن فضائل ومناقب التدين الفطري العفوي للمجتمع قبل انتشار الصحوة الإسلامية وأن العلاقة بين الجنسين حينذاك كانت بريئة وواثقة، لكنهم في موقع آخر ينسون أنفسهم وينهمكون في إدانة وتجريم هذا المجتمع ذاته في تقاليده ضد المرأة وأنه حرمها حقوقها وأرغمها على الزواج ممن لا تريد وهي قاصر وسلبها ميراثها الخ. فهل المجتمع قبل الصحوة كان يحترم المرأة ويمنحها حقوقها أم كان يضطهدها؟ يتبنى الليبرالي كلا الموقفين بحسب الحاجة المناظراتية، وقد يكون الليبرالي غير واعٍ لهذا التناقض، أو كما -يرجح المؤلف- أنه تعامل بنفعية وبراجماتية مع المخزون الديني الشعبي.
وينبّه المؤلف إلى أن استثمار المخزون الديني الشعبي ضد الخطاب الشرعي التصحيحي سلوك ليبرالي لا يختص بالليبرالية السعودية فقط، ويذكر نموذجاً لذلك أنه في عهد المقبور بن علي في تونس حورب الحجاب الشرعي بحجة أنه دخيل على ثقافة الحجاب الشعبي الفلاّحي، حجاب الأمهات والجدات، لا الحجاب الإخواني والسلفي.
ومن الظواهر التي التقط لها المؤلف صوراً وأشعل الضوء عليها ما أطلق عليه المؤلف مصطلح (لبرلة الفرح)، حيث يلاحظ المؤلف مثلاً أن المقالات الليبرالية في المناسبات العيدية تجعل من يتحرى الطرق الشرعية في إعلان الفرح " عدواً للفرحة وكارهاً للحياة " !، كما يقول المؤلف عن ملمح آخر: (اللافت أن الليبراليين لا يبتهجون بعيد الأضحى والفطر قدر ابتهاجهم باليوم الوطني!) ويعزو هذا إلى ما سمّاه " لبرلة الفرح ".
وربما يلاحظ القارئ حفاوة الكتّاب الليبراليين للقول الفقهي بعدم وجوب صلاة الجماعة، والمؤلف يقول أن هذه الحفاوة ليست مدفوعة بأية قناعات فقهية، بل يطرح المؤلف لذلك تفسيراً غير مألوف البتة، حيث يرى المؤلف أن حفاوة الليبراليين للقول بعدم وجوب صلاة الجماعة دافعه " سياسي " لا " فقهي "، حيث يرى الليبراليون أن المسجد فرصة لتأثير الإمام الصحوي في جماعة المسجد وتشابك التدين بالمجتمع، وأن روحانية المسجد لها مفعول هائل في صناعة روحانية الوحدة الشعورية الدينية.
ويعرض المؤلف من أخطاء الليبرالية في السعودية أنها كثفت تمجيد وتهويل الفلسفة والترف الفلسفي، وأهملت العلوم الطبيعية التي تبني تفوق الأمم حقاً، ونقل المؤلف عن حسن كامل أنه قال في محاضرة في النادي الأدبي بالرياض " نحن بحاجة لأحمد زويل واحد، ولسنا بحاجة لألف حسن حنفي ". ويوازن المؤلف هذه الحالة الليبرالية بحالة أخرى عقد لها فقرة خاصة وهي تفسير " كثرة المتدينين في مهنة الطب ".
وفيما يتعلق بالفلسفة نبّه المؤلف إلى أن البعض يظن أن الشك يعبر عن حالة تميز عقلي وتفوق على الموقنين المطمئنين المجاورين، بينما يجادل المؤلف بأن الشك " حالة من الكسل الذهني " ويذكر بعض مستنداته لذلك.
ويذكر المؤلف أن الليبراليين يتحدثون أحياناً بتشنيع ضد خطاب " الكراهية " ولكنه يسجل المفارقة ويقول (الليبراليون ليسوا ضد الكراهية، بل هم مع توجيهها ضد المتدينين دون غيرهم).
ويشير المؤلف إلى أن هناك في الخطاب الليبرالي المحلي نزعة للفصل بين خطاب الصحوة الإسلامية وخطاب العلماء، وإدانة الأول وتنزيه الثاني، ويرى المؤلف أن هذا فصل مفتعل، ويذكر المؤلف أن حجته على ذلك هي كما يقول " اقرأ منذ الآن كتاباتهم بشأن الصحوة، وطبقها على آراء كبار العلماء، وستضع إصبعك على نفاقهم ".
ومن التساؤلات التي طرحها المؤلف ورام تفسيرها قوله: لماذا يثير الليبراليون الغبار الصناعي حول تمويل العمل الخيري وتقذف الغافلات من الجمعيات بدعم الإرهاب، وفي المقابل يسكت الليبراليون عن تمويلات الشيعة المتجهة للخارج تحت فريضة الخُمُس بما يكفي لإقامة دولة وإسقاط أخرى؟ ويفسر المؤلف هذه المفارقة أنها راجعة إلى حالة " تحالف الأقليات "، الأقلية الليبرالية والأقلية الشيعية.
ويضيء المؤلف فلاش كاميرته على مشهد آخر ويتساءل قائلاً: (لماذا الليبراليون لا يحاربون التدخين؟) ويرى المؤلف أن تفسير هذا أن هناك حالة يسميها " العقدة الصحوية " وخلاصتها أن أية قضية يحتفي بها الإسلاميون تجعل الليبرالي يتقاعس عن المشاركة فيها.
وهكذا يمضي المؤلف في رصد حالات وتسجيل مشاهدات والتقاط صور ويقدم لها تفسيرات وتحليلات وعزويات غير مطروقة غالباً.
كما عقد المؤلف مباحث مستقلة كرّسها لمناقشة عدة كتب وأطروحات ليبرالية منها: كتاب " فتنة القول بتعليم البنات " للدكتور عبد الله الوشمي، وكتاب " ثقافة التطرف " للدكتور حمزة المزيني، ورواية " ريح الجنة " للدكتور تركي الحمد، والصراع الذي جرى بين د.الغذامي والليبرالية المحلية.
وأقترح على أصحاب البرامج الفضائية ذات الصلة بالثقافة والكتب استضافة المؤلف ومناقشته حول كتابه وتفسيراته ورصدياته الطريفة.
والله أعلم،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
مختارات