مراجعة لكتاب (الاسترقاق القيمي)
الحمد لله وبعد،،
يطرح في معرض الكتاب الحالي 1435هـ هذا الكتاب بعنوان (الاسترقاق القيمي وجذور الممانعة) للباحث ماجد بن محمد الأسمري، والهيكل العام لهذا الكتاب، والذي صب المؤلف فيه مادته، هو تقسيم مداخل التغريب إلى قسمين، مداخل تقليدية (تحرير المرأة، الإعلام، تغريب المناهج، توظيف الرواية، الفجور السياسي) ومداخل غير تقليدية (المواثيق الدولية، توظيف التراث، شعارت القيم الحضارية، التمويل الثقافي، الشذوذات الفقهية).
وفي خلال مناقشات المؤلف لهذه المباحث رجّح أطروحة جون إسبوزيتو في أن نشأة التغريب لم تبدأ مع النخب المثقفة، بل بدأت مع حكومات سياسية كإجابة ضد التهديد الخارجي، كما يرى المؤلف أن التغريب ليس منظومة ثابتة بل هو " عملية متجددة وتصاعدية "، وناقش ظاهرة البراجماتية/النفعية في حياة بعض المثقفين في تعاملهم مع صراع التغريب والأصالة، وحالة " الانتساب الخفي للتغريب " وبواعث هذه الحالة ومظاهرها وتجلياتها.
وذكر المؤلف أنه درس المشروعات التغريبية وعوامل تأثيرها وإخفاقها، وتوصل إلى أن العناصر التي تعزز أي مشروع تغريبي هي كتلة مقومات، ومنها: التغطية السياسية والشرعية، والنخبة الثقافية المسوقة، وضعف الممانعة الشعبية. وذكر ستة نماذج لمشروعات تغريبية، وقام بتفصيلها، وإبراز هذه العوامل الفاعلة فيها.
وأشار المؤلف إلى مفارقات وتناقضات طريفة في تفكير العلماني والليبرالي وأطياف التغريبيين، ومن ذلك أن هؤلاء مثلاً يشنعون على الإسلام والقرآن لماذا يقر الرق ولم يحرمه وأنه " تجارة بالأجساد "، بينما هم يشاركون في منظومة " تسليع جسد المرأة " في الإعلام والفنون والرياضة ونحوها، وقد ذكر المؤلف مثالاً عملياً على مشاركة المثقف في الابتذال الرخيص لجسد المرأة حيث ينقل المؤلف عن المفكر اللبناني المشهور علي حرب قوله في كتابه " خطاب الهوية " ما يلي (أتابع بشغف كرة المضرب..، تستثيرك اللاعبة وهي ترفع تنورتها إلى أعلى فخذها لكي تثبت الكرة..، وتقفز بثوبها القصير الذي يتقاصر مع الحركة على نحو يجعلك تتخيل ما تخفيه بين فخذيها..، أتابع مباريات ملكات الجمال وعروض الأزياء، ويدهشني الرقص على الجليد وأنا الآتي من حضارة الحجاب) [علي حرب، خطاب الهوية، الدار العربية للعلوم، الطبعة الثانية، 2008م، ص211].
ثم يعلّق المؤلف على هذا النص لعلي حرب قائلاً (هذه هي المرأة في تصور الرجل التغريبي، وهكذا يتخذها لتلعب دوراً شهوانياً في حياته).
وحلل المؤلف بعض أخلاقيات المثقفين التغريبيين على ضوء عار وخزي التسويغ والميوعة تجاه القرار الفرنسي بحظر الحجاب، كما تعرض لأزمة انعدام الأمانة العلمية لدى بعض المثقفين التغريبيين في تصوير الآراء الإسلامية، ومن ذلك مثلاً قول المؤلف (شاكر النابلسي –في كتابه العرب بين الليبرالية والأصولية ص66- وقع في كارثة أخلاقية ومعرفية عندما اتهم الشيخ " ابن باز " بأنه يفتي بأن المرأة التي تخرج من بيتها فهي زانية، ويطبق عليها حكم الزانية!!)
كما استعرض المؤلف الحملة التي قادها د.أحمد بن سعيّد عبر شبكة التواصل تويتر ضد ما أسماه " الخطاب المتصهين " ونقل المؤلف نماذج لهذا الرصد.
وقد لاحظت في المؤلف عنايته بمتابعة ومطالعة الأعمال الفكرية العربية المعاصرة، وانتقاء نماذج وشواهد منها، وجمعها في زمر ومحاور، وتحليل أبعادها ودلالاتها.
والله أعلم،،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
مختارات