اسم الله القادر 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( القادر ) :
أيها الأخوة الأكارم ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى والاسم اليوم " القادر " .
ورود اسم القادر في القرآن الكريم :
سمّى الله ذاته العلية بالقادر في القرآن الكريم ، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإطلاق والإضافة ، ففي القرآن الكريم قوله تعالى : " فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ " [المرسلات:23] .
وقد ورد الاسم معرفاً مطلقاً على وجه المدح والكمال والتعظيم في قوله تعالى : " قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ " يعني الصواعـق ، وحديثاً الصـواريخ " أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ " الزلازل ، وحديثــاً الألغـام " أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً " الحرب الأهلية " وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ " [الأنعام:65] .
بطولة الإنسان أن يغفر لمن جاء القضاء والقدر على يديه :
أيها الأخوة ، الحقيقة الزلازل مصيبة كبيرة ، والصواعق مصيبة أكبر ، ولكن أكبر المصائب أن يذوق الإنسان بأس أخيه ، حينما يأتي القضاء والقدر من الله مباشرة ، هو مؤلم أشد الألم لكن من الله مباشرة ، أما حينما يأتي القضاء والقدر على يد إنسان فلابد من صبر أشد ، لأن الله عز وجل حينما قال : " وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [لقمان:17] .
لكن في آية ثانية : " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " [الشورى:43] هذه اللام لام المزحلقة ، أو لام التوكيد ، حينما يأتي القضاء والقدر من الله مباشرة أنت ينبغي أن تصبر والصبر " مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " أما حينما يأتي القضاء والقدر على يد إنسان أنت ينبغي أن تعرف أن هذا قضاء الله وقدره ، وأن تغفر لمن جاء هذا القضاء والقدر على يديه .
إنسان لا سمح الله ولا قدر وقع ابنه من الشرفة ، فنزل ميتاً ، هذا قضاء وقدر ، جاءك من الله مباشرة ، أما حينما يموت الطفل على يد سائق يقود مركبة ، أمامك إنسان تتمنى أن تنتقم منه ، لذلك الآية الثانية : " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ " تحتاج إلى صبر أشد ، وإلى يقين أشد .
كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع :
كل شيء وقع أراده الله ، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، والحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق .
" لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه " [الطبراني] هذا هو التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
" قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ " فالقادر من أسماء الله الحسنى .
وعند الإمام أحمد من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قيل : " يا رسول الله ! كيف يحشر أهل النار على وجوههم ؟ قال : إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر أن يمشيهم على وجوههم " [أحمد عن أنس بن مالك] .
الله عز وجل قدرته مطلقة ، قدرته متعلقة بكل ممكن ، أي شيء وقع الله عز وجل أراده ، وأي شيء أراده الله وقع ، وهو : " فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " [هود:107] .
القادر في اللغة :
الآن " القادر " في اللغة " القادر " اسم فاعل ، من فعل قَدْر ، يقدِر ، ويقدُر ، يقدِر عين المضارع جاءت مكسورة ، وقد تأتي مضمومة ، قَدَر ، ويقدِر ، قدْراً ، وقدّراً لغة العرب واسعة جداً ، يقال قدرت الأمر أقدره إذا نظرت فيه ودبرته ، وقدر كل شيء ومقداره مقياسه ، وقَدر الشيء بالشيء ، وقدّرَهُ قاسه ، والتقدير التروية والتفكير في تسوية الأمور ، ويقال قَدْرتُ لأمر كذا إذا نظرت فيه ودبرته ، وقايسته ، هذا في شأن اللغة ، واللغة العربية لغة واسعة جداً .
ومن بعض الأمثلة : أن فعل نظر ، يعني أن تنظر إلى الشيء ، لكن لمح نظرت وأعرضت ، مفتوح باب ، رأيت امرأة وأنت مؤمن ، فغضضت بصرك عنها ، لمحتها ، لا تقل نظرت إليها ، لمحتها ، أما إذا رأيت طائرة بين الغيوم تقول لاحت طائرة ، الشيء المنظور ظهر واختفى ، أما إذا قلت حدجته ببصري التحديج النظر مع المحبة ، حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم .
أما إذا قلت نظرت شذراً ، مع الاحتقار ، أما إذا قلت شخصت نظرت مع الخوف .
" فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا " [الأنبياء:97] .
أما إذا قلت : تمطيت ، أي نظرت مع التمطي ، أما إذا قلت : استشرف الشيء أي نظر إليه وقد تمدد قليلاً ، استشف نظر إلى الشيء وقد لمسه بيده ، أما إذا قلت : رنا ، نظر مع المتعة ، رنوت إلى المنظر ، أما إذا قلت : رأى ، هذه رؤيا قلبية ، فالعربية واسعة جداً في التعبير ، ولكن مع الأسف الشديد تضعف اللغة أحياناً بضعف أهلها ، وتقوى اللغة بقوة أهلها .
من معاني القادر :
1 ـ التقدير : الآن " القادر " سبحانه وتعالى ، هو الذي يقدر المقادير في علمه ، وعلمه هو المرتبة الأولى في قضائه وقدره ، فالله عز وجل قدّر كل شيء قبل صنعه ، في خطة .
الآن البناء الشامخ العملاق ، ناطحة السحاب تبدأ بورق ، بخارطة .
و " القادر " هو الذي نظم أمور الخلق ، قبل إيجادهم وإمدادهم ، لذلك فإن القدر عند علماء العقيدة مبني على التقدير والقدرة ، هناك علم وهناك قدرة ، فبدايته في التقدير ، قل تعالى : " وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً " [الأحزاب:38] قدر مقدور ، مخطط له ، يسبقه علم دقيقٌ دقيق ، وقال سبحانه : " إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً " [الطلاق:3] أي من التقدير ، ومن ثم إن " القادر " هو الذي يقدر المقادير قبل الخلق والتصوير ، لكن نحن كبشر حينما نبني بناء ، نأتي بكذا ألف متر من البلاط ، لكن لا يوجد إنسان على وجه الأرض ، ولا يوجد مهندس يقدر أن يقول لك نحتاج إلى ثلاثة وثمانين ألف متر وسبع بلاطات ، هذا التقدير فوق طاقة البشر ، أما نشتري كمية من البلاط ، قد يزيد أو قد ينقص ، أما أن يأتي تقدير المساحة بالسنتيمتر مئة بالمئة هذا فوق طاقة البشر .
2 ـ القدرة : الله عز وجل من معاني " القادر " فضلاً عن التقدير يأتي معنى " القادر " من القدرة علم دقيق دقيقٌ دقيق ، وقوة خارقة ، علم مخطط ، وقدرة تنفذ ، هذا معنى " القادر " لذلك قال تعالى : " أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ " [يس:81] .
وقال أيضاً:"فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ (40) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ " [المعارج:40-41].
أيها الأخوة ، الآيات تتعلق بإمكانية تحقيق المقدر .
" وَإِنَّا عَلَى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ " [المؤمنون:95] .
من يتقِ الله عز وجل يجعل له مخرجاً من كل ضيق :
الآن الله عز وجل وعد الناس ، وعد المرابي بالدمار ، وعد العاصي بالهلاك ، لكن قد يتاح لك أن ترى وعد الله ووعيده محققاً ، وقد لا يتاح ، بل إن النبي عليه الصـلاة والسـلام مع أنه سيد الخلق وحبيب الحـق ، قــال تعالـى : " وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ " [يونس:46] يعني أنت حينما لا يسمح لك عمرك المحدود أن ترى مصير الطغاة ، يجب أن توقن يقيناً قطعياً أن الله سيدمره ولكن بعد حين ، فسيدنا ابن عباس قال : " كنتُ خَلْفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ، فقال لي : يا غلام ، إِني أُعَلِّمك كلمات احفظ الله يحفظك " [الترمذي] احفظ أمر الله يحفظك ، ابتعد عما نهى الله عنه يحفظك ، اجعل دخلك حلالاً يحفظك ، عامل الزوجة بالإحسان يحفظك ، ربِّ أولادك على طاعة الله يحفظك من عقوقهم ، اجعل دخلك حلالاً يحفظ مالك من الدمار ، اجعل علاقاتك علاقات إيمانية يحفظك من العدوان .
" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً " [الطلاق:2] الآية كما قلت لها معنى سياقي ، ولها معنى آخر ، مستقل عن سياقها ، يعني من اتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي ، اختارها ذات دين ، من يتقِ الله في تربية أولاده يربيهم في وقت مبكر على طاعة الله يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم ، من يتق الله فيكسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف المال ، من يتقِ الله في علاقاته الاجتماعية يجعل الله له مخرجاً من الدمار الاجتماعي .
عزة النفس من صفات المؤمن :
لذلك : " احفظ الله يَحْفَظْك ، احفظ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ " [الترمذي] إذا كنت معه كان معك ، إذا حفظت أمره حفظك ، إذا كنت وقافاً عند حدوده حفظك ، إذا سألت فاسأل الله ، هو الذي يستحق أن يُسأل ، وما سوى الله فقير مثلك ، ضعيف مثلك ، مقيد مثلك ، إذا سألت فاسأل الله .
كان أحد الخلفاء الأمويين في الحرم المكي ، فالتقى عالماً جليلاً ، قال له : سلني حاجتك ؟ قال : والله إني أستحي أن أسأل حاجتي في بيت الله لغير الله ، مستحيل أنا في بيت الله ، فسكت هذا الخليفة ، التقاه خارج الحرم ، قال له : سلني حاجتك ؟ قال له : والله ما سألتها من يملكها أفأسألها من لا يملكها ؟ قال له : سلني حاجتك ؟ قال : أنقذني من النار ، وأدخلني الجنة ، قال له : هذه لا أملكها ، قال له : إذاً ليس لي عندك حاجة .
لذلك عزة النفس من صفات المؤمن ، ابتغوا الرفعة عند الله .
" إِذا سألتَ فاسألِ الله ، وإِذا استعنت فاستَعِنْ بالله " [الترمذي] .
علاقة الإنسان مع الله وحده :
الآن دقق في التوحيد : " واعلم أن الأمة ـ يعني أهل الأرض ـ لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إِلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إِلا بشيء قد كتبه الله عليك " [الترمذي] هذه الحقيقة ، علاقتك مع الله وحده ، لذلك : " إِذا سألتَ فاسألِ الله ، وإِذا استعنت فاستَعِنْ بالله " وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
" رُفِعَتِ الأقلام ، وجَفَّتِ الصُّحف " [الترمذي] .
تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز :
الله عز وجل يقول : " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ " [الحجر:21] الله غني، في جفاف، هذا التقنين في الأمطار تقنين تأديب لا تقنين عجز " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ " .
كنت مرة في عاصمة في بلد إفريقي ، قيل لي : أمطارها في الشتاء أربعمئة ميليمتر في الليلة الواحدة ، يعني ضعف ما ينزل من الأمطار في العام كله في دمشق " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ " .
نهــر الأمــازون كثافتـه ثلاثمئة ألف متر مكعب في الثانية " وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ " وقال تعالى : " وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ " [يس:39] .
" إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ " [القمر:49] .
من خلال هذه الآيات كلمة " القادر " من التقدير ، وكلمة " القادر " من القدرة ، تخطيط وتنفيذ ، علم وعمل ، تصميم وتنفيذ ، من التقدير ومن القدرة .
القضاء والقدر :
نحن في القضاء والقدر ، والقضاء والقدر يتضح جلياً في هذا الحديث الصحيح ، عن عمر رضي الله عنه ، لما رجع عن البلد التي فيها طاعون : " فقال أبو عُبَيْدَة بنُ الجراج رضي الله عنه : أَفِرارا من قَدَرِ اللَّه ؟ فقال عمر : لو غيرُك قالها أبو عُبَيْدَة ؟ نعم نَفِرُّ من قَدَرِ اللَّه إلى قَدَرِ اللَّه ، أرأيتَ لو كانت لك إبلُ ، فَهَبَطَتْ وَادِيا له عُدْوتَان : إحداهما خِصْبَةُ ، والأخرى جَدْبة أليس إن رَعَيْتَ الخِصْبةَ رَعَيْتَها بقَدَرِ اللَّه ، وإن رعيتَ الَجدْبة رعيتها بقدر اللَّه ؟ نعم نَفِرُّ من قَدَرِ اللَّه إلى قَدَرِ اللَّه " [البخاري ومسلم] المرض قدر الله ، والصحة قدر الله ، نفر من المرض عن طريق الأدوية إلى قدر الله وهو الصحة .
" فجاء عبد الرحمن بن عوف - وكان مُتغيبا في بعض حاجاته - فقال : إن عندي من هذا عِلما ، سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سمعتم به بأرض : فلا تَقْدمُوا عليه ، وإذا وقع بأرض وأنتم بها : فلا تخرجوا فِرارا ، قال : فَحَمِدَ اللَّه عمرُ بن الخطاب ، ثم انصرف " [البخاري ومسلم] .
إن رعيت هذه الأرض الجدباء ترعاها بقدر الله ، وإن رعيت هذه الأرض المخصبة ترعاها بقدر الله ، ونحن نفر من قضاء الله إلى قضاء الله ، ومن قدر الله إلى قدر الله .
الإخوة الكرام ، أحياناً الأمور تتعقد ، والدين بسيط، الدين ينبغي أن يكون كالهواء نستنشقه بيسر ، الدين يحتاجه كل إنسان ، يحتاجه المثقف ثقافة عالية ، يحتاجه الأمي ، يحتاجه البسيط ، لذلك قالوا : الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ، يعني إنسان أميّ لا يقرأ ولا يكتب ، يشتري مكيفاً يفتح مفتاح التشغيل ، يأتيه الهواء البارد ، انتفع به ، لكنه يجهل آلية العمل بهذا المكيف ، ويأتي إنسان يحمل دكتوراه في التكييف ، يشتري مكيفاً ويدير مفتاح التشغيل يأتيه الهواء البارد ، فالانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ، يعني القضاء والقدر بشيء مبسط من أجل أن نعرف الله ، من أجل أن نحبه .
الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن :
القضاء هو الحكم ، والقدر هو التقدير ، فحينما يحكم الله على عبد بالانحراف عن منهجه يقدر له تدبيراً حكيماً يرده إليه ، قال تعالى : " وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [السجدة:21] يعني إنسان يقف في شرفة ، وأمام الشرفة ساحة ، والساحة يتفرع منها عدة طرق فله شخص عزيز في هذه الساحة ، مشى في طريق خطرة ، علم هذا الذي وقف في الشرفة أن هذا الإنسان مشى في طريق مؤذية ، ينتهي بملاهٍ ساقطة ، فأرسل له من يقنعه أن يعود من هذا الطريق ، فالقضاء والقدر ، القضاء حكم ، والقدر تقدير حكيم ، تدبير .
الآن هذه الحقيقة الدقيقة سأقربها بمثل آخر ، نقول : يطلع الطبيب على مؤشرات ضغط الدم لدى مريض ، فيرى الضغط مرتفعاً، يعني 16 ـ 18، الإطلاع على ضغط الدم المرتفع هذا قضاء حكم ، الآن الطبيب يتخذ قراراً ، يمنع المريض من تناول الملح، ويعطيه دواءً مدراً بمقادير دقيقة ، فاطلع على ضغطه المرتفع قضاء ، أمر بإيقاف الملح في الطعام وإعطاء دواء مدراً ، هذا القدر ، القضاء والقدر .
الآن الطبيب نفسه بعد حين اطلع على هذا المريض ، اطلع على مؤشر الضغط لدى هذا المريض رآه طبيعياً ، هذا هو القضاء ، هذا هو الحكم ، فقال : أوقفوا حمية الملح ، قدموا له طعاماً مع الملح ، ويخفض مقدار الدواء المدر ، هذا هو القدر .
فالقضاء والقدر علم دقيق ، وأمر حكيم ، الإيمان بالقدر يذهب الهم والحزن .
" لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه " [الطبراني] .
الدين شيء عظيم جداً ينبغي أن نبسطه ونعطيه تفسيراً معقولاً :
الإخوة الكرام : هذا الدين العظيم حاجتنا إليه كحاجتنا إلى الهواء ، يجب أن نبسطه ، ويجب أن نعقلنه ، ويجب أن نطبقه حتى نقطف ثماره ، والتعقيد ليس في صالح المؤمنين أحياناً ترى الأمور معقدة جداً ، يعني إنسان أراد أن يسلم على يد شيخ من شيوخ تقلديين ، أبقاه بأحكام المياه ستة أشهر ، حكم الوضوء بماء الحمص ، حكم الوضوء بماء العدس ، حكم أنواع المياه ، القلة والقلتان حتى خرج هذا الإنسان من جلده ، وترك هذا الدين ، التقى بعالم آخر الأمور عنده بسيطة ، قال : الماء الذي تشربه توضأ منه .
أنا أرى أن هذا الدين شيء عظيم جداً ، لكن ينبغي أن نبسطه ، ينبغي أن نعطيه تفسيراً معقولاً ، مقبولاً .
لذلك هذا الذي التقى بالجالية الإسلامية في بريطانيا ، قال : أنا لا أصدق أن يستطيع العالم الإسلامي اللحاق بالغرب على الأقل في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما ، ولكنني مؤمن أشد الإيمان أن العالم كله سيركع أمام أقدام المسلمين لا لأنهم أقوياء ، ولكن لأن خلاص العالم في الإسلام ، ولكن بشرط ـ هنا الشاهد ـ أن يحسنوا فهم دينهم ، أن يحسنوا تطبيقه ، أن يحسنوا عرضه على الطرف الآخر .
والحمد لله رب العالمين