اسم الله القادر 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (القادر):
أيها الأخوة الأكارم، لا زلنا في اسم " القادر ".
التعرف إلى أسماء الله الحسنى والتخلق بها:
كما تعلمون قوله تعالى: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] لابدّ من التذكير لأن الإنسان إذا تعرف إلى أسماء الله الحسنى أقبل عليه، لأنه من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه، ومن أعجب العجب أيضاً أن تحبه ثم لا تطيعه.
لذلك الإسلام إن صحّ التعبير يمثل هرماً، يقع في قسمه الأعلى العقيدة، وأهم موضوع في العقيدة معرفة الله، وأبرز طريق لمعرفته أن تعرف أسماءه الحسنى، وصفاته الفضلى " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " تعرفوا إليها من أجل أن تقبلوا عليها هذا المعنى الأول.
المعنى الثاني: ما من طريق للتقرب إلى الله عز وجل إلا أن تتخلق بكمال من كمالاته، تتقرب بهذا الكمال إليه، أوضح مثل، الله عز وجل رحيم، فإذا رحمت عباده تتقرب إلى الرحيم.
" إن كنتم تريدون رحمتى فارحموا خلقي " [رواه أبو محمد بن عدى في كتاب الكامل] الله عز وجل عدل، يمكن إذا كنت منصفاً، وقلت كلمة الحق ولو على نفسك أن تتقرب إلى الله بهذا الإنصاف.
معرفة الله وعبادته علة وجود الإنسان في هذه الدنيا:
إذاً: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " تعرفوا إليها ثم تخلقوا بها، هذا أبرز ما في الأسماء الحسنى، لذلك التطبيق العملي لاسم " القادر " أن تكون قوياً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم]السبب، مرة قلت لكم: حينما تذهب إلى مدينة، ولك في هذه المدينة هدف واحد أن تلتحق بجامعتها، وأن تنال الدكتوراه، نقول: علة وجودك في هذه المدينة أن تنال هذه الشهادة، فقط علة واحدة، وعلة وجودك في الدنيا من أجل أن تعرفه وأن تعبده، إنك إن عرفته وإن عبدته دفعت ثمن الجنة، جاء بك إلى الدنيا كي تدفع ثمن جنة عرضها السماوات والأرض فيها: " ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ " [البخاري ومسلم].
حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح:
دفع ثمن الجنة يحتاج إلى عمل، الآن فرص العمل الصالح أمام القوي أضعاف مضاعفة عن فرص العمل الصالح أمام الفقير، مؤمنان، الأول غني لكن في أعلى درجة من الإيمان، بإمكانه أن ينشئ ميتماً، مستوصفاً، معهداً شرعياً، يزوج شباباً، يؤمن فرص عمل، يعمل مشروعاً ضخماً، يحتاج إلى ألف عامل.
كلما كنت قوياً بالمال، أو قوياً بالمنصب بجرة قلم تحق حقاً، وتبطل باطلاً، أو قوياً بالعلم، فرص العمل الصالح التي أمامك لا تعد ولا تحصى.
بالمناسبة: حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، لذلك تطبيق اسم " القادر " أن تسلك طريق القوة، ولكن بشرط أن يكون هذا السلوك وفق منهج الله، هناك من يصبح قوياً على حساب دينه، على حساب مبادئه، على حساب قيمه، على حساب نجاحاته الأخرى إذا كان طريق القوة قوة المال، أو قوة العلم، أو قوة المنصب سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً لا من أجل أن تستمتع بالقوة، أو أن تستمتع بالسيطرة، لا، أبداً، من أجل أن تستطيع فعل الأعمال الصالحة بكم كبير جداً.
أيها الأخوة: " المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم] لكن النبي عليه الصلاة والسلام جبار الخواطر، قال: " وفي كلّ خير " [مسلم] يعني أي مؤمن على العين والرأس.
التنوع بالأحكام تنوع رحمة لا تنوع تضاد:
يذكرني هذا بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " يطبع المؤمن على الخلال كلها " [أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي].
قد تجد مؤمناً أنيقاً أناقة زائدة، تجد مؤمناً يعتني ببيته عناية فائقة، قد تجد مؤمناً يعتني بمركبته، قد تجد مؤمناً يحب السفر، قد تجد مؤمناً يحب الإقامة، قد تجد مؤمناً يحب العلاقات الخارجية، مؤمناً منطوياً على نفسه، كل هذه الطباع على العين والرأس، الله عز وجل من قضائه وقدره اختلاف الناس في طباعهم، اختلاف الطباع لا يعد مدحاً ولا ذماً، فلان مزاجه عصبي، سيدنا موسى كان عصبياً، حينما أخذ برأس أخيه هارون وجره إليه، وهناك مؤمن حليم حلماً فائقاً، وهناك مؤمن يعتني بمن حوله، عنده ذكاء اجتماعي، في مؤمن هو وربه، كل هذا مقبول، لذلك الحديث: " يطبع المؤمن على الخلال كلها " [أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي] هناك تنوع، أنا أرى دائماً أن التنوع يسمى تنوع غنى لا تنوع تضاد، وهذا ينسحب على الأحكام الفقهية، أحياناً تجد بالفقه في رحمة واسعة، أضرب على هذا مثلاً: امرأة بقي عليها طواف الإفاضة، ودخلت في العذر الشرعي، ماذا تفعل؟ عند بعض المذاهب عليها بدنة، إن ذبحت بدنة أجزأتها عن طواف الإفاضة، عند الأحناف، وفي بعض المذاهب تغدو أميرة الركب، ينتظرها قومها إلى أن تطوف، وفي مذهب آخر تطوف البيت ولا شيء عليها، أنت دقق، امرأة موسرة، نقول لها: قدمي بدنة للفقراء والمساكين هذا يجزئك عن طواف الإفاضة، امرأة لها ابن مقيم بجدة، نقول لها: اجلسي عند ابنك أياماً سبعة وبعدها تطهرين وتطوفين بالبيت، أما امرأة فقيرة جداً، لا تملك ثمن بدنة، ولا ينتظرها الفوج سبعة أيام، نقول لها: أنت على المذهب المالكي، طوفي البيت ولا شيء عليك.
هذا التنوع بالأحكام تنوع رحمة لا تنوع تضاد، تنوع غنى، فلذلك الحديث: " يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب " [أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي] الإنسان لمجرد أن يكذب، أو أن يخون فقد إيمانه.
من طغى وبغى على شريكه ليس مؤمناً:
الإخوة الكرام، هناك آيات دقيقة جداً، الله عز وجل قال: " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِـي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْـضٍ "، " الْخُلَطَاء " الشركاء " الْخُلَطَاء " الزوجان " الْخُلَطَاء " القريبان " الْخُلَطَاء " الأخوان " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " تتمة الآية: " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " [ص:24].
لله درّ الإمام الشافعي، استنبط الإمام الشافعي أن المؤمن لا يطغى على قرينه، ولا على شريكه، ولا على خليطه، قال: ومن طغى وبغى على شريكه ليس مؤمناً، الآية واضحة " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " واضحة " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " فاستنبط أن الذي يبغي على خليطه ليس مؤمناً.
حينما قال بعضهم: " نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ " ردّ الله عليهم: " قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ " [المائدة:18] استنبط الإمام الشافعي أن الله لا يعذب أحبابه، إن كنت محباً له صادقاً، وأكدت هذه المحبة بطاعتك له لن تُعذب.
من أخلص في عبادته و طبق أمر الله عز وجل أنشأ الله له حقاً عليه ألا يعذبه:
الإخوة الكرام هناك بعض الأحاديث تملأ القلب طمأنينة، حينما أردف النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا معاذ خلفه قال له: " يا معاذ ما حقّ الله على عباده؟ قال: الله ورسوله أعلم، سأله ثانية وثالثة ثم أجابه، قال: يا معاذ حق الله على عباده أن يعبدوه، وألا يشركوا به شيئاً، بعد حين قال له: يا معاذ ما حقّ العباد على الله إذا هم عبدوه؟ " [البخاري].
يا الله ! من نحن؟ كائن ضعيف، ينشئ الله لك حقاً عليه.
" قال: يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه؟ فجاء الجواب ألا يعذبهم ".
هل تصدقون أنك إذا أخلصت في عبادتك، وطبقت أمر ربك، يمكن أن تطالب الله بحقك، ألا يعذبهم.
من هنا قال تعالى: " لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا " [التوبة:51] لم يقل علينا.
من تعرف إلى الله وعقد معه عقداً إيمانياً هو مستثنى مما يصيب عامة الناس:
أنا أتمنى أن يكون المؤمن متفائلاً، أنت غالٍ على الله، سلامتك وسعادتك أحد خصوصياتك، أنت حينما تعرفت إلى الله، وعقدت معه عقداً إيمانياً، والله عز وجل خاطبك فقال: يا أيها الذين آمنوا أنت مستثنى مما يصيب عامة الناس.
" وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء:88].
" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [غافر:51].
لذلك: " المؤمن القويُّ ".
كتطبيق عملي لاسم " القادر " جاء الحديث الشريف: " المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم] ولأن النبي جبار الخواطر قال: " وفي كلّ خير " على العين والرأس، أحياناً يقول لك الداعية: عندي أخوة كُثر، قلة منهم يحملون معي، وكثرة منهم أنا أحملهم، يعني عليه أن يحل مشكلاتهم، أن يساعد ضعيفهم، فرق كبير بين من يحمل معك، وبين من تحمله " وفي كلّ خير " هذا الأدب مع الله عز وجل.
من سأل الله صادقاً أعطاه الله عز وجل سؤله: " احرِصْ على ما ينفعك، واستعن بالله " [مسلم].
من هو البخيل؟ الذي بخل أن يسأل الله شيئاً، منك السؤال ومنه العطاء، ينتظر أن تسأله، وصدقوا أيها الأخوة، ما منا واحد يسأل الله صادقاً إلا أعطاه الله سؤله والدليل: " كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً " [الإسراء:20] عن أحد، لمجرد أن تسأله صادقاً، فالله عز وجل يعطيك سؤلك بشرط الصدق.
الصدق والعدل كلمتان تحكمان العلاقة بين العبد وربه:
لذلك من أروع ما قرأت عن قوله تعالى: " وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً " [الأنعام:115] يعني يا عبادي، كلمتان تحكم العلاقة بيني وبينكم، منكم الصدق، ومني العدل تتفاوتون عندي بالصدق وأنا أعدل بينكم، من هنا: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " [الحجرات:13].
لو الإيجابية ولو السلبية: " احرِصْ على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجزْ " [البخاري] هذا كلام عامة الناس، انتهينا، من قال لك انتهينا؟ الله عز وجل موجود، وأنا أقول دائماً استمع إلى الأخبار ما في مانع، وأصغِ إلى التحليلات، ولا تنسى لثانية واحدة أن الله موجود، وأن الله قادر أن يغير كل المعادلات، كن فيكون، زل فيزول.
" واستعن بالله ولا تعجزْ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا " يعني كلمة لو محذوفة من قاموس المؤمن.
" فلا تَقُل: لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا، ولكن قل: قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل ـ الله قادر ـ فإن لو تفتحُ عَمَلَ الشيطان " [البخاري] إلا أن بعض العلماء استثنى من أنواع لو، لو الإيجابية، لو شخص ارتكب خطأ كبيراً، كسب مالاً حراماً فدمر الله ماله، لو قال لو لم أكسب هذا المال الحرام لما دمره الله عز وجل، هذا كلام صحيح، هذه اسمها لو الإيجابية، أخطأ فدفع ثمن خطئه، لو قال في نفسه لو لم أتورط في هذه المعصية، لما كان كذا وكذا، هذا الدرس لك ولغيرك.
اتخاذ الحكمة والموعظة الحسنة أساس لدعوة الناس إلى الحق لأن الإنسان مخير:
أيها الأخوة، كما تعلمون علة وجودنا أن نعبده، وينبغي أن نعبده كما جاء في بعض تعاريف العبادة، هي طاعة، العبادة طاعة، لكنها طاعة طوعية، لأن الأقوياء يطاعون قسراً، لكن الله جلّ جلاله، وهو خالق القوة في الكون، ما أراد أن نعبده، قال: " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " [البقرة:256] أنا الذي أعجب منه أن خالق السماوات والأرض، الذي بيده كل الأمر كن فيكون ما قَبِل أن نعبده قسراً، قال: " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " فكيف أنت أيها المؤمن تريد أن تجبر الناس على الإيمان؟ أنت ادعُهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فقط، أما تجبرهم هذا ليس من شأنك لأن الله عز وجل خاطب نبيه، قال: " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ " [البقرة:272] لست مسؤولاً لأنك لا تستطيع، هم مخيرون، وقال: " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ " [القصص:56] " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ " [البقرة:272] " وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " [القصص:56] الإنسان مخير، فالعبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
مستويات العبادة:
1 ـ عبادة الهوية: ولكن: الآن دخلنا في اسم " القادر " هناك عبادة الهوية، يعني الصلاة، والصوم والحج، والزكاة، والصدق، والأمانة، وغض البصر، والاستقامة، وإنجاز الوعد، وتنفيذ العهد، هذه العبادة التعاملية، لكن هناك استثنائية، الإنسان إذا كان غنياً له عبادة خاصة عبادة إنفاق المال، وإذا كان قوياً له عبادة خاصة، عبادة إحقاق الحق، إذا كان عالماً له عبادة خاصة عبادة إلقاء العلم دون أن يأخذه في الله لومة لائم، عندنا عبادة اسمها عبادة الهوية، ليس مطلوباً من المؤمن الغني أن يبالغ في قيام الليل، ومعه أموال طائلة، وحوله أناس فقراء جداً، نقول لك: أنت أيها الغني، بعد أن تؤدي العبادات الكاملة لك عبادة استثنائية إنفاق مالك، هناك عبادة اسمها عبادة الهوية، الأقوياء لهم عبادة إحقاق الحق، والعلماء لهم عبادة ؛ عبادة العلماء: " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ " [الأحزاب:39] لأن العالم إذا خشي غير الله فسكت عن الحق خوفاً، وتكلم بالباطل تقرباً، انتهت دعوته كلها، ما من داعٍ لنتحدث عن صفات أخرى، صفة واحدة جامعة مانعة، إذا ألغيت ألغي علمه.
قيل للحسن البصري: يا إمام بمَ نلت هذا المقام؟ قال: باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.
لو أن العالم استغنى عن علمه انتهى علمه، باستغنائي عن دنيا الناس، وحاجتهم إلى علمي.
العبادة معرفة الله عز وجل وطاعته:
الإخوة الكرام، بالحياة قمم، هناك قمم الأقوياء، وهناك قمم الأنبياء، يوجد فرق كبير بينهما، يوجد إنسان قوي يرأس أقوى دولة في العالم، أمره على الشبكية نافذ في كل البلاد، هذا قوي، وهناك نبي، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا شيئاً، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا، الأنبياء ملكوا القلوب.
إنسان له زوجة لا تنجب، فتمنت عليه أن يأخذها إلى الحج، يقول هذا الإنسان لصديقه: أنا لست مؤمناً بالدين أصلاً، أرى الدين أفيون الشعوب، قال له: ما صليت ركعتين في كل الحج، هو ذهب من أجل زوجته، لما وصل إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام لفت نظره بكاء الناس أمام هذا القبر، متى عاش؟ قبل ألف وأربعمئة عام، ماذا أعطى هؤلاء؟ انعقدت توبته أمام قبر النبي عليه الصلاة والسلام، شيء مذهل.
فالعبادة أن تعرف الله عز وجل، وأن تطيعه.
2 ـ عبادة الظرف: لذلك هناك عبادة الهوية، وهناك عبادة الظرف، يوجد ظرف استثنائي، عندك ضيف أول عبادة أن تكرم الضيف، عندك مريض أول عبادة رعاية المريض.
3 ـ عبادة الوقت: هناك عبادة الوقت، إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله بالليل.
4 ـ عبادة العصر: هناك عبادة العصر، يعني إذا الطرف الآخر أراد إفقار المسلمين فاستصلاح الأراضي، واستخراج الثروات، وتطوير الصناعات أول عبادة للمسلمين، الإسلام هو الحياة.
من تطبيقات اسم القادر:
1 ـ القوة حين أخذ أمر الله عز وجل: أيها الأخوة، الآن الله عز وجل " القادر " فالله عز وجل يقول: " خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ " [البقرة:63] كن قوياً حينما تأخذ أمر الله عز وجل، من تطبيقات اسم " القادر " " خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ ".
" فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ " [فصلت:15]
فالمؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله تعالى، لكن ما في استكبار، في تواضع.
دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً لها مطأطئ الرأس حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره.
2 ـ إعداد القوة اللازمة لنصر الدين الإسلامي:من تطبيقات اسم " القادر ": " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ " [الأنفال:60] بصراحة الغرب لا يقنع إلا بالأقوياء، ما دمنا ضعفاء لا يقنع بنا ولا بديننا المؤمن القوي، فالله عز وجل " القادر ".
" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ".
لكن الكبر مع القوة مدمر، قال قوم بلقيس: " قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ " [النمل:33].
يروى أن هناك وصف لسيدنا الصديق، وكان يُرى ضعيفاً مستضعفاً، فإذا جدّ الجدّ فهو الليث عادياً، المؤمن ليس عنده كبر، أما عند الضرورة قوي جداً، قالت: " يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " [القصص:26] يعني صفة رائعة جداً لمن تسلمه عملاً، قوي، أمين، كفء، مخلص، الكفاءة والإخلاص.
3 ـ المؤمن متواضع لله يمرغ جبهته في أعتابه:
الآن آخر معنى من معاني اسم " القادر ": " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ " لا يخنع، لا يستسلم، لا ينبطح.
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " [الشورى:39] هو متواضع لله، يمرغ جبهته في أعتاب الله، لكن لا يضعف أمام خصمه " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " لكن لا يوجد تطاول، لا يوجد عدوان، لا يوجد بغي، لا يوجد طغيان.
" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [الشورى:40].
الحق أساس وجودنا:
من هنا قيل، دققوا في هذا القول: " إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي " [الحاكم عن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب].
أمة ليس فيها عدل، هذه أمة عند الله ليست مقدسة، يروى أنه عقب الحرب العالمية الثانية سأل زعيم بريطاني وزراءه واحداً واحداً، سأل وزير الصناعة، كيف الوضع عندك؟ قال له: المعامل كلها مدمرة، سأل وزير الزراعة؟ قال له: الحقول محروقة، سأل وزير الخزانة؟ قال له: الخزانة فارغة، عقب حرب مدمرة، ذهب فيها خمسون مليوناً، فسأل وزير العدل، كيف العدل عندك يا سيد فلان؟ قال له: العدل عندي بخير، قال له: كلنا إذاً بخير.
ممكن نمر بأزمات طاحنة، ونبقى أمة قوية، أما إذا ذهب الحق انتهينا عند الله، قال له: إذاً كلنا بخير، فلذلك: " إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي " [الحاكم عن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب].
والحمد لله رب العالمين
مختارات