اسم الله القادر 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( القادر ) :
أيها الأخوة الأكارم ، لا زلنا في اسم " القادر " .
التعرف إلى أسماء الله الحسنى والتخلق بها :
كما تعلمون قوله تعالى : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] لابدّ من التذكير لأن الإنسان إذا تعرف إلى أسماء الله الحسنى أقبل عليه ، لأنه من أعجب العجب أن تعرفه ثم لا تحبه ، ومن أعجب العجب أيضاً أن تحبه ثم لا تطيعه .
لذلك الإسلام إن صحّ التعبير يمثل هرماً ، يقع في قسمه الأعلى العقيدة ، وأهم موضوع في العقيدة معرفة الله ، وأبرز طريق لمعرفته أن تعرف أسماءه الحسنى ، وصفاته الفضلى " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " تعرفوا إليها من أجل أن تقبلوا عليها هذا المعنى الأول .
المعنى الثاني : ما من طريق للتقرب إلى الله عز وجل إلا أن تتخلق بكمال من كمالاته ، تتقرب بهذا الكمال إليه ، أوضح مثل ، الله عز وجل رحيم ، فإذا رحمت عباده تتقرب إلى الرحيم .
" إن كنتم تريدون رحمتى فارحموا خلقي " [رواه أبو محمد بن عدى في كتاب الكامل] الله عز وجل عدل ، يمكن إذا كنت منصفاً ، وقلت كلمة الحق ولو على نفسك أن تتقرب إلى الله بهذا الإنصاف .
معرفة الله وعبادته علة وجود الإنسان في هذه الدنيا :
إذاً : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " تعرفوا إليها ثم تخلقوا بها ، هذا أبرز ما في الأسماء الحسنى ، لذلك التطبيق العملي لاسم " القادر " أن تكون قوياً ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال : " المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم]السبب ، مرة قلت لكم : حينما تذهب إلى مدينة ، ولك في هذه المدينة هدف واحد أن تلتحق بجامعتها ، وأن تنال الدكتوراه ، نقول : علة وجودك في هذه المدينة أن تنال هذه الشهادة ، فقط علة واحدة ، وعلة وجودك في الدنيا من أجل أن تعرفه وأن تعبده ، إنك إن عرفته وإن عبدته دفعت ثمن الجنة ، جاء بك إلى الدنيا كي تدفع ثمن جنة عرضها السماوات والأرض فيها : " ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ " [البخاري ومسلم] .
حجم الإنسان عند ربه بحجم عمله الصالح :
دفع ثمن الجنة يحتاج إلى عمل ، الآن فرص العمل الصالح أمام القوي أضعاف مضاعفة عن فرص العمل الصالح أمام الفقير ، مؤمنان ، الأول غني لكن في أعلى درجة من الإيمان ، بإمكانه أن ينشئ ميتماً ، مستوصفاً ، معهداً شرعياً ، يزوج شباباً ، يؤمن فرص عمل ، يعمل مشروعاً ضخماً ، يحتاج إلى ألف عامل .
كلما كنت قوياً بالمال ، أو قوياً بالمنصب بجرة قلم تحق حقاً ، وتبطل باطلاً ، أو قوياً بالعلم ، فرص العمل الصالح التي أمامك لا تعد ولا تحصى .
بالمناسبة : حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، لذلك تطبيق اسم " القادر " أن تسلك طريق القوة ، ولكن بشرط أن يكون هذا السلوك وفق منهج الله ، هناك من يصبح قوياً على حساب دينه ، على حساب مبادئه ، على حساب قيمه ، على حساب نجاحاته الأخرى إذا كان طريق القوة قوة المال ، أو قوة العلم ، أو قوة المنصب سالكاً وفق منهج الله يجب أن تكون قوياً لا من أجل أن تستمتع بالقوة ، أو أن تستمتع بالسيطرة ، لا ، أبداً ، من أجل أن تستطيع فعل الأعمال الصالحة بكم كبير جداً .
أيها الأخوة : " المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم] لكن النبي عليه الصلاة والسلام جبار الخواطر ، قال : " وفي كلّ خير " [مسلم] يعني أي مؤمن على العين والرأس .
التنوع بالأحكام تنوع رحمة لا تنوع تضاد :
يذكرني هذا بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم : " يطبع المؤمن على الخلال كلها " [أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي] .
قد تجد مؤمناً أنيقاً أناقة زائدة ، تجد مؤمناً يعتني ببيته عناية فائقة ، قد تجد مؤمناً يعتني بمركبته ، قد تجد مؤمناً يحب السفر ، قد تجد مؤمناً يحب الإقامة ، قد تجد مؤمناً يحب العلاقات الخارجية ، مؤمناً منطوياً على نفسه ، كل هذه الطباع على العين والرأس ، الله عز وجل من قضائه وقدره اختلاف الناس في طباعهم ، اختلاف الطباع لا يعد مدحاً ولا ذماً ، فلان مزاجه عصبي ، سيدنا موسى كان عصبياً ، حينما أخذ برأس أخيه هارون وجره إليه ، وهناك مؤمن حليم حلماً فائقاً ، وهناك مؤمن يعتني بمن حوله ، عنده ذكاء اجتماعي ، في مؤمن هو وربه ، كل هذا مقبول ، لذلك الحديث : " يطبع المؤمن على الخلال كلها "[أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي] هناك تنوع، أنا أرى دائماً أن التنوع يسمى تنوع غنى لا تنوع تضاد ، وهذا ينسحب على الأحكام الفقهية ، أحياناً تجد بالفقه في رحمة واسعة ، أضرب على هذا مثلاً : امرأة بقي عليها طواف الإفاضة ، ودخلت في العذر الشرعي ، ماذا تفعل ؟ عند بعض المذاهب عليها بدنة ، إن ذبحت بدنة أجزأتها عن طواف الإفاضة ، عند الأحناف ، وفي بعض المذاهب تغدو أميرة الركب ، ينتظرها قومها إلى أن تطوف ، وفي مذهب آخر تطوف البيت ولا شيء عليها ، أنت دقق ، امرأة موسرة ، نقول لها : قدمي بدنة للفقراء والمساكين هذا يجزئك عن طواف الإفاضة ، امرأة لها ابن مقيم بجدة ، نقول لها : اجلسي عند ابنك أياماً سبعة وبعدها تطهرين وتطوفين بالبيت ، أما امرأة فقيرة جداً ، لا تملك ثمن بدنة ، ولا ينتظرها الفوج سبعة أيام ، نقول لها : أنت على المذهب المالكي ، طوفي البيت ولا شيء عليك .
هذا التنوع بالأحكام تنوع رحمة لا تنوع تضاد ، تنوع غنى ، فلذلك الحديث : " يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب " [أخرجه الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي] الإنسان لمجرد أن يكذب ، أو أن يخون فقد إيمانه .
من طغى وبغى على شريكه ليس مؤمناً :
الإخوة الكرام ، هناك آيات دقيقة جداً ، الله عز وجل قال : " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِـي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْـضٍ " ، " الْخُلَطَاء "الشركاء " الْخُلَطَاء "الزوجان " الْخُلَطَاء "القريبان " الْخُلَطَاء "الأخوان " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " تتمة الآية : " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ "[ص:24] .
لله درّ الإمام الشافعي ، استنبط الإمام الشافعي أن المؤمن لا يطغى على قرينه ، ولا على شريكه ، ولا على خليطه ، قال : ومن طغى وبغى على شريكه ليس مؤمناً ، الآية واضحة " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " واضحة " إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " فاستنبط أن الذي يبغي على خليطه ليس مؤمناً .
حينما قال بعضهم : " نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ " ردّ الله عليهم : " قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ " [المائدة:18] استنبط الإمام الشافعي أن الله لا يعذب أحبابه، إن كنت محباً له صادقاً، وأكدت هذه المحبة بطاعتك له لن تُعذب .
من أخلص في عبادته و طبق أمر الله عز وجل أنشأ الله له حقاً عليه ألا يعذبه :
الإخوة الكرام هناك بعض الأحاديث تملأ القلب طمأنينة ، حينما أردف النبي عليه الصلاة والسلام سيدنا معاذ خلفه قال له : " يا معاذ ما حقّ الله على عباده ؟ قال : الله ورسوله أعلم ، سأله ثانية وثالثة ثم أجابه ، قال : يا معاذ حق الله على عباده أن يعبدوه ، وألا يشركوا به شيئاً ، بعد حين قال له : يا معاذ ما حقّ العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ " [البخاري] .
يا الله ! من نحن ؟ كائن ضعيف ، ينشئ الله لك حقاً عليه .
" قال : يا معاذ ما حق العباد على الله إذا هم عبدوه ؟ فجاء الجواب ألا يعذبهم " .
هل تصدقون أنك إذا أخلصت في عبادتك ، وطبقت أمر ربك ، يمكن أن تطالب الله بحقك ، ألا يعذبهم .
من هنا قال تعالى : " لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا " [التوبة:51] لم يقل علينا .
من تعرف إلى الله وعقد معه عقداً إيمانياً هو مستثنى مما يصيب عامة الناس :
أنا أتمنى أن يكون المؤمن متفائلاً ، أنت غالٍ على الله ، سلامتك وسعادتك أحد خصوصياتك ، أنت حينما تعرفت إلى الله ، وعقدت معه عقداً إيمانياً ، والله عز وجل خاطبك فقال : يا أيها الذين آمنوا أنت مستثنى مما يصيب عامة الناس .
" وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ " [الأنبياء:88] .
" إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا " [غافر:51] .
لذلك : " المؤمن القويُّ " .
كتطبيق عملي لاسم " القادر " جاء الحديث الشريف:" المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم] ولأن النبي جبار الخواطر قال : " وفي كلّ خير " على العين والرأس ، أحياناً يقول لك الداعية : عندي أخوة كُثر ، قلة منهم يحملون معي ، وكثرة منهم أنا أحملهم ، يعني عليه أن يحل مشكلاتهم ، أن يساعد ضعيفهم ، فرق كبير بين من يحمل معك ، وبين من تحمله " وفي كلّ خير " هذا الأدب مع الله عز وجل .
من سأل الله صادقاً أعطاه الله عز وجل سؤله : " احرِصْ على ما ينفعك ، واستعن بالله " [مسلم] .
من هو البخيل ؟ الذي بخل أن يسأل الله شيئاً ، منك السؤال ومنه العطاء ، ينتظر أن تسأله ، وصدقوا أيها الأخوة ، ما منا واحد يسأل الله صادقاً إلا أعطاه الله سؤله والدليل : " كُلّاً نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً " [الإسراء:20] عن أحد ، لمجرد أن تسأله صادقاً ، فالله عز وجل يعطيك سؤلك بشرط الصدق .
الصدق والعدل كلمتان تحكمان العلاقة بين العبد وربه :
لذلك من أروع ما قرأت عن قوله تعالى : " وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً " [الأنعام:115] يعني يا عبادي ، كلمتان تحكم العلاقة بيني وبينكم ، منكم الصدق ، ومني العدل تتفاوتون عندي بالصدق وأنا أعدل بينكم ، من هنا : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ " [الحجرات:13] .
لو الإيجابية ولو السلبية : " احرِصْ على ما ينفعك ، واستعن بالله ولا تعجزْ " [البخاري] هذا كلام عامة الناس ، انتهينا ، من قال لك انتهينا ؟ الله عز وجل موجود ، وأنا أقول دائماً استمع إلى الأخبار ما في مانع ، وأصغِ إلى التحليلات ، ولا تنسى لثانية واحدة أن الله موجود ، وأن الله قادر أن يغير كل المعادلات ، كن فيكون ، زل فيزول .
" واستعن بالله ولا تعجزْ ، وإن أصابك شيء فلا تَقُل : لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا " يعني كلمة لو محذوفة من قاموس المؤمن .
" فلا تَقُل : لو أنَّي فعلتُ لكان كذا وكذا ، ولكن قل : قَدَّر الله وما شاءَ فَعَل ـ الله قادر ـ فإن لو تفتحُ عَمَلَ الشيطان " [البخاري] إلا أن بعض العلماء استثنى من أنواع لو ، لو الإيجابية ، لو شخص ارتكب خطأ كبيراً ، كسب مالاً حراماً فدمر الله ماله ، لو قال لو لم أكسب هذا المال الحرام لما دمره الله عز وجل ، هذا كلام صحيح ، هذه اسمها لو الإيجابية ، أخطأ فدفع ثمن خطئه ، لو قال في نفسه لو لم أتورط في هذه المعصية ، لما كان كذا وكذا ، هذا الدرس لك ولغيرك .
اتخاذ الحكمة والموعظة الحسنة أساس لدعوة الناس إلى الحق لأن الإنسان مخير :
أيها الأخوة ، كما تعلمون علة وجودنا أن نعبده ، وينبغي أن نعبده كما جاء في بعض تعاريف العبادة ، هي طاعة ، العبادة طاعة ، لكنها طاعة طوعية ، لأن الأقوياء يطاعون قسراً ، لكن الله جلّ جلاله ، وهو خالق القوة في الكون ، ما أراد أن نعبده ، قال : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " [البقرة:256] أنا الذي أعجب منه أن خالق السماوات والأرض ، الذي بيده كل الأمر كن فيكون ما قَبِل أن نعبده قسراً ، قال : " لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ " فكيف أنت أيها المؤمن تريد أن تجبر الناس على الإيمان ؟ أنت ادعُهم إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فقط ، أما تجبرهم هذا ليس من شأنك لأن الله عز وجل خاطب نبيه ، قال : " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ " [البقرة:272] لست مسؤولاً لأنك لا تستطيع ، هم مخيرون ، وقال : " إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ " [القصص:56] " لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ " [البقرة:272] " وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ " [القصص:56] الإنسان مخير ، فالعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية .
مستويات العبادة :
1 ـ عبادة الهوية : ولكن : الآن دخلنا في اسم " القادر " هناك عبادة الهوية ، يعني الصلاة ، والصوم والحج ، والزكاة ، والصدق ، والأمانة ، وغض البصر ، والاستقامة ، وإنجاز الوعد ، وتنفيذ العهد ، هذه العبادة التعاملية ، لكن هناك استثنائية ، الإنسان إذا كان غنياً له عبادة خاصة عبادة إنفاق المال ، وإذا كان قوياً له عبادة خاصة ، عبادة إحقاق الحق ، إذا كان عالماً له عبادة خاصة عبادة إلقاء العلم دون أن يأخذه في الله لومة لائم ، عندنا عبادة اسمها عبادة الهوية ، ليس مطلوباً من المؤمن الغني أن يبالغ في قيام الليل ، ومعه أموال طائلة ، وحوله أناس فقراء جداً ، نقول لك : أنت أيها الغني، بعد أن تؤدي العبادات الكاملة لك عبادة استثنائية إنفاق مالك ، هناك عبادة اسمها عبادة الهوية ، الأقوياء لهم عبادة إحقاق الحق ، والعلماء لهم عبادة ؛ عبادة العلماء : " الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ " [الأحزاب:39] لأن العالم إذا خشي غير الله فسكت عن الحق خوفاً ، وتكلم بالباطل تقرباً ، انتهت دعوته كلها ، ما من داعٍ لنتحدث عن صفات أخرى ، صفة واحدة جامعة مانعة ، إذا ألغيت ألغي علمه .
قيل للحسن البصري : يا إمام بمَ نلت هذا المقام ؟ قال : باستغنائي عن دنيا الناس ، وحاجتهم إلى علمي .
لو أن العالم استغنى عن علمه انتهى علمه ، باستغنائي عن دنيا الناس ، وحاجتهم إلى علمي .
العبادة معرفة الله عز وجل وطاعته :
الإخوة الكرام ، بالحياة قمم ، هناك قمم الأقوياء ، وهناك قمم الأنبياء ، يوجد فرق كبير بينهما ، يوجد إنسان قوي يرأس أقوى دولة في العالم ، أمره على الشبكية نافذ في كل البلاد ، هذا قوي ، وهناك نبي ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا شيئاً ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء ملكوا القلوب .
إنسان له زوجة لا تنجب ، فتمنت عليه أن يأخذها إلى الحج ، يقول هذا الإنسان لصديقه : أنا لست مؤمناً بالدين أصلاً ، أرى الدين أفيون الشعوب ، قال له : ما صليت ركعتين في كل الحج ، هو ذهب من أجل زوجته ، لما وصل إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام لفت نظره بكاء الناس أمام هذا القبر ، متى عاش ؟ قبل ألف وأربعمئة عام ، ماذا أعطى هؤلاء ؟ انعقدت توبته أمام قبر النبي عليه الصلاة والسلام، شيء مذهل .
فالعبادة أن تعرف الله عز وجل ، وأن تطيعه .
2 ـ عبادة الظرف : لذلك هناك عبادة الهوية ، وهناك عبادة الظرف ، يوجد ظرف استثنائي ، عندك ضيف أول عبادة أن تكرم الضيف ، عندك مريض أول عبادة رعاية المريض .
3 ـ عبادة الوقت : هناك عبادة الوقت ، إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار ، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله بالليل .
4 ـ عبادة العصر : هناك عبادة العصر ، يعني إذا الطرف الآخر أراد إفقار المسلمين فاستصلاح الأراضي ، واستخراج الثروات ، وتطوير الصناعات أول عبادة للمسلمين ، الإسلام هو الحياة .
من تطبيقات اسم القادر :
1 ـ القوة حين أخذ أمر الله عز وجل : أيها الأخوة ، الآن الله عز وجل " القادر " فالله عز وجل يقول : " خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ " [البقرة:63] كن قوياً حينما تأخذ أمر الله عز وجل ، من تطبيقات اسم " القادر " " خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ " .
" فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ " [فصلت:15]
فالمؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله تعالى ، لكن ما في استكبار ، في تواضع .
دخل النبي عليه الصلاة والسلام مكة فاتحاً لها مطأطئ الرأس حتى كادت ذؤابة عمامته تلامس عنق بعيره .
2 ـ إعداد القوة اللازمة لنصر الدين الإسلامي:من تطبيقات اسم " القادر ": " وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ " [الأنفال:60] بصراحة الغرب لا يقنع إلا بالأقوياء ، ما دمنا ضعفاء لا يقنع بنا ولا بديننا المؤمن القوي ، فالله عز وجل " القادر " .
" وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ " .
لكن الكبر مع القوة مدمر ، قال قوم بلقيس : " قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ " [النمل:33] .
يروى أن هناك وصف لسيدنا الصديق ، وكان يُرى ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جدّ الجدّ فهو الليث عادياً ، المؤمن ليس عنده كبر ، أما عند الضرورة قوي جداً ، قالت : " يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " [القصص:26] يعني صفة رائعة جداً لمن تسلمه عملاً ، قوي ، أمين ، كفء ، مخلص ، الكفاءة والإخلاص .
3 ـ المؤمن متواضع لله يمرغ جبهته في أعتابه :
الآن آخر معنى من معاني اسم " القادر " : " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ " لا يخنع ، لا يستسلم ، لا ينبطح .
" وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " [الشورى:39] هو متواضع لله ، يمرغ جبهته في أعتاب الله ، لكن لا يضعف أمام خصمه " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ " لكن لا يوجد تطاول ، لا يوجد عدوان ، لا يوجد بغي ، لا يوجد طغيان .
" وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " [الشورى:40] .
الحق أساس وجودنا :
من هنا قيل ، دققوا في هذا القول : " إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي " [الحاكم عن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب] .
أمة ليس فيها عدل ، هذه أمة عند الله ليست مقدسة ، يروى أنه عقب الحرب العالمية الثانية سأل زعيم بريطاني وزراءه واحداً واحداً ، سأل وزير الصناعة ، كيف الوضع عندك ؟ قال له : المعامل كلها مدمرة ، سأل وزير الزراعة ؟ قال له : الحقول محروقة ، سأل وزير الخزانة ؟ قال له : الخزانة فارغة ، عقب حرب مدمرة ، ذهب فيها خمسون مليوناً ، فسأل وزير العدل ، كيف العدل عندك يا سيد فلان ؟ قال له : العدل عندي بخير ، قال له : كلنا إذاً بخير .
ممكن نمر بأزمات طاحنة ، ونبقى أمة قوية ، أما إذا ذهب الحق انتهينا عند الله ، قال له : إذاً كلنا بخير ، فلذلك : " إن الله لا يقدس أمة لا يأخذ الضعيف حقه من القوي " [الحاكم عن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب] .
والحمد لله رب العالمين