تسويات ودودة
قال لي، أشعر بالراحة مع من يشبهني في الرأي والذوق والمزاج، لأنه يكفيني عناء التبرير، تبرير الرأي، لا أحتاج معه لكدّ الذهن في الاحتجاج لأصالة أقوالي، وحجيتها. وقد لا تكون رصينة -وهي هشة فعلاً في بعض الأحيان- بما يكفي للدفاع عنها، والاستدلال على جودتها. أبدأ مع صديقي من النهايات، نتبادل الرأي في نهايات الأفكار، لا نحتاج للتنازع في المقدمات والخلفيات لأننا متفقين، وإن لم نكن متفقين، فلا نود أن نلتفت لها. ليس من المنطق أن نبدأ في أحاديثنا وتعليقاتنا الجانبية من المقدمات الديكارتية.
كما لا أحتاج معه لتبرير ذوقي الذي لا يخضع لقانون ولا يمكن التنبؤ به بسهولة. ذوق تشكّل تحت ظروف غامضة، تجاه الأشكال، والألوان، والأماكن، والطقس، والطعام، والشراب. ذوق لا يعترف بذوق الآخرين، وإنما يسير بموجب تداعياته الخاصة.
ولا أحتاج معه أيضاً لتبرير مزاجي المتقلب، أحياناً ألتقي صديقي في يوم كئيب، بنفس مغلقة، وروح مغلولة، فينعكس ذلك في كلماتي وآرائي، والتي تبدو حادة، وغرائبية، شاذة ومبالغ فيها إلى حد التهريج أحياناً، لا يهتم صديقي، وإنما يبتسم، ويعرف أن حالتي غير مستقرة، وربما يستفسر أكثر عن مزاجي المتعكر، لندخل في سرد روحاني، نراجع فيه مواقفنا الوجودية، ونكتشف فيه معاً ثقوب أرواحنا، ونسعى لترميمها، أو غلقها، ولو بغراء مؤقت. ربما يتحسن مزاجي قبل نهاية الجلسة، فأستعيد البهجة تدريجياً، لننخرط مجدداً في سخرية رصينة، وكوميديا “بيضاء”، نتزود بها كذخيرة حيّة نواجه بها بقية أيام الأسبوع، مدججين بدروع صلبة من الأمل، وصندوق من النكات/الذخيرة الحية.
صداقة تنطوي على تسوية ضمنية، واتفاق عميق. تسوية بالاعتراف بي كصديق مليء بالعيوب، لكن لا حاجة للنقاش حولها إلا في حدود ضيقة، وفي الوقت المناسب. واتفاق على القبول بي كما أنا، وأن يكف الصديق عن أن يتوقع مني ما يرغب به دوماً، بل يقبل بي، على أية حال. صداقة تنظر للحياة كمعركة لا يمكنك القتال فيها لوحدك.
مختارات