اسم الله الكريم 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الكريم):
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في اسم " الكريم ".
ورود اسم الكريم بصيغة الصفة المشبهة باسم الفاعل وصيغة اسم التفضيل: كما أن هذا الاسم العظيم ورد بصيغة الصفة المشبهة باسم الفاعل " الكريم " على وزن فعيل، ورد هذا الاسم أيضاً بصيغة اسم التفضيل، كما في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم: " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (3) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " [العلق:1-4].
ارتباط طلب العلم بالإيمان:
أيها الأخوة، أول كلمة في أول آية في أول سورة نزلت على قلب سيدنا محمد كلمة: " اقْرَأْ " أي اطلب العلم، لبِّ الحاجة العليا فيك، الله عز وجل كرم الإنسان بأن منحه قوة إدراكية، وما لم تلبَ هذه القوة الإدراكية لطلب العلم هبط الإنسان عن مستوى إنسانيته، إلى مستوىً لا يليق به.
" اقْرَأْ " ينبغي أن يكون طلب العلم مرتبطاً بالإيمان.
أنواع القراءات أربعة منها:
1 ـ قراءة البحث والإيمان: " اقْرَأْ " من أجل أن تؤمن، هذه القراءة سماها العلماء قراءة البحث والإيمان " اقْرَأْ " من أجل أن تؤمن " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ " وأقرب آية لك نفسك التي بين جنبيك " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ".
2 ـ قراءة الشكر والعرفان: أما القراءة الثانية: " اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ " منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد.
إذاً القراءة الثانية: قراءة الشكر والعرفان " اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ".
3 ـ قراءة الوحي والإذعان: أما القراءة الثالثة: قراءة الوحي والإذعان " عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ " كل شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به.
4 ـ قراءة العدوان والطغيان: إذاً أول قراءةٍ قراءةُ البحث والإيمان، والقراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، والقراءة الثالثة قراءة الوحي والإذعان، ونعود بالله من قراءة رابعة: " كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى " بالعلم.
" أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى " [العلق:7] إذا قوي الإنسان من أجل أن يسيطر على ما عند الآخرين، يخترع أسلحة جرثومية تارةً، وأسلحة كيماوية تارةً أخرى، والقنابل العنقودية، والقنابل الحارقة والخارقة، والقنابل الانشطارية، والقنابل الذرية، قنابل تفني البشر وتبقي الحجر " كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ".
الحق عند الغرب ينبع من القوة فقط :
الإنسان أحياناً يطغى بالعلم، يستخدم العلم لإبادة البشر، يستخدم العلم للسيطرة على مقدرات البشر.
إذاً قراءة البحث والإيمان، قراءة الشكر والعرفان، قراءة الوحي والإذعان، وقراءة العدوان والطغيان، القراءات الثلاثة الأولى لابدّ من أن تكون، أما القراءة الرابعة نعوذ بالله من أن تكون، لكن عند أهل الغرب أنت قوي إذاً أنت على حق، أما عند أهل الإيمان القوة تنبع من الحق لا الحق ينبع من القوة، لكن الحق يحتاج إلى قوة.
" المؤمن القويُّ خيْر وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف " [مسلم].
المعاني اللغوية لكلمة كريم:
لو رجعنا قليلاً للمعاني اللغوية لكلمة كريم، الحقيقة أن كلمة كريم كل صفة محمودة تسمى كرماً، كلمة جامعة مانعة، فالحلم كرم، والسخاء كرم، واللطف كرم، والصبر كرم، والمروءة كرم، صفة جامعة لمجموعة كبيرة من الصفات الحسنة، بينما الصفات الخسيسة من جبن، إلى بخل، إلى حقد، تجتمع الصفات الخسيسة بكلمة لؤم.
فكلمة كرم تعني مجموعة كبيرة من الصفات الحسنة، وكلمة لؤم تعني مجموعة كبيرة من الصفات الخسيسة، هذه واحدة.
أنواع الكرم: 1 ـ كرم النسب: هناك كرم النسب، من هو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم؟ إنه سيدنا يوسف،قال عليه الصلاة والسلام: " عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل:من أكرم الناس؟ قال: يوسف " [الطبراني].
2 ـ كرم الصورة: هناك كرم الصورة، قال تعالى: " فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ " [يوسف:31] كرم الصورة.
3 ـ كرم المنفعة: وهناك كرم المنفعة، الكريم الشيء الذي تكثر منافعه.
" قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ " [النمل:29] هناك نفع كبير.
4 ـ كرم الكتاب: وهناك كرم الكتاب، نقول كتاب كريم، كله منافع، كله فوائد، كله حقائق، كله توجيهات صائبة، كله خيرات، كله بركات، إذاً نقول القرآن الكريم.
" لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ " [فصلت:42] ليس فيه خلل، وليس فيه تناقض، وليس فيه مخالفة للواقع، ولا ضعف في الأسلوب، ولا غثاثة في المضمون، ليس فيه معالجة سريعة، ولا معالجة متناقضة، قرآن كريم خلا من كل شائبة.
أيها الأخوة، الكمال المطلق في القرآن الكريم، وفضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.
5 ـ كرم المخلوقات: الآن كرم المخلوقات ناقة كريمة، فرس كريم، الناقة الكريمة غزيرة اللبن درّها كثير.
والنبي عليه الصلاة والسلام حينما أرسل سيدنا معاذ إلى اليمن، من جملة ما قال له: أخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوك يا معاذ إلى ذلك، فإياك وكرائم أموالهم.
يعني عنده بقرة يحبها، يؤثرها، دعها له، خذ بقرة أخرى إياك و كرائم أموالهم.
الزكاة تؤخذ ولا تعطى لأنها فريضة وهي أساس التكافل الاجتماعي:
بالمناسبة الله عز وجل حينما قال: " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ " [التوبة:103] أي الزكاة تؤخذ ولا تعطى، لأنها فريضة، لأنها أساس التكافل الاجتماعي " خُذْ " والآية موجهة إلى النبي عليه الصلاة والسلام لا على أنه نبي في هذه الآية، بل على أنه ولي هذه الأمة " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ " وجاءت الأموال جمعاً كي تشمل الزكاة كل أنواع الأموال، حتى البترول عليه زكاة، عشرون بالمئة من واردات البترول هي لكل المسلمين " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً " تؤكد صدقهم، تسمى الزكاة صدقة أحياناً لأنها تؤكد صدق الإنسان، المال محبب.
" زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ " [آل عمران:14].
" خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ " أي تطهر الغني من الشح، والفقير من الحقد، وتطهر المال من تعلق حق الغير به " وَتُزَكِّيهِمْ " تنمي نفس الغني، يشعر بعمله العظيم، يشعر كيف أنه رسم البسمة على قلوب البائسين، وتنمي نفسية الفقير حينما يشعر أن مجتمعه أكرمه، وانتبه إليه، وأدخله في عنايته " تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ " هذه المعاني الدقيقة لكلمة " الكريم " أما لو تابعنا هذا الموضوع لوجدنا الأحجار الكريمة، هناك أحجار نادرة، غالية جداً، سميت الأحجار الكريمة.
الكريم من صفات الله جلّ جلاله لأنه:
1 ـ يتغافـل عن ذنوب عبـاده: إذاً كلمـة " الكـريـم " واسعـة جـداً، أمـا إذا قلنـا الله جـلّ جلالـه " الكـريـم " قــال " الكريم " يتغافل، واللئيم يدقق في العيوب " الكريم " من صفات الله جلّ جلاله لأنه يتغافل عن ذنوب عباده، بينما اللئيم يدقق في أدق الذنوب، لكن هناك تغافل، وهناك غفلة، الله عز وجل يتغافل، لكن كل شيء عنده بمقدار.
" يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " [غافر:19].
ولا تخفى عليه خافية " الكريم " يتغافل، واللئيم يدقق في العيوب، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: " تعوذوا بالله من مجاورة جار السوء إن رأى خيرا كتمه وإن رأى شرا أذاعه وتعوذوا بالله من إمام سوء إن أحسنت لم يقبل وإن أسأت لم يغفر " [البيهقى].
" الكريم " هو الذي يستر الذنوب ويخفي العيوب، هذا شأن الله عز وجل.
2 ـ يقابل من أتاه بالطاعات بالثواب الجزيل: وإذا قلت الله " الكريم " إذا أتاه عباده بالطاعات اليسيرة قابلهم بالثواب الجزيل، هل تصدقون أن إنساناً يضع لقمة في فم زوجته يراها يوم القيامة كجبل أُحد، أي تاجروا مع الله، هل هناك مؤسسة استثمارية تعطيك على الليرة الواحدة مئة ألف مليون؟ وأن تضع اللقمة في فم زوجتك هي لك صدقة، وتراها يوم القيامة كجبل أُحد، لذلك قال تعالى: " وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ " [آل عمران:133].
3 ـ يجعل العبد الحقير الضعيف شيئاً مذكوراً: إذا قلنا الله " الكريم " يعني الله عز وجل يجعل هذا العبد الحقير، العبد الفقير، العبد الضعيف، العبد الذليل، يجعله شيئاً مذكوراً، يرفع الله لك ذكرك، يعلي قدرك، يلقي محبتك في قلوب الخلق.
" عبدي أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلم لي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد " [ورد في الأثر].
إذاً يجعل هذا العبد الفقير، الضعيف، الذليل، الحقير، يجعله شيئاً مذكوراً يخفي عن الناس عيوبه، ويظهر محاسنه.
" وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ " [البقرة:40].
" يقول الرب تباركَ وتعالى:مَن شَغَلَهُ قراءةُ القرآن عن مسألتي:أعطيتُهُ أفضلَ مَا أُعْطِي السائلين " [الترمذي].
4 ـ التعليل من كرم الله عز وجل: إذا قلنا الله " الكريم " الله خالق السماوات والأرض، يخاطب إنساناً من خلقه يعطيه أمراً ويعلل له الأمر، الله عز وجل يمكن أن يأمر فقط، إنسان قوي يعطيك أمراً من دون تعليل، افعل أو أسحقك، لكن خالق السماوات والأرض يقول لك: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " [البقرة:183] يعطيك التعليل " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ " إذاً التعليل من كرم الله عز وجل، أحياناً أب قاس، يعطي ابنه أمراً ما نفذه يضربه، وهناك أب رحيم يعطيه أمراً ويقول له: يا بني هذا الأمر لمصلحتك، من أجل مستقبلك، من أجل سمعتك، من أجل تفوقك.
5 ـ أعطى الإنسان كل شيء لمجرد أنه قبل حمل الأمانة: وإذا قلنا الله " الكريم " أعطانا كل شيء لمجرد أننا قبلنا حمل الأمانة سخر لنا: " مَا في السماوات وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ " [الجاثية:13].
" هُوَ خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً " [البقرة:29].
" خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً " خصيصاً لكم، أنواع الأزهار بمئات الألوف، أنواع النباتات، نباتات الزينة فقط بمئات الألوف، نباتات البيوت التي تعيش من دون شمس في الغرف آلاف الأنواع.
يروون طرفة أن إنساناً أعطى حماراً فلة فأكلها، هذه خُلقت للإنسان ليشمها فالحمار هو الذي أعطاها للحمار.
" وسَخر لَكُمْ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ " إذا قلنا الله " الكريم " أعطى فأجزل، وإذا عُصي يجمل، يستر، أعطى فأجزل، وإذا عُصي أجمل.
6 ـ لا تتخطاه الآمال: وإذا قلنا الله " الكريم " هو الذي لا تتخطاه الآمال، للتقريب: يقول لك: إنسان محسن أي شيء تحتاجه اسألني وحدي، لا تسأل غيري، هناك أشخاص كرماء إلى درجة عالية جداً يغار عليك أن تبذل ماء وجهك لغيره، سلني كل حاجتك أستحلفك بالله لا تسأل غيري.
فلذلك الله عز وجل إذا سألت غيره يغضب عليك.
لا تسألن بُنـي آدم حـــاجــة وسل الذي أبوابه لا تغلــق
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسـأل يغضب
* * *
7 ـ لا يضيع من لاذ به ولا يضيع من التجأ إليه: من معاني الله " الكريم " الله " الكريم " لا يضيع من لاذ به، ولا يضيع من التجأ إليه: " وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ " [محمد:35].
ضع كل أملك بالله، ضع كل ثقتك بالله، توكل على الله.
" أَن تكون بما في يَدِ الله تعالى أَوثَقَ منك بما في يَدَيْكَ " [الترمذي].
الكريم يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله:
الآن كما تعودنا أنك تتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله، وهذا معنى قوله تعالى: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] ينبغي أن تتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله، هو كريم، هل أنت كريم؟.
مرة كان في الشام عندنا قاضي كبير، جاءته امرأة وزنها كبير، وفي درجة قبل أن تصل إليه، فلما صعدت هذه الدرجة صدر منها صوت قبيح من دون أن تقصد، فذابت خجلاً (كادت تذوب خجلاً) وإلى جانبها أختها، فلما وصلت إلى هذا القاضي، قال لها: ما اسمك يا أختي؟ قالت له اسمها، قال لها: ما سمعت، ارفعي صوتك، رفعت، قال لها: ما سمعت، ارفعِي أيضاً، أنا سمعي ضعيف، قالت لأختها: معناها ما سمعنا.
الكريم يتغافل لا يدقق، هناك أشخاص لؤماء، إذا غلطت أمامه غلطة قناص شعر أنها خجلت من هذا الصوت فادعى أنه ضعيف السمع، ارفعِي صوتك ما سمعت، ارفعِي صوتك، قالت لها: معناها ما سمعنا، هذا الإنسان الكريم هكذا.
الإنسان الكريم إذا هجرته وصلك وإذا رفعت إليه حاجة عاتب نفسه:
الإنسان الكريم إذا هجرته وصلك، بعض الأحاديث ورد: " أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع: خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا " [أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة].
مثلاً يخطب شاب من بيت يجعلونه ملاكاً، فإذا لم تتم الخطبة صار مصاباً بأمراض، ويقع بالساعة، أهله سيئون، تجد مليون صفة سيئة صبت عليه.
" أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع: خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية، وكلمة العدل في الغضب والرضا، والقصد في الفقر والغنى، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي، وأن يكون صَمْتي فِكْرا، ونُطْقِي ذِكْرا، ونظري عبرة " [أخرجه زيادات رزين عن أبي هريرة].
فالكريم يصل من قطعه، ويعطي من حرمه، ويعفو عمن ظلمه، هل أنت كريم؟ الكريم من إذا هجرته وصلك، وإذا مرضت عادك، وإذا وافيت من سفر زارك، وإذا افتقرت أحسن إليك.
الكريم من إذا رفعت إليه حاجة عاتب نفسه، دقق الآن، هذا مستوى رفيع جداً إذا سأله إنسان سؤالاً يعاتب نفسه، لمَ لم يبادر إلى تلبية حاجته من دون أن يسأله؟ لك قريب تفقده أنت، طرق بابك، طلب منك قرضاً، الأولى أن تسأل عنه، وألا تحيجه إلى أن يسألك أن تسأل أنت عنه.
الكريم يتجاوز ذنوب المسيئين ويوصل النفع إلى خلق الله أجمعين:
لذلك الكريم إذا رفعت إليه حاجة عاتب نفسه، لمَ لم يبادر قبل أن يُسأل عنها؟ لما أحوجته إلى السؤال قصرت في حقه، طبعاً الشاهد قوي جداً، قوله تعالى: " يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ " [البقرة:273] هذا سماه الله المحروم " وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ " [الذاريات:19] للسائل الذي يقتحم عليك، والمحروم من كرامته وعزته وعفته لا يسأل، فإن لم يُسأل يُحرم، ماذا تقتضي هذه الصفات لمن يستحق العطاء؟ أن تبحث أنت عنه، أن تسأله من حين لآخر، الكرماء لا ينتظرون أن يُسألوا، يتفقدون من حولهم، ويعطونهم حاجاتهم من دون أن يحرجوهم إلى أن يسألوا.
والكريم الذي يتجاوز ذنوب المسيئين، ويوصل النفع إلى خلق الله أجمعين، لا يفرق، هناك عادات سيئة جداً، قبل أن يساعده أنت من أين؟ لا، هذا عبد لله، الإنسان بنيان الله، وملعون من هدم بنيان الله.
من تعرف إلى أسماء الله الحسنى أقبل عليه:
لذلك حينما يقول الله عز وجل: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " يعني لن تصل إلى الله إلا إذا تخلقت بكمال مشتق من كماله، وحينما قال الله عز وجل مرة ثانية: " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " أنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى تقبل على الله.
تماماً كما لو أنك بحاجة ماسة إلى بيت، وعلمت أن إنساناً محسناً عنده بيت ويبحث عن إنسان صالح ليعطيه إياه، عندئذٍ تتجه إليه، متى اتجهت إليه؟ بعد تلك المعلومة التي نقلت إليك.
فأنت إذا تعرفت إلى أسماء الله الحسنى، أقبلت عليه.
" من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله هم دنياه " [الحاكم] واعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها.
والحمد لله رب العالمين
مختارات