اسم الله الحكم 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الحكم ) :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم " الحكم " .
رفض الناس أحياناً التفسير التوحيدي للأحداث وإيثارهم التفسير الشركي الأرضي :
الله سبحانه وتعالى يقول : " ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ "[غافر:12] .
الحقيقة أن الناس أحياناً يرفضون تفسيراً للأحداث توحيدياً ، ويؤثرون عليه تفسيراً شركياً أرضياً .
لا شك أن الزلزال اضطراب بقشرة الأرض ، هذا التفسير العلمي القريب ، ولكن من هو مسبب الأسباب ؟ لابدّ من أن نفهم الأحداث فهماً علمياً ، وفهماً توحيدياً في آنٍ واحد ذلك بأن الله وحده إذا كان الطرح أن الله وحده المتصرف بيده كل شيء .
" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ " [هود:123] .
" فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ " [الزخرف:84] .
يسوق للعباد ما يصلحهم ، أو يؤدبهم ، هذا التفسير التوحيدي مرفوض ، أما صراع الحضارات ، والقوى ، والمصالح الكبرى ، وما إلى ذلك من تفسيرات أرضية شركية هذا المقبول .
الحكم لله العلي الكبير في كل شيء :
" ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ " .
كيف الحكم لله ؟ طبعاً أضرب أمثلة بسيطة :
يموت الأب ويترك أولاداً وثروة طائلة ، أكبر الأولاد يستأثر بهذه الثروة ويجعل أخوته تحت جناحه ، لكن الله عز وجل كيف يحكم على هذا الابن الأكبر ؟ الظالم الذي استأثر بالثروة وحده ولم يعطِ أخوته منها شيئاً تتراجع أحواله ، ويوفق الله الآخرين إلى أن يعمل عندهم موظفاً ، فالله " الحكم " هو ظالم ، الله عسّر أموره ويسّر أمور الصغار ، وكم من حادثة يشيب لهولها الولدان ، المغتصب أصبح أجيراً عند أخوته الصغار الذين اُغتصبت أموالهم وظُلموا فوفقهم الله عز وجل .
أحياناً يكون طلاقاً بين زوجين ، الظالم تأتيه زوجة تريه النجوم ظهراً ، والزوجة المظلومة يأتيها زوج يعرف قيمتها ويحسن إليها ، الله حكم .
شريكان ، زوجان ، أخوان ، وريث : " وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ " [ص:23] .
أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل فهو محقق جزئياً :
أي هناك حكم بالآخرة شيء واضح تمام ، الله عز وجل أسماؤه الحسنى كلها محققة في الدنيا إلا اسم العدل ، محقق جزئياً ، يعني الله عز وجل يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، ولكن الحساب الختامي : " وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [آل عمران:185] نحن في دار عمل ، لسنا في دار جزاء ، هناك في هذه الدنيا عمل ولا جزاء وفي الآخرة جزاء ولا عمل .
" وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ " [الروم:27] .
" لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى " [طه:15] .
عدل الله عز وجل محقق كلياً يوم القيامة :
لذلك في بعض الآيات : " وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا " [مريم:71] قالوا : ورود النار غير دخولها ، ورود النار كإنسان ( شخص مهم جداً ) يؤخذ إلى السجن ليطلع على السجن ، المستقبل على مدخل السجن ، يرى الزنزانات ، يرى المساجين ، جاء زائراً ليطلع ، فالله عز وجل حينما يقول : " وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا " قال علماء التفسير : ورود النار غير دخولها ، ورود النار لا يتأذى واردها ولا بوهجها ، لكن ليرى عدل الله في الأرض ، ليرى هؤلاء الطغاة ما مصيرهم ، ليرى المؤمن مكانه في النار لو لم يكن مؤمناً .
لذلك عدل الله عز وجل محقق كلياً يوم القيامة ، وفي الدنيا محقق جزئياً ، فالحكم بالآخرة شيء بديهي ، أما الحكم في الدنيا ، الله يوفق المظلوم أحياناً ، ويعاقب الظالم .
بطولة الإنسان أن يكون على حقٍّ لأن الله عز وجل سينصره لا محالة :
آية ثانية : " قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ " [غافر:48] أي يوجد في الأرض صراعات ، ومذاهب ، وطوائف ، وأديان ، وأعراق ، وأنساب ، وتقسيمات ، كلٌ يدعي وصلاً بليلى ، يوم القيامة يقول الله عز وجل : " إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ " .
" إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " [الحج:17] .
كل جهة بالأرض تدعي أنها على حق ، أحياناً ترتكب جرائم باسم قيم ليست محققة ، يقول لك من أجل الحرية والديمقراطية ، تُقتل الشعوب ، تستباح الحُرمات ، تُنهب الثروات ، تحت شعار الحرية والديمقراطية ، هذه كلمات ما أنزل الله بها من سلطان ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول : " الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ " [يس:65] .
لا يسمح الله لهذا المجرم أن يقول كلمة ، اسكت ، انظر إلى عملك ، هو أحقر من أن يستطيع أن يقول كلمة ، كان كاذباً في الدنيا .
" إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ " [غافر:48] .
الله عز وجل يقول : " وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ " [يونس:109] .
بطولتك أن تكون على حق ، لأن الله سينصرك ، لأن الله سوف يكشف الحق ، البطولة أن تكون على حق .
أنواع الاختلاف بين الناس :
لكن الله سبحانه وتعالى يرخي الحبل للظالم أحياناً ، وفي أية لحظة هذا الظالم في قبضة الله عز وجل ، كان عليه الصلاة والسلام يدعو بهذا الدعاء : " اللهم فَاطِرَ السماوات والأرضِ ، عَالمَ الغَيبِ والشهادَةِ ، أَنتَ تَحكم بَينَ عِبَادِكَ فيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفون " [مسلم] .
وعند مسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف قال : " سألتُ عَائِشَةَ أُمَّ المؤمنين بِأي شيءٍ كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذَا قَامَ من اللَّيلِ ؟ قالت : كان إذا قَامَ من اللَّيلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ قال : اللَّهمَّ رَبَّ جِبرِيلَ ومِيكائِيلَ وإِسرَافِيلَ ، فَاطِرَ السماوات والأرضِ ، عَالمَ الغَيبِ والشهادَةِ ، أَنتَ تَحكم بَينَ عِبَادِكَ فيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفون ، اهدني لِما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بِإِذنِكَ ، إِنَّكَ تَهدي مَن تَشاءُ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ " .
1 ـ الاختلاف الطبيعي :
العلماء قالوا أيها الأخوة : هناك اختلاف طبيعي ، صاحبه ليس محموداً ولا مذموماً ، نحن في التاسع والعشرين من شعبان مثلاً يا ترى غداً رمضان ؟ لا ندري ، سمعنا صوتاً ، صوت مدفع يا ترى مدفع رمضان أم تفجير في الجبل ، يُشق طريق ، هناك صخرة كؤود ففجرت ، يا ترى تفجير أم مدفع رمضان ؟ صار في اختلاف ، هذا الاختلاف بسبب نقص المعلومات ، لكن هناك مدفع ثانٍ ، وثالث ، ورابع ، إذاً رمضان ، نفتح الإذاعة يقول المذيع : غداً أيام رمضان ، القضية حُسمت .
أحياناً الاختلاف هو نقص المعلومات ، ثم يُحسم الخلاف ، هذا اختلاف صاحبه ليس محموداً ، ولا مذموماً .
2 ـ الاختلاف القذر : لكن هناك اختلاف قذر .
" وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ " [آل عمران:19] أي حسد بينهم ، اختلاف حسد ، المسلمون إلههم واحد ، ونبيهم واحد ، وقرآنهم واحد ، هم مختلفون اختلاف مصالح ، اختلاف أهواء ، اختلاف حسد ، هذا الاختلاف القذر .
3 ـ الاختلاف المحمود : وهناك اختلاف آخر اختلاف محمود .
" اهدني لِما اختُلِفَ فيه من الحقِّ بِإِذنِكَ " [مسلم] .
الاختلاف المحمود إنسان يرى أن أفضل عمل بناء المساجد، إنسان آخر يرى أفضل عمل تأليف الكتب ، إنسان ثالث الدعوة إلى الله ، إنسان رابع إنشاء ميتم ، فأحياناً المؤمنين يتنافسون ، وتختلف وجهات نظرهم في الأعمال الصالحة ، هذا اختلاف محمود اختلاف تنافس .
" وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ " [المطففين:26] .
" لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ " [ الصافات:61] .
" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ " [آل عمران:133] .
يوجد مسارعة ، ويوجد تنافس ، هذا محمود .
من قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم :
التنافس على فعل الخيرات محمود ، والتنافس على مصالح الدنيا بسبب اختلاف الأهواء والمصالح هذا تنافس قذر ، والاختلاف بسبب نقص المعلومات هذا اختلاف طبيعي ، فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما أصاب مسلماً قط هم ولا حزن ، فقال : " [أحمد عن عبد الله بن مسعود] .
في بعض الآثار : " من قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم " الهم مصيبة ، هناك كآبة ، هناك قلق ، هناك إحباط ، هناك ضيق ، هناك شدة نفسية .
" من قصر بالعمل ابتلاه الله بالهم " .
يقول عليه الصلاة والسلام : " ما أصاب مسلماً قط همّ ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك وابن أمتك ناصيتي في يدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، وجلاء حزني ، وذهاب همّي ، إلا أذهب الله همه ، وأبدله مكان حزنه فرحا ، قالوا : يا رسول الله ألا نتعلم هذه الكلمات ؟ قال : بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن " [أحمد عن عبد الله بن مسعود] .
أدعية النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة التهجد : لا زلنا في الآيات والأحاديث التي تتحدث عن أن الله هو الحكم .
" النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد " [البخاري] .
ألم يقل الله عز وجل : " أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا " [الإسراء:78-79] .
" كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد ، قال : اللهم لك الحمد ، أنتَ نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد ، اللهم بك آمنت ، ولك أسلمت وعليك توكلت ، وإليك أنبت ، وبك خاصمت ، وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت ، وما أخَّرت ، وما أسررت ، وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ، ولا إله غيرك " [مسلم] .
هذه أدعية النبي عليه الصلاة والسلام في صلاة التهجد .
علاقة المؤمن باسم الحكم :
أنت كمؤمن ما علاقتك باسم " الحكم " ؟ أولاً ينبغي ألا تتخذ حكماً من دون الله ، من هو صاحب القلب السليم ؟ الله عز وجل حينما قال : " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء:88-89] من صاحب القلب السليم ؟ قال : الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يعبد إلا الله ، ولا يقبل إلا حكم الله ، لذلك من صفات المؤمن أنه لا يتخذ من دون الله حكماً .
" إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ " [يوسف:40] .
ثم يقول الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم : " أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً " [الأنعام:114] .
من لا يقبل حكم الله عز وجل وحكم نبيه فليس بمؤمن :
إخواننا الكرام ، كلام خطير ، أنت حينما تختلف مع أخٍ ، أو مع زوجةٍ ، أو مع شريك ، أو مع وريث ، والذي يحكم بينكما يقدم لك حكم رسول الله ولا تقبل به ، أقسم لكم بالله أنك لست مؤمناً ، الدليل : " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " [الأحزاب:36] .
الله عز وجل ورسوله من خلال الكتاب والسنة حكما للمرأة المطلقة بمهرها ، المرأة المسلمة التي تقيم في بلاد الغرب ، القاضي هناك يحكم بنصف أموال الزوج ، لا تقبل حكم رسول الله ، بأن تأخذ مهرها حينما تُطلق ، ترفع أمرها إلى قاضٍ غير مسلم ليحكم لها بنصف أملاك زوجها " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " الحقيقة أن المؤمن علاقته بهذا الاسم لا يقبل حكماً إلا الله ، إلا الله في قرآنه ، وإلا النبي عليه الصلاة والسلام في سنته .
بطولة الإنسان إذا كُلف بالحكم أن يحكم بالعدل :
لكن قد يغيب عن الناس أن كلمة قاضٍ ، هو إنسان بقصر العدل ، يعتلي منصة القضاء ، ويحكم بين الناس ، من قال لك ذلك ؟ أنت في مئات الحالات قاضٍ ، أنت أب عندك بنت متزوجة ، جاءت البنت إليك تشكو زوجها ، فأنت أردت أن تكيل الصاع صاعين لزوجها ، أبقيتها عندك ، ومنعتها من الاتصال به ، سألته أنت ؟ هل سألت زوجها ما الذي يزعجه منها ؟ أبداً ، انحاز إلى ابنته انحيازاً كاملاً ، هو حكم الآن، لكن ما كان حكماً عادلاً ، ما سمع من الطرفين .
شخص سأل شيخاً قال له : إنسان تلقى ضربة من إنسان ، فرد عليه بضربة ثانية ، قال له : لا شيء عليه ، المضروب كان الأب ، قالوا : الفتوى على قدر الوصف ، فالبنت حكت لك ، أنت ما قبلت أن تلتقي بزوجها كي تستمع منه أيضاً ، لست أباً عادلاً، أحياناً الأب يكون حكماً عادلاً بين ولدين ، أو بين زوجين ، يكون حكماً بين شريكين أحياناً .
فأنت شئت أم أبيت في مئات الحالات أنت حكم ، فالبطولة إذا آمنت باسم " الحكم " وكلفت أن تحكم أن تحكم بالعدل ، أما الانحياز صفة ناقصة بالإنسان ، يقول عليه الصلاة والسلام : " كَتَبَ أبي ، وكتبتُ له إِلى ابنه عبد الله بن أبي بكرة وهو قاض بسِجِسْتان أن لا تَحْكُمَ بين اثنين وأنت غضبان ، فإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يحكم أحد بين اثنين وهو غضبان " [البخاري ومسلم] .
العلماء حملوا على هذا النهي 33 حالة ، أحياناً شخص جائع جداً ، الجائع جداً ليس أهلاً أن يحكم ، كيف ما كان يريد إنهاء الموضوع ، لأنه جائع ، أحياناً يكون متألماً ، أحياناً عنده مشكلة ، العلماء بتفاصيل الأحكام الفقهية قاسوا 33 حالة على هذا النهي لا تحكم وأنت غضبان .
ما من قضية يتنازع عليها إلى يوم القيامة إلا فيها حكم الله بالقرآن والسنة :
إذاً المؤمن إذا حُكم يحكم بالعدل ، وإذا احتكم لا يحتكم إلا لله ، إذا حكم لا يحكم إلا بالعدل ، ولا يقبل أن ينحاز إلى ابنه أو إلى من يلوذ به .
تجد هناك أشخاص عنده حاسة سادسة وذكي جداً ، له مشكلة ، هذه لا تحل عند العلماء ، تحل في القانون ، لذلك يلجأ إلى المحاكم ، وقد يكون القانون غير شرعي ، لكن مشكلته تحل بالقانون ، يقول لك : نحن في بلد ، في محاكم ، في قانون ، نخضع له ، هو نفسه في قضية أخرى كبيت مستأجر بنظام قديم لا يحل في القانون ، المستأجر قوي القانون حاميه يأتي إلى عند العلماء ، نريد شرع الله ، لماذا أنت هنا تريد حكم القانون ؟ هنا تريد شرع الله ؟ هذه المزاوجة ، والتقلب ، والتنوع ، وراءه يوجد خبث ، فأنت إما أن تقبل بحكم الله ، أو بحكم القانون ، أما مرة بالقانون ، مرة بحكم الله عز وجل ، النقطة الدقيقة ، قال تعالى : " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ " [النساء:59] .
تنازعت مع جهة علوية ، من هو الحكم ؟ " فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ " في القرآن الكريم " وَالرَّسُولِ " في سنته ، والآية فيها ملمح دقيق جداً ، أي ما من قضية يتنازع عليها إلى يوم القيامة إلا فيها حكم الله بالقرآن والسنة ، أيعقل أن يحيلك الله إلى شيء غير صحيح ، قال لك : " فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ " .
مرة طائرة فيها أربعون أو خمسون خبيراً ، بأعلى مستوى من دولة عربية هؤلاء الخبراء ذهبوا إلى بلد أجنبي ، وتلقوا علومهم العسكرية لتطوير الأسلحة وما إلى ذلك وعادوا جميعاً في طائرة واحدة ، هذه الطائرة أُسقطت ، بالقرآن : " وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ " [يوسف:67] كان من الأولى أن يأتي كل واحد برحلة ، فلما اجتمع أربعون خمسون خبيراً بطائرة واحدة ، هذه الطائرة أُسقطت .
لو دققت لتجد كل قضايانا لها حلول في القرآن وفي السنة .
علامة إيمانك أن ترضى بحكم الله ورسوله :
شيء آخر ، وهذا كلام خطير ، يقول الله عز وجل : " فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً " [النساء:65] هذه علامة الإيمان أن ترضى بحكم الله ورسوله ، فكل إنسان يكون حكماً ، فإذا حكم أن يحكم بالعدل ، وكل إنسان قد يحتكم ، فإذا احتكمت فاحتكم إلى الشرع ، وإذا كنت حكماً اجعل هذه الآية منهجاً لك : " قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ " [النمل:27] حقق ، لا تقبل كلاماً من طرف واحد ، هناك قاضٍ أراد أن يُعفى من منصبه فسأله الخليفة لماذا ؟ قال له : قبل أيام قدم لي طبق من الرطب ، وأنا معروف في البلدة أنني أحب الرطب في بواكيرها ، فسأل غلامه من جاء بهذا الطبق ؟ قال له : رجل ، قال له : صفه لي قال : كيت وكيت ، فإذا هو أحد المتخاصمين عنده ، في اليوم التالي يقول للخليفة : والله في اليوم التالي تمنيت أن يكون الحق مع الذي قدم الطبق مع أني لم آخذه فكيف لو أخذته ؟ وجد نفسه غير مؤهل أن يكون قاضياً ، وكيف لو طلب منه مبلغاً معيناً ؟الآن ؟ يقول له : هذه تحتاج نصف مليون ، أحكم لك لكن تحتاج نصف مليون .
لذلك إن كنت حكماً فاحكم بالعدل ، وأي واحد منا شاء أم أبى يكون قاضياً آلاف المرات في حياته ، دون أن يشعر ، وإن احتكمت فاحتكم إلى الشرع .
والحمد لله رب العالمين
مختارات
-
هل تلاوة القرآن مخصوصة بنهار رمضان؟
-
عاشوراء والهجرة النبوية من أيام الله تعالى
-
قبل أن يفوت الآوان ..
-
تميز بول الغلام الرضيع من دلائل النبوة الخاتمة
-
النسمة الثالثة: عندما يفرح الرب (3)
-
" القلادة الثانية عشر "
-
" أحلام اليقظة "
-
من روائع قصص الإعجاز التشريعي في الإسلام
-
شرح دعاء" اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي"
-
" ثمرات وفوائد الاستغفار ( الاستغفار من أسباب الرزق ) "