اسم الله العزيز 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( العزيز) :
أيها الأخوة الكرام ، لا زلنا في اسم " العزيز " .
من معاني اسم العزيز :
1 ـ المعز :
الاستقامة هي الطريقة العملية لإعزاز الإنسان :
متى تكون عزيزاً ؟ يعني بالتطبيق العملي تكون عزيزاً ، إذا كنت محسناً حينما تكون طبيباً وتراجع الدراسات التي أتقنتها ، وتسأل المريض هل عندك حساسية من هذا الدواء ؟ أما إن لم تسأله ، وأصابته صدمة ، ولم تكن قد أعلمته فأنت مسؤول ، أي أنك إذا كنت محسناً تكون عزيزاً في عملك ، إذا كنت زوجاً محسناًَ تكون عزيزاً في بيتك ، إذا كنت أباً محسناً تكون عزيزاً عند أولادك ، إذا كنت تاجراً صدوقاً نصوحاً تكون عزيزاً عند زبائنك ، إذا كنت مدير مؤسسة محسناً تكون عزيزاً عند موظفيك .كأن الله سبحانه وتعالى يبين لنا طريق العز ، أنت تكون متقناً ، أن تكون محسناً
" لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى "الجنة " وَزِيَادَةٌ "النظر إلى وجه الله الكريم ، و " وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ "أي غبار ، و " وَلَا ذِلَّةٌ " تكون عزيزاً إذا كنت محسناً ، تكون عزيزاً إذا كنت نظيفاً ، تكون عزيزاً إذا كنت صادقاً ، تكون عزيزاً إذا كنت أميناً ، لا أحد يستطيع أن ينال منك ، وكأنك ملك ، المستقيم عزيز ، النظيف عزيز ، الطاهر عزيز ، الصادق عزيز المخلص عزيز ، تكون عزيزاً إذا كنت مستقيماً " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ " .
العاقل من ابتعد عما يُعتذر منه :
المؤمن الصادق خلوته كجلوته و سره كعلانيته :
إذا كنت مع " العزيز " كنت عزيزاً ، إذا كنت مع " العزيز " قطعاً سوف تكون مستقيماً ، لأنه لا يقبلك إلا إذا كنت مستقيماً ، فإذا كنت مستقيماً طبيعة الحياة ترفعك عند الناس تكون عزيزاً .
أيها الأخوة ، هذا معنى أن " العزيز " هو المعز ، إن أردت الدنيا والآخرة فاستقم على أمر الله ، إن أردت أن تكون فالحاً ، وناجحاً ، وعزيزاً ، وكريماً ، ورفيع المقام ، كن مستقيماً ، الاستقامة أصل من أصول الدين ، لن تقطف من ثمار الدين شيئاً إلا إذا كنت مستقيماً ، المؤمن الصادق لا يوجد عنده موقف مزدوج ، خلوته كجلوته ، سره كعلانيته ، سريرته كعلانيته ، باطنه كظاهره ، مع الناس حاله كحاله في خلوته .
الصدق والاستقامة والأمانة هذه الأخلاق بحدِّ ذاتها تجعل الإنسان عزيزاً :
إخوانا الكرام ، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، كما قال السيد المسيح ، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام ، الإنسان يعيش بكرامته ، كرامته تتأتى من استقامته .
تصور إنسان كُشف أنه كاذب ، كُشف أنه خائن ، كُشف أن مختلس ، كُشف أنه يحابي أقربائه، انتهى ، سقط من عين الناس ، ومن عين الله عز وجل ، ولئن يسقط الإنسان من السماوات إلى الأرض فنتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله .
معنى " العزيز " المعز ، ولأنه أمرك أن تكون صادقاً ، مستقيماً ، أميناً ، عفيفاً ، هذه الأخلاق الرفيعة هي بحدِّ ذاتها تجعلك عزيزاً ، يقول لك : فلان نظيف ، فلان صادق فلان أمين .
2 ـ أن يكون الله عز وجل أغلى عندك من أي شيء آخر :
سلعة الله غالية ، يعني الجنة لن تكون بركعتين ، وليرتين ، تكون باستقامة ، تكون بمجاهدة ، تكون بضبط نفس ، تكون بصبر " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا " .من طمع بجنة عرضها السماوات والأرض عليه أن ينفق من وقته وماله في سبيل الله :
الطريق إلى الله ليس سالكاً حينما تُؤثر كل شيء على رضا الله تعالى :
أحياناً الإنسان من أجل ابنه يرتكب كل المعاصي والآثام ، يسافر إلى بلد بعيد يستقر هناك ، يتجنس ، وينسى أن يتصل بأبيه بالعامين مرة ، يتزوج ، لأنه عصا الله من أجله ، فكان ردّ ابنه هكذا " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ "
مكانتك في المجتمع ، الآن : " وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا " [التوبة:24] .أحياناً يكون في بضاعة محرمة لكن ربحها عالٍ جداً .
" وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا " [التوبة:24] .
مغتصب بيتاً ، يعني أي شيء في الدنيا بيت ، مكانة ، منصب ، مكسب ، إن كانت هذه الأشياء : " أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا " [التوبة:24] يعني الطريق إلى الله ليس سالكاً ، هو عزيز لأن الله عز وجل ، حينما تستسلم له كلياً ، حينما تخضع له كلياً ، حينما تؤثره على كل شيء ، ترى من الخيرات ، والرفعة والمكانة ، والشأن ، والراحة ، والتوازن ، والسعادة ، والاستقرار ، والشعور بالأمن ، والشعور بالتفوق ، ما لا يوصف .القرب والحفظ والتأييد من الله عز وجل لا يكون إلا بالخضوع لأمره والاستسلام له :
" فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " [التوبة:24] حقيقة دقيقة في الدين ، أن تجمع بين الدين والدنيا ، أن تجمع بين الدين وبين مخالفات وتجاوزات في الدنيا ، بإمكانك أن تصلي لكن لن تستطيع أن تتصل بالله ، بإمكانك أن تحج بيت الله الحرام لكن لن تستطيع أن تكون مُقبلاً على الله ، بإمكانك أن تصوم رمضان ، هذه العبادات الشعائرية بإمكانك أن تؤديها أداءً تاماً أما إذا كان هناك شهوة أو معصية أو انحراف أغلى عليك من الله فاعلم علم اليقين أن الطريق إلى الله ليس سالكاً ، هذه الآية أعيدها مرة ثانية : " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " .
الله " العزيز " إن أخلصت له ، إن خضعت له ، إن استسلمت له ، إن وضعت تحت قدمك كل حظوظك ترى شيئاً لا يوصف ، ترى القرب ، ترى الحب ، ترى التوفيق ، ترى التأييد ، ترى النصر ، ترى التوازن ، ترى السعادة ، ترى الطمأنينة ، فإن آثرت عليه شيئاً فالطريق إليه ليس سالكاً ، ممكن تشتري هاتفاً بأعلى مستوى ، وبأغلى ثمن ، لكن ما في خط ما في ونة لن يكون الخط حاراً إلا باستقامتك على أمر الله .
طاعة الله عز وجل ثمن حلاوة الإيمان :
الإيمان له حلاوة ، أو هناك حقائق وهناك حلاوة ، الحقائق واضحة جداً ، أركان الإسلام ، أركان الإيمان ، أحكام الصلاة ، الصوم ، الحج ، والزكاة ، يسهل حفظها ، ويسهل أن تعلمها أيضاً ، أما حلاوة الإيمان شيء لا يصدق ، حلاوة الإيمان يجعلك بطلاً ، حلاوة الإيمان يجعلك تضع تحت قدمك كل حظوظ الدنيا .سيدنا خبيب قبل أن يصلب ، قبل أن يصلبه المشركون سأله أبو سفيان ، أتحب أن يكون محمد مكانك ؟ وأنت معافىً في أهلك ؟ قال خبيب : والله (سيموت بعد قليل) والله ما أحب أن أكون في أهلي ، أمامي زوجتي ، وأولادي ، وفي بيتي ، ومستقراً ، ومرتاحاً ، وعندي عافية الدنيا ونعيمها ، النعيم ، في زهور ، في أنواع منوعة من الفواكه في كل الأجهزة الكهربائية في البيت ، بيت مساحته واسعة ، إطلالته جميلة ، أمامك زوجتك شابة في ريعان الشباب ، أولاد ، والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ، وعندي عافية الدنيا ، ونعيمها ، ويصاب رسول الله بشوكة ، فقال أبو سفيان : ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً .
هذا الإيمان ، حينما يستوي عندك التبر والتراب تكون مؤمناً ، المليون مثل الليرة في شبهة ؟ تركلها بقدمك ، حلاوة الإيمان لها ثمن ، ثمنها طاعة الله عز وجل .
أكيد ، لو سألت مليار وخمسمئة مسلم ألا تحب الله أكثر من كل شيء ؟ يقول لك : طبعاً أعوذ بالله ! هذا كلام ، أن يكون الله في قرآنه ، والنبي في سنته حينما يتعارضان مع مصلحتك أن تؤثر جانب الله عز وجل ، وجانب رسوله ، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان ، أن يكون الله في قرآنه ، والنبي في سنته أحب إليك مما سواهما عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان .
سلعة الله غالية :
مرة ثانية : ألا إن سلعة الله غالية ، نحن في الدنيا يا أخوان ، حتى تكتب جانب اسمك دال فقط معك ابتدائي ، وإعدادي ، وثانوي ، وجامعة ، ودبلوم عامة ، ودبلوم خاصة ، وماجستير ، ودكتوراه ، ثلاثة و ثلاثون سنة دراسة ، من أجل إضافة كلمة دال ، يأتي ملك الموت ينهيها لك ، عميد أسرتهم الدكتور فلان ، انتهت ، اللقب العلمي انتهى .
فمن أجل أن تكون مؤمناً ، من أجل أن تصل إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، هذا يحتاج إلى جهد كبير .
" ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما "
عند التعارض ."وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار".
3 ـ عجز اللسان عن وصفه سبحانه :
من تواضع لله رفعه و من تكبّر وضعه :
في تواضع ، سيدنا الصديق ، له خدمة لجارته ، له جارة عجوز ، كان يحلب لها الشياه ، فلما أصبح خليفة المسلمين دخل الحزن على هذا البيت ، لأن هذه الخدمة سوف تنتهي ، في صبيحة اليوم الأول من تسلمه الخلافة ، طرق باب العجوز ، فقالت لابنتها : افتحي الباب يا بنيتي ، فلما رجعت إليها قالت : من الطارق ؟ قالت : جاء حالب الشاة يا أمي ، قالت: إنه أمير المؤمنين ! جاء حالب الشاة ، أمير المؤمنين يحلب الشياه لجارته العجوز .كلما تواضعت لله زادك عزاً ، وكلما تكبرت وضعك .
سيدنا عمر دخل رسول عامله على أذربيجان إلى المدينة ليلاً ، كره أن يطرق بابه ، فتوجه إلى المسجد ، سمع رجلاً في الليل ، وفي الظلام يناجي ربه ويقول : يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي ، أم رددتها فأعزيها ؟ قال له : من أنت يرحمك الله ؟ قال له : أنا عمر ، قال له : أمير المؤمنين ! ألا تنام الليل ؟ قال له : أنا إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي ، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي ، دعاه إلى البيت ، أتأكل عندنا أم عند فقراء المسلمين ؟ قال له : عندك ، يوجد فرق كبير جداً ، قال : يا أم المؤمنين ماذا عندك من طعام ؟ قالت : والله ما عندنا إلا خبز وملح ، فقال لها : هاتيه لنا ، أكل مع هذا الضيف والضيف توهم أن الطعام عند أمير المؤمنين شيء كبيرة ، أما مع الفقراء ! الفقراء يأكلون اللحم ، هو يأكل الخبز والملح ، فلما أكل وشبع قال : الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وأسقانا فروانا ، هذا التواضع ، كان في مجاعة ، خاطب بطنه ، قال : قرقر أيها البطن أو لا تقرقر فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين .
قال عليه الصلاة والسلام : " إن الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله وإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله " [سلسلة الأحاديث الضعيفة:3020] .
لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً :
آخر شيء أيها الأخوة ، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا ، وأقرب مما اتقى ، إن أردت أن تصل إلى شيء بمعصية هذا الشيء بَعُد عنك ، والخطر اقترب منك ، لكن الحقيقة الدقيقة : لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً ، فإن لم تكن موحداً ، يمتلئ القلب خوفاً عندئذٍ تنبطح من شدة الخوف ، لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد .
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
***
اسم " العزيز " أيها الأخوة ، يهب المؤمن العزة ، والكرامة ، والمؤمن حينما يطيع الله عز وجل يكون عزيزاً .