اسم الله العزيز 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (العزيز):
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في اسم " العزيز ".
من معاني اسم العزيز:
1 ـ المعز:
" العزيز " يعني المعز، كأن تقول الأليم أي المؤلم، هذا معنىً آخر، " العزيز " هو المعز، كأن تقول هذا شيء أليم أي مؤلم، وقد قال الله عز وجل: " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ " [آل عمران:26].
الإعزاز خير، والإذلال خير، إيتاء الملك خير، ونزعه خير، لأن الله سبحانه وتعالى كماله مطلق.
" عَجَبا لأمر المؤمن ! إنَّ أمْرَه كُلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابتْهُ سَرَّاءُ شكر، فكان خيراً له، وإن أصابتْهُ ضرَّاءُ صَبَر، فكان خيراً له " [أخرجه مسلم].
لم يقل بيدك الخير والشر، قال " بِيَدِكَ الْخَيْرُ " لأن إيتاء الملك خير وانتزاعه خير لحكمة بالغةٍ بالغة، والإعزاز خير والإذلال خير، لكن الله سبحانه وتعالى يذل ليعز، ويخفض ليرفع، ويأخذ ليعطي، هذه الأسماء الحسنى، كما قال بعض العلماء: ينبغي أن تذكر مثنى مثنى، الضار النافع، يضر لينفع، ويخفض ليرفع، ويأخذ ليعطي، ويذل ليعز، فمن أسماء الله تعالى " العزيز " أي المعز.
الاستقامة هي الطريقة العملية لإعزاز الإنسان:
لكن ما الطريقة العملية لإعزاز الإنسان، الله عز وجل بيّنها، قال تعالى: " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ " [يونس:26].
متى تكون عزيزاً؟ يعني بالتطبيق العملي تكون عزيزاً، إذا كنت محسناً حينما تكون طبيباً وتراجع الدراسات التي أتقنتها، وتسأل المريض هل عندك حساسية من هذا الدواء؟ أما إن لم تسأله، وأصابته صدمة، ولم تكن قد أعلمته فأنت مسؤول، أي أنك إذا كنت محسناً تكون عزيزاً في عملك، إذا كنت زوجاً محسناًَ تكون عزيزاً في بيتك، إذا كنت أباً محسناً تكون عزيزاً عند أولادك، إذا كنت تاجراً صدوقاً نصوحاً تكون عزيزاً عند زبائنك، إذا كنت مدير مؤسسة محسناً تكون عزيزاً عند موظفيك.
كأن الله سبحانه وتعالى يبين لنا طريق العز، أنت تكون متقناً، أن تكون محسناً
" لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى " الجنة " وَزِيَادَةٌ " النظر إلى وجه الله الكريم، و " وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ " أي غبار، و " وَلَا ذِلَّةٌ " تكون عزيزاً إذا كنت محسناً، تكون عزيزاً إذا كنت نظيفاً، تكون عزيزاً إذا كنت صادقاً، تكون عزيزاً إذا كنت أميناً، لا أحد يستطيع أن ينال منك، وكأنك ملك، المستقيم عزيز، النظيف عزيز، الطاهر عزيز، الصادق عزيز المخلص عزيز، تكون عزيزاً إذا كنت مستقيماً " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ".
العاقل من ابتعد عما يُعتذر منه:
بالمقابل: " وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ " [يونس:27].
متى يكون ذليلاً؟ إذا كان خائناً، حينما تكشف خيانته يُذل، إذا كان سارقاً يُذل، إذا كان كاذباً يُذل، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: " إياك وما يعتذر إليه " [أخرجه الطبراني] العمل الذي تضطر أن تعتذر منه إياك أن تفعله، تبقى رافع الرأس.
" وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ " [يونس:27].
المؤمن الصادق خلوته كجلوته و سره كعلانيته:
إذا كنت مع " العزيز " كنت عزيزاً، إذا كنت مع " العزيز " قطعاً سوف تكون مستقيماً، لأنه لا يقبلك إلا إذا كنت مستقيماً، فإذا كنت مستقيماً طبيعة الحياة ترفعك عند الناس تكون عزيزاً.
أيها الأخوة، هذا معنى أن " العزيز " هو المعز، إن أردت الدنيا والآخرة فاستقم على أمر الله، إن أردت أن تكون فالحاً، وناجحاً، وعزيزاً، وكريماً، ورفيع المقام، كن مستقيماً، الاستقامة أصل من أصول الدين، لن تقطف من ثمار الدين شيئاً إلا إذا كنت مستقيماً، المؤمن الصادق لا يوجد عنده موقف مزدوج، خلوته كجلوته، سره كعلانيته، سريرته كعلانيته، باطنه كظاهره، مع الناس حاله كحاله في خلوته.
الصدق والاستقامة والأمانة هذه الأخلاق بحدِّ ذاتها تجعل الإنسان عزيزاً:
إخوانا الكرام، ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، كما قال السيد المسيح، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، الإنسان يعيش بكرامته، كرامته تتأتى من استقامته.
تصور إنسان كُشف أنه كاذب، كُشف أنه خائن، كُشف أن مختلس، كُشف أنه يحابي أقربائه، انتهى، سقط من عين الناس، ومن عين الله عز وجل، ولئن يسقط الإنسان من السماوات إلى الأرض فنتحطم أضلاعه أهون من أن يسقط من عين الله.
معنى " العزيز " المعز، ولأنه أمرك أن تكون صادقاً، مستقيماً، أميناً، عفيفاً، هذه الأخلاق الرفيعة هي بحدِّ ذاتها تجعلك عزيزاً، يقول لك: فلان نظيف، فلان صادق فلان أمين.
2 ـ أن يكون الله عز وجل أغلى عندك من أي شيء آخر:
أيها الأخوة، معنىً آخر من معاني " العزيز ": يستحيل أن تصل إليه، ويستحيل أن يتجلى على قلبك، ويستحيل أن يقربك إذا كان في حياتك شهوة أو معصية أغلى عليك منه، فالطريق ليس سالكاً إلى الله، هو عزيز، أحياناً إنسان تسترضيه بشيء بسيط، أما في جهة أخلاقية لا تسترضى ولا بشكل، إلا إذا كنت مستقيماً، نقطة دقيقة، الله عزيز، لا يمنحك وده، لا يمنحك حبه، لا يمنحك رعايته، لا يدافع عنك، لا يقربك إلا إذا كان الله عز وجل أغلى عليك من شيء، إن كان الله عندك هكذا منحك قربه، ودّه، توفيقه، محبته، أما إذا في شهوة أغلى عليك منه، أو في مخالفة مقيم عليها، وتعلم أنها مخالفة لن تصل إليه، ولن تأخذ من ثمار الدين شيئاً، هذه حقيقة، الدليل، قال تعالى: " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا " [العنكبوت:69].
سلعة الله غالية، يعني الجنة لن تكون بركعتين، وليرتين، تكون باستقامة، تكون بمجاهدة، تكون بضبط نفس، تكون بصبر " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ".
من طمع بجنة عرضها السماوات والأرض عليه أن ينفق من وقته وماله في سبيل الله:
آية أخرى: " لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ " [آل عمران:92].
تنفق من وقتك الثمين، تنفق من مالك العزيز، تنفق من خبرتك، أما أن تطمع بجنة عرضها السماوات والأرض وأنت حريص على المال، حريص على الراحة، حريص على ألا تضع نفسك في موضع محرج، ولا تعبأ بأي عمل صالح، ليس هذا من شأن المؤمن، لكن الآية التي توضح هذا المعنى بشكل جلي هي قوله تعالى: " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ " [التوبة:24] والله هذه الآية تقصم الظهر [قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ] يعني الأب غني، وقوي أمر ابنه بمعصية فالابن من شدة حرصه على أن يأخذ من مال أبيه، وأن يبقى مقرباً إليه فعصى الله إرضاءً لأبيه هذا المعنى " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ " [التوبة:24] من أجل أن تجعله رفيع الشأن في المجتمع، أكلت المال الحرام، كان ابنه أغلى عنده من الله " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ "
" وَإِخْوَانُكُمْ " [التوبة:24]من أجل أن تكون عندهم كبيراً المجتمع فاسد، المجتمع منحل، فمن أجل أن تكون عندهم كبيراً عصيت الله وأرضيتهم " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ "
" وَأَزْوَاجُكُمْ " [التوبة:24] تحبها كثيراً، طلبت منك طلباً يُغضب الله، فمن أجلها أغضبت الله عز وجل، مرة كان الحسن البصري رحمه الله تعالى، وهو من التابعين الكبار عند والي البصرة، جاءه توجيه من الخليفة إلى هذا الوالي، لو أنه نفذه لأغضب الله عز وجل، ولو أنه لم يعبأ بهذا التوجيه لأغضب الخليفة، فعزله، كان عنده الإمام الحسن البصري، قال له: ماذا أفعل؟ والله أيها الأخوة، أجابه إجابة يجب أن تكون منهجاً لكل واحد منا، منهج، قال له: إن الله يمنعك من يزيد، ولكن يزيد لا يمنعك من الله.
الطريق إلى الله ليس سالكاً حينما تُؤثر كل شيء على رضا الله تعالى:
أحياناً الإنسان من أجل ابنه يرتكب كل المعاصي والآثام، يسافر إلى بلد بعيد يستقر هناك، يتجنس، وينسى أن يتصل بأبيه بالعامين مرة، يتزوج، لأنه عصا الله من أجله، فكان ردّ ابنه هكذا " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ "
" وَعَشِيرَتُكُمْ " [التوبة:24].
مكانتك في المجتمع، الآن: " وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا " [التوبة:24].
أحياناً يكون في بضاعة محرمة لكن ربحها عالٍ جداً.
" وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا " [التوبة:24].
مغتصب بيتاً، يعني أي شيء في الدنيا بيت، مكانة، منصب، مكسب، إن كانت هذه الأشياء: " أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا " [التوبة:24] يعني الطريق إلى الله ليس سالكاً، هو عزيز لأن الله عز وجل، حينما تستسلم له كلياً، حينما تخضع له كلياً، حينما تؤثره على كل شيء، ترى من الخيرات، والرفعة والمكانة، والشأن، والراحة، والتوازن، والسعادة، والاستقرار، والشعور بالأمن، والشعور بالتفوق، ما لا يوصف.
القرب والحفظ والتأييد من الله عز وجل لا يكون إلا بالخضوع لأمره والاستسلام له:
" فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " [التوبة:24] حقيقة دقيقة في الدين، أن تجمع بين الدين والدنيا، أن تجمع بين الدين وبين مخالفات وتجاوزات في الدنيا، بإمكانك أن تصلي لكن لن تستطيع أن تتصل بالله، بإمكانك أن تحج بيت الله الحرام لكن لن تستطيع أن تكون مُقبلاً على الله، بإمكانك أن تصوم رمضان، هذه العبادات الشعائرية بإمكانك أن تؤديها أداءً تاماً أما إذا كان هناك شهوة أو معصية أو انحراف أغلى عليك من الله فاعلم علم اليقين أن الطريق إلى الله ليس سالكاً، هذه الآية أعيدها مرة ثانية: " قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ".
الله " العزيز " إن أخلصت له، إن خضعت له، إن استسلمت له، إن وضعت تحت قدمك كل حظوظك ترى شيئاً لا يوصف، ترى القرب، ترى الحب، ترى التوفيق، ترى التأييد، ترى النصر، ترى التوازن، ترى السعادة، ترى الطمأنينة، فإن آثرت عليه شيئاً فالطريق إليه ليس سالكاً، ممكن تشتري هاتفاً بأعلى مستوى، وبأغلى ثمن، لكن ما في خط ما في ونة لن يكون الخط حاراً إلا باستقامتك على أمر الله.
طاعة الله عز وجل ثمن حلاوة الإيمان:
شاهد آخر: " ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان " [أخرجه البخاري ومسلم].
الإيمان له حلاوة، أو هناك حقائق وهناك حلاوة، الحقائق واضحة جداً، أركان الإسلام، أركان الإيمان، أحكام الصلاة، الصوم، الحج، والزكاة، يسهل حفظها، ويسهل أن تعلمها أيضاً، أما حلاوة الإيمان شيء لا يصدق، حلاوة الإيمان يجعلك بطلاً، حلاوة الإيمان يجعلك تضع تحت قدمك كل حظوظ الدنيا.
سيدنا خبيب قبل أن يصلب، قبل أن يصلبه المشركون سأله أبو سفيان، أتحب أن يكون محمد مكانك؟ وأنت معافىً في أهلك؟ قال خبيب: والله (سيموت بعد قليل) والله ما أحب أن أكون في أهلي، أمامي زوجتي، وأولادي، وفي بيتي، ومستقراً، ومرتاحاً، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، النعيم، في زهور، في أنواع منوعة من الفواكه في كل الأجهزة الكهربائية في البيت، بيت مساحته واسعة، إطلالته جميلة، أمامك زوجتك شابة في ريعان الشباب، أولاد، والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي، وعندي عافية الدنيا، ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة، فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً.
هذا الإيمان، حينما يستوي عندك التبر والتراب تكون مؤمناً، المليون مثل الليرة في شبهة؟ تركلها بقدمك، حلاوة الإيمان لها ثمن، ثمنها طاعة الله عز وجل.
" ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما " [أخرجه البخاري ومسلم].
أكيد، لو سألت مليار وخمسمئة مسلم ألا تحب الله أكثر من كل شيء؟ يقول لك: طبعاً أعوذ بالله ! هذا كلام، أن يكون الله في قرآنه، والنبي في سنته حينما يتعارضان مع مصلحتك أن تؤثر جانب الله عز وجل، وجانب رسوله، عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان، أن يكون الله في قرآنه، والنبي في سنته أحب إليك مما سواهما عندئذٍ تذوق حلاوة الإيمان.
سلعة الله غالية:
مرة ثانية: ألا إن سلعة الله غالية، نحن في الدنيا يا أخوان، حتى تكتب جانب اسمك دال فقط معك ابتدائي، وإعدادي، وثانوي، وجامعة، ودبلوم عامة، ودبلوم خاصة، وماجستير، ودكتوراه، ثلاثة و ثلاثون سنة دراسة، من أجل إضافة كلمة دال، يأتي ملك الموت ينهيها لك، عميد أسرتهم الدكتور فلان، انتهت، اللقب العلمي انتهى.
فمن أجل أن تكون مؤمناً، من أجل أن تصل إلى جنة عرضها السماوات والأرض، هذا يحتاج إلى جهد كبير.
" ثلاثٌ من كُنُّ فيه وجدَ بهنَّ طَعْمَ الإيمان أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما "
عند التعارض.
" وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار ".
3 ـ عجز اللسان عن وصفه سبحانه:
أيها الأخوة، من معاني " العزيز " من ضلت العقول في بحار عظمته، وكلت الألسنة عن وصف كمالاته، هذا المعنى عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك " [صحيح عن علي بن أبي طالب].
من تواضع لله رفعه و من تكبّر وضعه:
الآن أيها الأخوة، كلما تواضعت لله تزداد عزاً، علاقة عكسية، وكلما ترفّع الإنسان وتكبّر وضعه الله عز وجل، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: " لو دُعيتُ إلى كُراَع " [أخرجه البخاري] يعني أقل أنواع الضيافة، قدم غنم.
" لو دُعيتُ إلى كُراَع أو ذراَع لأجَبتُ ولو أُهْدِيَ إليَّ ذِراعُ أو كُراعَ لَقَبِلْتُ " [أخرجه البخاري].
في تواضع، سيدنا الصديق، له خدمة لجارته، له جارة عجوز، كان يحلب لها الشياه، فلما أصبح خليفة المسلمين دخل الحزن على هذا البيت، لأن هذه الخدمة سوف تنتهي، في صبيحة اليوم الأول من تسلمه الخلافة، طرق باب العجوز، فقالت لابنتها: افتحي الباب يا بنيتي، فلما رجعت إليها قالت: من الطارق؟ قالت: جاء حالب الشاة يا أمي، قالت: إنه أمير المؤمنين ! جاء حالب الشاة، أمير المؤمنين يحلب الشياه لجارته العجوز.
كلما تواضعت لله زادك عزاً، وكلما تكبرت وضعك.
سيدنا عمر دخل رسول عامله على أذربيجان إلى المدينة ليلاً، كره أن يطرق بابه، فتوجه إلى المسجد، سمع رجلاً في الليل، وفي الظلام يناجي ربه ويقول: يا رب هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي، أم رددتها فأعزيها؟ قال له: من أنت يرحمك الله؟ قال له: أنا عمر، قال له: أمير المؤمنين ! ألا تنام الليل؟ قال له: أنا إن نمت ليلي كله أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي، دعاه إلى البيت، أتأكل عندنا أم عند فقراء المسلمين؟ قال له: عندك، يوجد فرق كبير جداً، قال: يا أم المؤمنين ماذا عندك من طعام؟ قالت: والله ما عندنا إلا خبز وملح، فقال لها: هاتيه لنا، أكل مع هذا الضيف والضيف توهم أن الطعام عند أمير المؤمنين شيء كبيرة، أما مع الفقراء ! الفقراء يأكلون اللحم، هو يأكل الخبز والملح، فلما أكل وشبع قال: الحمد لله الذي أطعمنا فأشبعنا وأسقانا فروانا، هذا التواضع، كان في مجاعة، خاطب بطنه، قال: قرقر أيها البطن أو لا تقرقر فوالله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين.
قال عليه الصلاة والسلام: " إن الصدقة لا تزيد المال إلا كثرة فتصدقوا يرحمكم الله وإن العفو لا يزيد العبد إلا عزا فاعفوا يعزكم الله " [سلسلة الأحاديث الضعيفة:3020].
" التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة " [سلسلة الأحاديث الضعيفة:3424].
لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً:
آخر شيء أيها الأخوة، من ابتغى أمراً بمعصية كان أبعد مما رجا، وأقرب مما اتقى، إن أردت أن تصل إلى شيء بمعصية هذا الشيء بَعُد عنك، والخطر اقترب منك، لكن الحقيقة الدقيقة: لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً، فإن لم تكن موحداً، يمتلئ القلب خوفاً عندئذٍ تنبطح من شدة الخوف، لن تكون عزيزاً إلا إذا كنت موحداً، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد.
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
***
الموحد يرى أن يد الله فوق أيديهم، يرفع رأسه، لا ينافق، لا يتذلل، لا يتضعضع، لا يساوم، الموحد رقم صعب، الموحد ما له ثمن، أما أي إنسان آخر له ثمن وكل إنسان له ثمن، لمجرد أن يكون لك ثمن أنت انتهيت كإنسان، مبلغ معين يبدد قناعتك انتهيت، أما الموحد رقم صعب، ليس له ثمن.
" والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه " [السيرة النبوية].
اسم " العزيز " أيها الأخوة، يهب المؤمن العزة، والكرامة، والمؤمن حينما يطيع الله عز وجل يكون عزيزاً.
والحمد لله رب العالمين
مختارات