" الأمر بالعدل بين الناس "
" الأمر بالعدل بين الناس "
المساواة بين الخصوم:
الوصية الثامنة في آية الأنعام العدل وعدم محاباة القريب، فقال تعالى: " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى " (الأنعام: 152) قال الطبري رحمه الله: «يعني تعالى ذكره بقوله: " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا " وإذا حكمتم بين الناس فتكلمتم فقولوا الحق بينهم واعدلوا وأنصفوا ولا تجوروا، ولو كان الذي يتوجه الحق عليه والحكم ذا قرابة لكم، ولا يحملنكم قرابة قريب أو صداقة صديق حكمتم بينه وبين غيره أن تقولوا غير الحق فيما احتكم إليكم فيه» (كما في تفسيره)، وقال البغوي رحمه الله: « " وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا " في الحكم والشهادة ولو كان ذا قربى ولو كان المحكوم والمشهود عليه ذا قرابة (كما في تفسيره)، وقال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالعدل في الفعال والمقال على القريب والبعيد، والله يأمر بالعدل لكل أحد في كل وقت وفي كل حال (كما في تفسيره).
قلت: وكذلك العدل في الحكم، قال تعالى: " يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " (المائدة، الآية: 8).
وفي حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن – عز وجل – وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا» (أخرجه مسلم).
التحري الدقيق قبل الحكم:
يجب على الحاكم أو نائبه أو المصلح بين الناس أن يتحرى الدقة في القضية بين الخصوم فينظر في ملابساتها ولا يستعجل في الحكم حتى لا يندم، ولهذا قال تعالى: " يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ "، وفي قراءة: " فتثبتوا " " أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ... نَادِمِينَ " (الحجرات: 6) قال ابن كثير رحمه الله: يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبًا أو مخطئًا (كما في تفسيره).
قلت: ذكر غير واحد من المفسرين أن الآية نزلت في الوليد بن عقبة حين أرسله النبي صلى الله عليه وسلم لجباية زكاة الحارث بن ضرار وقومه من بني خزاعة، فلمَّا بلغ بعض الطريق فرق – أي خاف – فرجع وقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي... إلى آخر القصة (أخرج القصة أحمد والطبراني في الكبير والواحدي في كتابه أسباب النزول)، وهذه القصة لا تثبت لا سندًا ولا متنًا، أما السند فإن مدار القصة على دينار الكوفي والد عيسى وهو مجهول فلم يروى عنه إلا ابنه عيسى كما في التهذيب، وقال الحافظ في التقريب: مقبول، أي حيث يتابع وإلا فليس الحديث، وأما من حيث المتن، فمن المستبعد جدًا أن يحدث هذا من صحابي فيكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصفه الله بالفسق، والصحابة عدول بالإجماع، وقد زكَّاهم الله ورسوله فتنبه.
مختارات