اسم الله السميع 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (السميع):
أيها الأخوة الكرام، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم: " السميع ".
ورود اسم السميع في القرآن الكريم والسنة الشريفة:
هذا الاسم أيها الأخوة، ورد في قي القرآن الكريم قريباً من خمسين آية في كتاب الله، قال تعالى: " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " [الشورى:11].
وقال تعالى: " إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً " [النساء:58] وقد اقترن هذا الاسم مع اسم العليم في ثلاثين آية، ومع اسم البصير في عشر آيات، ومع اسم القريب في آية واحدة، وقد ورد أيضاً في صحيح البخاري من حديث أبي موسى الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، رأى أصحابه يرفعون أصواتهم في الدعاء فقال: " أَيُهَا الناسُ اربِعُوا على أَنْفُسِكم ـ أشفقوا ـ إنكم ليس تدعون أصمَّ ولا غائباً إنكم تدْعُونَ سميعاً قريباً " [البخاري ومسلم].
وقد روى أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته فيقول: " أعُوذُ بالله السميع العليم، من الشَّيطانِ الرجيم " [أبو داود والترمذي والنسائي].
التعريف اللغوي للسميع:
معنى " السميع " الصيغة أولاً صيغة مبالغة، كلكم يعلم أن لغتنا العربية من أرقى اللغات المتصرفة، بمعنى أن هناك نظام الأسر، في مصدر، في فعل ماض، فعل مضارع، فعل أمر، اسم فاعل، اسم مفعول، اسم مكان، اسم زمان، اسم آلة، اسم تفضيل، صفة مشبهة باسم الفاعل، اسم الفاعل على نوعين، اسم فاعل من ثلاثي، ومن رباعي، واسم فاعل مبالغ به، كأن تقول فلان غفور، أو أن الله غفور، كثير المغفرة، أو غافر، هناك فعول، فعيل، مفعال، مفضال، وفَعِل، حَذِر، وهناك صيغ مبالغة كثيرة.
فاسم السميع صيغة مبالغة من اسم الفاعل سامع، والفعل سمع يسمع سمعاً.
الآن نحن كما تعلمون هناك صفة ذات، وصفة أفعال، فالله سبحانه وتعالى حينما قال:
" خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ " [البقرة:7].
السمع هنا الأذن صفة ذات، وصفة فعل: " وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ " [الأحقاف:29] إما أن السمع صفة ذات الأذن، أو أن السمع صفة فعل الاستماع.
الطاعة مع الصبر طريق الإنسان إلى النصر:
الآية الثانية الفهم: " سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا " [البقرة:93].
أما المؤمن، المؤمنون يقولون: " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا " [البقرة:285] أيها الأخوة، الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر.
" وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً " [آل عمران:120].
" وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ " [إبراهيم:46].
تصوروا أن الله سبحانه وتعالى، الإله العظيم، خالق السماوات والأرض يصف هو مكر هؤلاء الكفار بأن الجبال تزول من مكرهم " وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ " ثم يقول الله عز وجل: " وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً " هل تصدقون أن مشكلات العالم الإسلامي تحل بكلمتين " وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً " أما إن تعصوا وتصبروا ليس بعد المعصية والصبر أي القهر إلا القبر، معصية وصبر، تنتهي إلى القبر، أما الطاعة مع الصبر طريق إلى النصر " سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا " وكأن هذه الآية تصف حال المقصرين " سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا " أما المؤمنون: " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ".
مقياس سماع كلام الله عز وجل تطبيقه والاستفادة منه:
أيها الأخوة، الآن مع وقفة متأنية عند السمع في القرآن الكريم: " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ " [الأنفال:21].
تماماً كما لو قال لك أحدهم: على كتفك عقرب شائلة، بقيت هادئاً، متوازناً، مرتاحاً، ابتسمت، التفت نحوه، قلت له: أنا أشكرك على هذه الملاحظة، وأسأل الله أن يمكنني أن أكافأك عليها، الذي يقف بهدوء، ويبتسم، ويتكلم بفصاحة، ويجب على هذا الذي أدى له هذه الملاحظة بهذا الجواب، هل تصدقون أنه فهم ما قال له؟ مستحيل ! لو فهم ما قال له لقفز، وصرخ، وخلع معطفه، وبحث عن العقرب ليقتله، أليس كذلك؟.
فكل إنسان يسمع ولا يستجيب هو عند الله لم يسمع، هذا المفهوم الدقيق، هو عند الله لم يسمع، من علامات السمع أن تستجيب، هذا الكلام ينقلنا إلى حقيقة، هذه الحقيقة أن الإنسان بحسب بنيته يدرك، ينفعل، يتحرك.
هذا القانون جاء به عالم من علماء النفس، علاقتك مع المحيط وفق هذا القانون أوضح مثل:
تمشي في بستان رأيت ثعباناً علامة صحة إدراكك أنه ثعبان تضطرب، اضطرابك، خوفك، صياحك، دليل أنك فهمت أنه ثعبان، والانفعال، والاضطراب ينقلك إلى الحركة، إما أن تفر منه، أو أن تحاول قتله، إدراك، انفعال، سلوك، فأي إدراك ما رافقه انفعال الإدراك غير صحيح، وأي انفعال ما رافقه سلوك الانفعال غير صحيح.
فأي إنسان استمع إلى القرآن الكريم، ولم يستجب معنى ذلك أنه عند الله لم يستمع " وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ " ما سمع، الآية إذاً: " سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ " [البقرة:285] أي لا تكون سامعاً عند الله إلا إذا استجبت لما سمعت، مقياس السماع التطبيق.
مراحل هداية الخلق هي:
1 ـ الهدى البياني:
الآية الثانية: " إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا " [التحريم:4].
صغت بمعنى أصغت، علامة حسن الإصغاء أن تستجيب، من هنا الله عز وجل من حكمته البالغة أنه إذا أراد هداية الخلق هناك مراحل، أول مرحلة الهدى البياني وأنت معافى، صحيح، سليم، مرتاح، لا يوجد عندك مشكلة، الله عز وجل يُسمعك الحق من خلال خطبة مسجد، درس يُلقى، كتاب يُقرأ، ندوة تشاهدها، أسمعك الله الحق، فأكمل موقف مع الهدى البياني أن تستجيب.
" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ " [الأنفال:24].
إذا دعاكم لحياة خلقتم من أجلها، إذا دُعيتم إلى حياة أبدية، لكم فيها ما تشاؤون فيها:
" ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ " [البخاري ومسلم].
إذا دُعيتم إلى حياة أبدية في جنة عرضها السماوات والأرض استجيبوا، فالدعوة بيانية، بأعلى درجات السلامة، والراحة، والسرور، يُسمعك الله الحق، بطولتك أن تستجيب لما سمعت، إن استجبت فقد سمعت، وإن لم تستجب لم تستمع.
2 ـ التأديب التربوي:
الإنسان إن لم يستجب الله عز وجل من رحمته يخضعه لأسلوب آخر، التأديب التربوي:
" وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ " [السجدة:21].
في شدائد، في فقر، في قهر، في مرض، في قلق، في حزن.
" عجب الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل " [البخاري].
ثمن الجنة حسن الظن بالله عز وجل:
صدقوا أيها الأخوة، وأقول لكم دائماً: حسن الظن بالله ثمن الجنة، كل الشدائد التي ترونها وتسمعونها، من أجل سوق الناس إلى ربهم، من أجل أن يستحقوا جنة عرضها السماوات والأرض.
" وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ " [القصص:47].
" مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى " [طه:134].
وهناك آية: " وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ " [الأنعام:75] أي لا يمكن أن تُساق المصيبة إلا لحكمة بالغةٍ بالغة.
" أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ " [آل عمران:165].
" يا عبادي ! لو أنَّ أوَّلكم وآخرَكم، وإنسَكم وجِنَّكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيتُ كُلَّ إنسان مسألتَهُ، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يَنْقُص المِخْيَطُ إذا أُدِخلَ البحرَ ـ ذلك لأن عطائي كلام، كن فيكون، وأخذي كلام ـ يا عبادي، فمن وَجَدَ خيراً فليَحْمَدِ الله ومن وجد غير ذلك فلا يَلُومَنَّ إلا نَفْسَهُ " [مسلم] كلام واضح.
" وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ " [الشورى:30].
" ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر " [أخرجه ابن عساكر].
" مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ " [آل عمران:147].
3 ـ الإكرام الاستدراجي:
أيها الأخوة " إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا " لكن أحياناً الإنسان تأتيه الشدة فلا يستجيب، إن جاءه الهدى عليه أن يستجيب، إن جاءه التأديب التربوي عليه أن يتوب، فإن لم يستجب، وقد جاءه الهدى، ولم يتب وقد جاءه البلاء، في أسلوب آخر الإكرام الاستدراجي، قوي، غني، أرباح طائلة، تفوّق، سمعة، متع، وفي معاصي، إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره، هذا اسمه إكرام استدراجي، بالإكرام الاستدراجي الموقف الكامل أن تشكر، بالدعوة البيانية أن تستجيب، بالتأديب التربوي أن تتوب، بالإكرام الاستدراجي أن تشكر.
4 ـ القصم:
الإنسان إن لم يستجب، ولم يشكر، نعوذ بالله هناك القصم:
" فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ " [الأنعام:44].
هذه الآية تلغي الحيرة، يا أخي ! بلاد كالجنات ! أموال لا تأكلها النيران، بيوت، مركبات، نساء، ملاهي، كل شيء بأعلى درجة، معاصي، آثام، إباحية، شذوذ، عدوان، وظلم " فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ " [الأنعام:44] هدى بياني، تأديب تربوي، إكرام استدراجي، قصم.
من كان فيه ذرة خير أسمعه الله عز وجل الحق:
هناك تساؤل: أن يا رب في بلاد بعيدة، وفي شعوب شاردة ما وضعها يوم القيامة؟ قد يقول أحدنا ما جاءها من نذير كيف تحاسب؟ الآية دقيقة: " وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " [الإسراء:15].
لكن بعضهم قال: العقل هو الرسول، العقل يكفي أن تعرف الله به، والفطرة تكفي أن تكشف بها خطيئتك، أنت مبرمج، أنت مفطور، مجبول على معرفة الخطأ ذاتياً الآن استمعوا لهذه الآية: " وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ " [الأنفال:23].
مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يكون في الإنسان ذرة خير إلا ويسمعه الله الحق " وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ".
والحمد لله رب العالمين
مختارات