اسم الله الباطن 1
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : (الباطن) :
التعريف اللغوي للباطن :
وقد أكّد علماء النفس أن هذا الطفل حينما يولد ليس عنده أية مهارة ، ولا أية قدرة " لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً " إلا منعكساً واحداً لولاه لما عاش إنسان على سطح الأرض ، إنه منعكس المص ، آلية معقدة جداً تُخلق مع الجنين ، فإذا وصلت إصبع الممرضة إلى شفتيه مصها ، لولا هذا المنعكس لما عاش إنسان على وجه الأرض " وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً " .
عدم الإحاطة بالله لأنه لا يعرف الله إلا الله :
أيها الأخوة ، والشيء الباطن المحتجب عن الأنظار .
وبطن كل شيء ما احتجب عن النظر ، لكن الله عز وجل هو " الباطن " ما معنى أن الله باطن ؟ قال : الله عز وجل محتجب عن الأبصار ، والدليل قوله تعالى : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " [الأنعام:103] لا يًرى في الدنيا ، وأي ادعاء أنه رأى الله فهو كاذب " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " لكنه يُرى في الآخرة .
أيها الأخوة ، الله عز وجل يُرى في الآخرة ، ولكن لا يدرك ، أي لا يحاط به لا في الدنيا ، ولا في الآخرة ، لأنه لا يعرف الله إلا الله ، إذاً يُرى في الآخرة بدليل قوله تعالى " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " [القيامة:22-23] .
وقد ورد في بعض الآثار : أن الإنسان إذا نظر إلى وجه الله الكريم يغيب خمسين ألف عام من نشوة النظرة .
أسعد إنسان على وجه الأرض من وصل إلى رضوان الله تعالى : لذلك هناك جنة، وهناك نظرة إلى وجه الله الكريم ، في قوله تعالى : " لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ " [يونس:26] الحسنى هي الجنة .
أن تكون في الجنة هذه حسنى ، وأن يُسمح أن تنظر إلى وجه الله الكريم هذه الزيادة ، أما الأكبر " وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ " .
لذلك أسعد إنسان على وجه الأرض من وصل إلى رضوان الله ، أن تمشي في رضوان الله ، أن يكون دخلك في رضوان الله ، أن يكون إنفاقك في رضوان الله ، أو يكون وصلك للآخرين في رضوان الله ، أن تكون قطيعتك لمن حولك في رضوان الله ، أن تعطي لله ، أن تمنع لله ، أن ترضى لله ، أن تغضب لله ، أن تصل لله ، أن تقطع لله ، هذا من كمال الإيمان .
" الباطن " المحتجب عن الأبصار وأي ادعاء لرؤية الله عز وجل هو ادعاء كاذب :
إذاً " الباطن " المحتجب عن الأبصار " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " لا يُرى في الدنيا ، وأي ادعاء لرؤيته فهو ادعاء كاذب ، الحقيقة أن خصائص الجسم في الدنيا لا تسمح برؤية الله .
إذاً مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن يرى الإنسان ربه في الدنيا ، لأن أجهزته ، خصائصه ، حواسه لا تحتمل أن ترى الله ، لكن طبيعة الإنسان في الجنة تختلف عن طبيعته في الدنيا ، في الجنة يمكن أن ترى الله " وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " .
لكن في كلا الحالين أن تحيط بالله مستحيل ، لا يعرف الله إلا الله ، يعني أنت ممكن أن تصل بمركبتك إلى الساحل ، ممكن ، أن تخوض بهذه المركبة البحر مستحيل ! .
فقال بعض العلماء : عين العلم به عين الجهل به ، وعين الجهل به عين العلم به لو شخص سأل رجلاً أن هذا البحر المتوسط كم لتر ؟ فإذا قال لا أدري فهو عالم ، إذا قال 33 مليار و762 يكون كاذباً ، أي رقم يذكر إجابة عن هذا السؤال فهو كذب ، أما أي قول لا أدري فهو العلم .
لذلك قال سيدنا الصديق : العجز عن إدراك الإدراك إدراك .
يعني قمة العلم في الحديث عن ذات الله نقول لا أعلم ، أنت في أعلى درجات العلم ، إذا قلت لا أعلم .
اختلاف نظام الدنيا عن نظام الآخرة :
النفس في الآخرة هي كلها أعين،كلها آذان،شعاع،كل شيء خطر في بالك تجده أمامك" إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ " .
" فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ "أنت في الدنيا لا تستطيع أن ترى ابنك بنظرة وهو في أمريكا، أما في الآخرة أي شيء يخطر في بالك تجده أمامك ، نظام آخر .
الدنيا دار ابتلاء أساسها الكدح و الآخرة دار تشريف أساسها الإكرام :
لذلك من الخطأ الكبير أن تتوهم الآخرة كالدنيا ، أو أن تتوهم خصائص الإنسان في الآخرة كخصائصه في الدنيا ، في الدنيا : " يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ " [الانشقاق:6] من أجل أن تأكل طبقاً من الطعام ، تحتاج إلى عمل ساعة ، من أجل أن تركب مركبة تحتاج إلى دراسة طويلة ، إلى تجارة عريضة ، من أجل أن تتزوج تحتاج إلى دخل يعني الدنيا مبنية على الكدح " يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ " .
نظام الآخرة نظام إكرام ، نظام الدنيا نظام عمل ، الدنيا دار عمل ، ليست دار أمل ، الدنيا دار تكليف ليست دار تشريف ، الدنيا دار ابتلاء ليست دار جزاء ، طبيعة الدنيا شيء وطبيعة الآخرة شيء آخر ، طبيعة الدنيا أساسها الكدح ، طبيعة الآخرة أساسها الإكرام " لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ " [ق:35] .
اختلاف خصائص الإنسان في الدنيا عن خصائصه في الآخرة :
أضيق دائرة دائرة المرئيات ، يقول لك أنا سافرت إلى بريطانيا ، وإلى الهند ، وإلى مصر ، هذه مرئياته ، لكن يسمع بالأخبار مئات المدن ، هنولولو مثلاً ، يسمع بها فالمسموعات أكثر بكثير ، أما الخواطر لا نهاية لها ، دقق في الحديث : " أعْدَدْتُ لعباديَ الصالحين ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ " هذا الإله العظيم الذي خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟ .
لذلك أيها الأخوة ، الله عز وجل شاءت حكمته أن نكون على خصائص في الدنيا لا تسمح لنا أن نرى الله ، فهو باطن ، وشاءت حكمته أيضاً أن يهبنا خصائص أخرى في الآخرة أن نرى الله .
إنسان دخل إلى بستان جميل ، جميل جداً، لكن صاحب هذا البستان له وجه يأخذ بالألباب ، فالنظر إلى وجه صاحب هذا البستان يفوق النظر إلى البستان ، أما إذا قال لك صاحب هذا البستان : أهلاً وسهلاً ومرحباً ، أنت ضيفنا العزيز ، هذا التكريم والترحيب يفوق النظر إلى وجهه .
فصار في حسنى وهي الجنة ، وفي زيادة وهي النظر إلى وجه الله الكريم ، وفي " وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ " .
من صدق الله استحق جنة عرضها السماوات والأرض :
أيها الأخوة ، الله عز وجل باطن لأنه احتجب بذاته عن أبصار الناظرين لحكمة أرادها من الخلائق أجمعين ، من أجل الابتلاء ، فكرة دقيقة جداً أرجو الله أن يمكنني أن أشرحها لكم :
لو فرضنا امرأة تمشي بأبهى زينة ، وفي إنسان يحمل مسدس ، يقول لإنسان آخر إن نظرت إليها أقتلك ، هل ينظر إليها ؟ مستحيل ! أما امرأة تمشي بأبهى زينة وفي ناظر مؤمن بالله ، معه نص فقط ، يعني كلمات :
الشهوة محسوسة ، ملموسة ، أمام عينك ، المرأة الجميلة ، البيت الجميل ، المركبة الفارهة ، الطعام الطيب ، المال الوفير محسوس ، تدركه بحواسك الخمس ، أما الآخرة خبر .
لماذا يستحق المؤمن الجنة ؟ لأنه صدّق الله ، أما أحاسيسه كلها في الدنيا ، الدنيا خضرة نضرة ، الدنيا محسوسة ، أما الآخرة خبر ، يفتح القرآن يقرأ قوله تعالى " وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى " .
أما لو وجد لكل معصية عقاب فوري لا أحد يعصي ، لكن عدم المعصية ليست سمواً ، ولا عبادة ، ولا محبة ، ولا شوقاً ، ولا إقبالاً ، بحكم الخوف .
أرادك أن تأتيه طائعاً ، أرادك أن تأتيه بمحض اختيارك ، أراد أن تأتيه محباً ، أراد أن تكون العلاقة بينك وبينه علاقة محبة ، هذه العلاقة ثمينة جداً ، أما علاقة القهر لا قيمة لها .
لو شخص ، معك حاجة ثمينة ، شهر عليك مسدساً وقال : أعطني إياها ، تعطيه إياها هل تشعر أنك عملت عملاً صالحاً ؟ أبداً ، تحس أنك مقهور .
لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، ولو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، لو أجبرهم على أفعالهم ألغيت الجنة والنار ، والثواب والعقاب ، ألغي كل شيء ، ألغي التكليف ، ألغيت الأمانة .
بطولة الإنسان أن يأتي ربه مختاراً لا قسراً :
يعني يا عبادي لو أنني أريد أن ألغي اختياركم ، لو أنني أريد أن ألغي تكليفكم ، لو أنني أريد أن ألغي حملكم للأمانة ، لو أنني أريد أن تكون طاعتكم قسراً ، لفعلت هذا " وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا " ولكن هذا الهدى الذي يأتي قسراً لا قيمة له .
بربكم ، لو رئيس جامعة أجرى امتحاناً لطلاب جامعة ، وزع أوراقاً مطبوع عليها طبعاً الإجابة الكاملة ، مطبوع عليها العلامة التامة ، مئة بالمئة ، قيل للطالب اكتب اسمك واخرج كتب اسمه ، النتائج 83 طالب ممتاز ، هذا النجاح له قيمة ؟ له قيمة عند الطلاب ؟ عند الأولياء ؟ عند رئاسة الجامعة ؟ سقط الامتحان .
منح الله سبحانه وتعالى رضاه لمن أحبه طوعاً لا كرهاً :
لخص علاقته بعباده بهاتين الكلمتين " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " من هنا الذي كفر به يطعمه ويسقيه ، الكفار يأكلون ، ويشربون ، يسكنون البيوت الفخمة ، يركبون المركبات الفارهة ، معهم أموال طائلة ، غارقون في ملذاتهم ، لكن الله سبحانه وتعالى منح رضاه لمن أحبه طوعاً لا كرهاً ، ما أرادك أن تأتيه كارهاً أبداً " يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ " إذاً لو أن الله أجبر عباده على الطاعة لبطل الثواب ، لو أجبرهم على المعصية لبطل العقاب ، لو تركهم هملاً لكان عجزاً في القدرة ، إن الله أمر عباده تخييراً ، ونهاهم تحذيراً ، وكلف يسيراً ، ولم يكلف عسيراً ، وأعطى على القليل كثيراً .
احتجاب الله عز وجل عن رؤية عباده لامتحانهم : أيها الأخوة ، الله عز وجل باطن لا يُرى لكن كل ما في الكون يدل عليه باطن لا يُرى " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " واحتجب عن رؤية عباده ليمتحنهم ، سأوضح :
أنت صاحب محل تجاري ، تفتح المحل بيدك صباحاً ، وتجلس وراء الطاولة وأمام مكان للأموال ، وعندك موظف ، يا ترى هذا الموظف أمين أم خائن ؟ ما أتيح له أن يمتحن ، أنت وراء الطاولة ، دخلت أول داخل ، وخرجت آخر خارج ، والمفتاح بيدك والمال معك ، يا ترى أمين أم خائن ؟ كلام ليس له معنى ، لكن متى يمكن أن تمتحنه ؟ إذا خرجت من المحل إلى محل آخر وتراقبه من هذا المحل ، هو الآن وحده ، والمال بين يديه ، أنت تراه هو لا يراك ، راقبته ساعات طويلة لم يأخذ قرشاً من مكان المال ، أما لو أنه خان وفتح مكان المال وأخذ مبلغاً ، متى أتيح له أن يمتحن ؟ إذا تغافلت عنه ، متى أتيح له أن يمتحن ؟ إذا غبت عنه ، متى أتيح له أن يمتحن ؟ إذا توهم أنك لا تراه .
لذلك قال تعالى : " وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ " [إبراهيم:42] هو لا يغفل ، لكن عباده يظنون يغفل .
" وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " [إبراهيم:42]
كلمة احتجب عنا ليمتحننا ، لولا أنه احتجب لما امتحننا ، لو أن الله أرادنا أن نطيعه قسراً ، أي إنسان يتكلم كلمة كذب يفقد نطقه ، أي إنسان ينظر إلى امرأة لا تحل له يفقد بصره ، الكل يطيعونه ، طاعة قهر ، طاعة القهر لا قيمة لها إطلاقاً ، والأقوياء يطاعون ، الأقوياء ملكوا الرقاب ، والأنبياء ملكوا القلوب ، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، الأقوياء عاش الناس لهم ، والأنبياء عاشوا للناس ، الأقوياء يمدحون في حضرتهم فقط ، أما الأنبياء يمدحون في غيبتهم .
الجنة ثمن من صدق وآمن بالغيب :
لماذا احتجب عن الأبصار ؟ ليمتحننا ، لماذا احتجب عن الأبصار ؟ ليكون للجنة ثمن " يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " على الشبكية الله لا يُرى ، يمكن أن تأكل المال الحرام ، يمكن أن تكذب ، يمكن أن تأخذ ما ليس لك ، هذا واقع معظم الناس ، ما دام قوياً يأخذ ما ليس له الأخ الأكبر يأخذ كل الثروة ، له أخوة صغار ، وأخوات بنات ، ما دام قوياً يأخذ كل شيء ، هذه البطولة أن تصدق بالغيب " يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ " أن تصدق أن الله سيحاسب وسيعاقب ، ثمن إيمانك بالغيب ، يعني الدنيا محسوسة ، ملموسة ، تراها بعينيك ، ترى مركبة فارهة ، ترى بيتاً جميلاً ، ترى امرأة جميلة ، ترى مالاً وفيراً ، ترى طعاماً طيباً ، ترى بعينيك ، والآخرة خبر في القرآن ، على الشبكية ما في غير الدنيا ، الآن مشكلة الإنسان يرى الأشياء الجميلة ، يضحي من أجلها بكل شيء ، ثم يكتشف أنه كان على خطأ كبير .
العقل أداة أولى في معرفة الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، الشيء إذا ظهرت عينه وآثاره تراه بعينيك ، أما إذا غابت عينه ، وبقيت آثاره تراه بعقلك ، الله عز وجل احتجب عنا ، لكن الكون كله يشير إليه إذاً العقل أداة أولى في معرفة الله عز وجل .
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
* * *
أما إذا غابت ذات الشيء وآثاره لا سبيل إلى معرفته إلا بالخبر الصادق ، صار عندنا طريق المعرفة الحواس ، وطريق المعرفة العقلية العقل ، وطريق الشيء إذا غابت عينه وآثاره الخبر الصادق .