اسم الله المصور 1
مِن أسماء الله الحسنى : ( المصوِّر ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، والاسم اليوم هو اسم الله ( المصوِّر ) .
1 – ورود اسمِ ( المصوِّر ) في القرآن الكريم :
الخالق البارئ المصوِّر :
إذا عُزي الخلق إلى الإنسان فهو يصنع شيئاً من كل شيء ، وعلى مثال سابق ، أما البارئ فهو خلق ، لكن على نحو معين فيه الحكمة البالغة ، وقد بينت لكم أيضاً أن الآية الكريمة : " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى " [الأعلى:1-2]هذا الخلق بطريقة ، أو بخصيصة تكون كاملة ينتفع بها الآخر .2 – اسم المصوِّر أثره في المرحلة الثالثة بعد الخالق والبارئ :
أما ( المصوِّر ) فمرحلة ثالثة ، خلق كل شيء من لا شيء ، وعلى غير مثال سابق ، والذي خلقه خلقهُ على نحو كامل ، ينتفع به ، كالماء الذي نشربه ، أودع الله فيه خصيصة ، وهي أنه إذا برّدناه ، ووصلنا في التبريد إلى درجة زائد أربع ، فإنه بدل أن ينكمش يتمدد ، وبهذا التمدد يصلح الأمر ، ولولا هذا التمدد لما كانت حياة على وجه الأرض .
فالبارئ غير الخالق ، خلق الخلق على نحو معين ، فيه الحكمة البالغة ، وفيه التقدير التام ، وفيه العلم المطلق .
أما ( المصوِّر ) فهذا الشيء الذي خلقه على نحو معين أعطاه صورة .
للتوضيح : البناء يكون في الأصل على الهيكل ، إسمنت ، بعد الإسمنت يُكسى ، بعد الكسوة يزيَّن ، بالطلاء الخارجي ، والرخام ، والبلّور ، هذه صورة ، البناء في الأصل إسمنت مسلح ، هيكل إسمنتي ، لكن الأبنية الحديثة لها صور رائعة جداً ، أحياناً كل البناء بلّور من الخارج ، ينظف باستمرار .
إذاً : ( المصوِّر ) بعد الخلق و البرء تكون الصورة ، والآية الكريمة : " هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " .
مِنَ الآيات الداعمة لمعنى ( البارئ ) :
من الآيات الداعمة لهذا المعنى :
انظر إلى ابنك الصغير ، بهذا الجمال الأخاذ ، مَن صوَّره بهذه الصورة ؟ عيون متناظرة ، واسعة ، خدٌّ أسيل ، فيه تورّد أحياناً ، شعر بلون رائع : " وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ "" وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ "
الآية الثالثة : " يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ " [الانفطار:6] العادة أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الإنسان ، إما يخاطب عقله أو يخاطب قلبه ، لكن هذه الآية الوحيدة التي فيها خطاب للعقل والقلب معاً : " يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ "هذا خطاب للقلب .
إلى متى أنت باللذات مشغول وأنت عن كل ما قدمت مسئول
***
" مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ "
لمَ لا تتوب ؟تعصي الإله وأنت تظهر حبه ذاك لعمـري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقاً لأطـعته إن المحب لمـن يحب يطيـع
***
" يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ "
والآن يخاطب عقله : " الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ " [الانفطار:7-8] .لا شك أن بعضكم ممن تقدمت به السن ، يعلم أو يرى من قبلُ المركبة التي صنعت في 1910 ، التشغيل من الأمام ، والإضاءة بفانوس يُشعل ، والبوق بآلة بدائية على الضغط الهواء ، والعجلات ليس فيها هواء ، ليس هناك ماصات للصدمة إطلاقاً ، والمحرك حركة واحدة ، وازن بين مركبة صنعت في عام 1910 ومركبة صنعت في السنة الثامنة بعد الألفين ، الفرق يكاد لا يصدق ، يقول لك : ( فول أوبشن ) أي أنها كاملة ، ماذا يعني ذلك ؟ أن الإنسان خبرته تتنامى ، هل سمعتم أن إنسانا في الأربعينيات كان بوضع ووفي الخمسينيات تعدّل ؟ أضيفت له زيادات ، أصابه تطوّر ؟ أبداً ، ماذا يعني ذلك ؟ أن خبرة الله قديمة ، قدم وجوده ، وخلقه كامل مرة واحدة .
3 – من معاني ( المصوِّر ) :
لذلك : ( المصور ) اشتقاقاً اسم فاعل مِن صوَّر ، يصوِّر فهو مصوِّر ، والمصدر تصوير .
المعنى الأول : ومعنى صوّر الشيء لغةً : جعل له شكلاً خاصاً معروفاً .
الأب الذي عنده عدة أولاد ، كل ولد صورة ، من حيث اللون ، من حيث الطول ، من حيث شكل الوجه ، هناك وجه دائري ، ووجه مستطيل ، وهناك شعر أسود ، وشعر أشقر ، فجعل الله للشيء شكلاً خاصاً معروفاً .
المعنى الثاني : هناك معنى آخر : صور الشيء قطعه ، وفصله ، وميّزه عن غيره .
لاحظ صنعة الإنسان القطعُ كلّها متشابهة ، ما لها شخصية ، علب الطعام متشابهة تماماً ، عبوات الأغذية متشابهة تماماً ، أما الإنسان فليس هناك في الستة آلاف مليون إنسانٌ يشبه الآخر ، لا بشكله ، ولا بطوله ، ولا بلونه ، ولا بملامح وجهه ، ولا بطريقة مشيه ، ولا بطريقة كلامه ، ولا بنبرة صوته .
قال بعض العلماء : " والله يا رب ، لو تشابهت ورقتا زيتون لما سمِّيتَ الواسع .
أيها الإخوة ، صور الشيء قطعه ، وفصله ، وميّزه عن غيره ، هذه روعة في الخَلق ، نحن نحتال على ذلك فنعطي رقما للقطعة ، المركبة لها رقم ، الرقم يميزه ، أما الله عز وجل فيعطيك ملامح خاصة ، أنت فرد .
المعنى الثالث : أو صوّر الشيء جعله على شكل متصور ، أما الذات الإلهية فكل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك .
" انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ " [الأعراف:143] مخلوقات الله عز وجل بإمكانك أن تتصورها .
المعنى الرابع : أيها الإخوة ، قال العلماء : الله ( المصور ) أيْ صوّر المخلوقات بشتى أنواع الصور ، فهناك صور جلية ، وصور خفية ، فأنت تمسك كأس الماء لتشربه ، ماء صافٍ عذب زلال ، لو وضعت هذا الماء تحت مجهر لرأيت ملايين َملايين ملاَيين البكتريا ، فالصورة الجلية أنه ماء صافٍ ، والصورة الخفية أن هذا الماء فيه مليارات البكتريا النافعة والضرورية .
الصور الظاهرة جلد أبيض ، ثقيل ، جميل ، رائع ، لو وضعت هذا الجلد على مبكر ، أو على مجهر إلكتروني ، التلال ، والوديان ، والحفر ، وأفواه البراكين ، والشعر كأنه غابة ، اختلف الوضع ، في صورة ظاهرة ، وفي صورة حقيقية ، فالله عز وجل خلق المخلوقات بشتى أنواع الصور ، في صورة جلية ، وفي صورة خفية ، في صورة حسية وفي صورة عقلية .
ِإنسان قد يرى من الخارج بيتًا يأخذ بالألباب ، ويكون صاحبه تاجر مخدرات ، بنى ثروته على إفساد أخلاق الشباب ، الصورة الظاهرة بيت فخم جداً ، يشتهي كل إنسان أن يكون فيه ، أما الصورة الباطنة فهو بيت بني على إفساد الشباب ، وتدمير الأسر ، وابتزاز الأموال ، وقد تدخل بيتًا صاحبُه إنسان مؤمن متواضع ، بيت بسيط، مساحته صغيرة ، ليس فيه أثاث فخم ، فالصورة الظاهرة متواضعة جداً ، لكن وراء هذه الصورة المتواضعة إنسان مستقيم ، إنسان معطاء ، إنسان بنى حياته على العطاء ، بنى حياته على إكرام الناس ، على إلقاء الأمن في قلوبهم ، والهدى والرحمة في مشاعرهم .
التعلُّق بالحقائق لا بالصور والمظاهر :
هناك صورة جلية ، وصورة خفية ، لذلك بطولة المؤمن أنه لا يتعلق بالصورة الظاهرة ، لا يؤخذ ببت فخم اشتري بمال حرام ، لا يؤخذ بمركبة فارهة ، ركبها صاحبها ، وقد ابتز أموال الناس ، هناك صورة ظاهرة ، وصورة خفية ، وصورة حسية ، وصورة عقلية .
مرة حدثني أخ له أستاذ في الجامعة تقاعد ، أستاذ من أساطير العلم ، تقاعد وانحنى ظهره ، وضعف بصره ، وكان في وضع صعب في آخر حياته ، دخل إلى مسجد فرآه يصلي ، فهرع إليه ، وسلم عليه بأدب جم ، صديقه معه ، قال له : مَن هذا ؟ قال له : هذا عميد كليتنا ، هذا مِن أعلم علماء النحو ، هذا كذا ، وهذا كذا ، فالصورة الظاهرة إنسان متقدم في السن ، منحني الظهر ، يرى بصعوبة ، يمشي بصعوبة ، لكن هذا في حقيقته أكبر عالم في اختصاص معين .
المعنى الخامس :
الغنى والفقر بعد العرض على الله ، وقد إنسان يرى بيتاً فخماً ، أو سيارة فارهة ، يرى حديقة غناء ، أو مزرعة جميلة ، يرى طعاما ، يرى أماكن جميلة ، الدنيا ترقص الآن ، والفتن يقظة ، والدنيا حلوة نظرة ، لكن سمّها في دسمها ، ونساءها تغوي وتردي ، وتشقي أحياناً ، والمرأة المتفلتة التي لا ترعى قيمة ، ولا منهجاً ، ولا شرعاً ، بل تؤذي غيرَها .
أريد أن أقول لكم : بطولة المؤمن أنه يتعامل مع حقائق الأشياء لا مع صورها ، لكن قال بعضهم : " ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا " ولا مانع في ذلك .
الحظوظ الدنيوية موزَعة توزيع ابتلاء :
كان عليه الصلاة والسلام إذا أراد أن يصلي في بيته ، لا تتسع غرفته لصلاته ونوم زوجته ، لا بد من أن تنزاح جانباً حتى يصلي ، وهو سيد الخلق ، وحبيب الحق ، أمين هذه الأمة سيدنا أبو عبيدة بن الجراح ، دخل بعض الصحابة إلى بيته في الشام ، غرفة فيها قِدرٌ مغطاة برغيف خبز ، وسيفه معلق ، وعلى الأرض جلد غزال يجلس عليه ، قال له : ما هذا ؟! قال له : هو للدنيا ، وعلى الدنيا كثير ، ألا يبلِّغنا المقيل .أيها الإخوة ، مرة ثانية الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، والآية الكريمة : " انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ " [الإسراء:21] قد يكون مع شخص 90 مليارًا ، وغيرُه ما معه ثمن لقمة طعام ، وقد يكون بإمكانه أن يقصف هيروشيما بأمر ، ويموت 600 ألف إنسان في ثلاث ثوانٍ ، وغيره لا يستطيع أن يتحرر من سجنه : " انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ "إنسان بأعلى درجة من الغنى ، وغيرُه فقير جداً ، وإنسانٌ صحيح وغيره مريض ، وإنسان قوي وغيره ضعيف ، وإنسان وسيم وغيره دميم ، وإنسان ذكي جداً وغيره محدود :"انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً" .
أيها الإخوة الكرام ، مرة ثانية ، وأؤكد على هذا كثيراً : الحظوظ : الغنى ، الوسامة ، القوة ، الصحة ، هذه حظوظ ، هذه توزع في الدنيا توزيع ابتلاء ، لا تغتر بالمال ، الغنى والفقر بعد العرض على الله ، لا تتألم إن لم تكن الصورة كما تتمنى ، الجمال والقبح بعد العرض على الله ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء ، والبطولة من له : " فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ " [القمر:55] .