اسم الله الأعلى 2
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( الأعلى ) :
1 ـ " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى " :
أيها الإخوة الكرام لازلنا مع اسم الله ( الأعلى ) الذي ورد في قوله تعالى:"سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى" [الأعلى:1] .
2 ـ الدعاء بأسماء الله الحسنى :
والحقيقة أنه في ضوء هذا الاسم ، ولأن الله جل جلاله يقول : " وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا " [الأعراف:180] .
دعاء القنوت :
والدعاء الذي يدعى به في القنوت هو من هذا النوع ، هذا الدعاء يقول النبي عليه الصلاة والسلام في دعائه الذي كان يدعو به في القنوت : " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ " [الترمذي عن الحسن بن علي] .
نعمة الهدى والصحة والكفاية والأمن :
أيها الإخوة ، ما من نعمة أعظم عند الله من نعمة الهدى ، هي النعمة الأولى ، وكي أوضح هذا المعنى أقول : نعمة الهدى رقم واحد ، ونعمة الصحة صفر ، فصارت عشرة ، نعمة الزوجة الصالحة صفر ثان صارت مئة ، نعمة الأولاد الصالحين صفر ثالث ، صارت ألفا ، نعمة السمعة الطيبة صفر رابع ، جميع النعم أصفار تضاف إلى الواحد ، فإذا ألغيت الواحد صار كل الذي عندك أصفارا ، لذلك تمام النعمة الهدى ، الإمام علي رضي الله عنه يرى أن النعمة الأولى هي الهدى ، ثم الصحة ، ثم الكفاية ، ومن أكرمه الله بالهدى وبتمام الصحة والكفاية فقد تمت له نعم الدنيا .
إنسان سألته عن حالته المادية فقال لي : والله الحالة وسط، الدخل يقابل المصروف ، قلت له : إذاً أصابتك دعوة النبي عليه الصلاة والسلام فاستغرب قال:ماذا دعا ؟قلت له: قال :" اللهم من أحبني فاجعل رزقه كفافاً " [ورد في الأثر] .
لذلك من أصاب الهدى والصحة والكفاية فما فاته من الدنيا شيء ، وهذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام : " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا " [أخرجه البخاري والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن] .
الأمن الذي ذكره النبي عليه الصلاة والسلام هو أمنُ الإيمان ، الإيمان معه أمن ، والدليل قول الله عز وجل : " فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ " [الأنعام:81-82] .
لو أن الآية : أولئك الأمن لهم ، ولغيرهم ، لكن " أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ " هذا التركيب في البلاغة يسمى القصر والحصر ، فلا ينعم بنعمة الأمن إلا المؤمن ، وفي قلب المؤمن من الأمن ما لو وزِّع على أهل بلد لكفاهم .
أيها الإخوة الكرام " مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ـ أمن الإيمان ـ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا " .
لكن لا بد من التوضيح : من أجل أن تضيف إلى اسمك حرف دال ، فإنك تصبر ثلاثا وثلاثين سنة في الدراسة ، حتى يقولوا : الدكتور فلان ، هذه الدال كلفتك ثلاثًا وثلاثين سنة دراسة ، ومن أجل الآخرة ، من أجل السعادة الأبدية ، من أجل ما أعد الله لعباده المؤمنين : " أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ... " [متفق عليه] .
الهدى يحتاج إلى جهد ووقتٍ :
الهدى يحتاج إلى جهد ، إلى وقت ، ترى الإنسان هدفه الأول كسب المال .
دعي رجلٌ إلى عقد قران ، فقام متكلم وتكلم كلمة ، ثم قال الرجل : والله استفدنا ، لا ، هذا طلب علم عشوائي ، من أجل أن تكون مهتدياً يجب أن تلزم دروس العلم ، يجب أن تتابع العلم ، جزء أساسي من حياتك بالتعبير المعاصر ضمن البرمجة ، عندك طلب علم ، أما أنها قضية عشوائية غير مركزة ، غير مبرمجة ، فهذا لا يقدم ولا يؤخر ، كما أنه لا يمكن أن تكون طبيباً إذا تصفحت بعض المجلات الطبية ، هل لك أن تكتب : دكتور اختصاصي في الأمراض الداخلية إذا كنت متصفحا لمجلة طبيبة ؟!!! هناك شهادات ، وعلامات ، وثانوية ، تفوق ، وسبع سنوات ، وثماني سنوات دراسة تخصصية ، فلذلك قضية الإيمان قضية تحتاج إلى جهد ، لذلك تمام النعمة الهدى : " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا " [الإنسان:3] .
" وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " [البقرة:148] .
هناك نقطة دقيقة ، في حياة الناس يتصور الهدى منحة ، فهو جالس أو نائم ، وما بذل أي جهد ، فصار مهتديًا !!! يقول : حتى يهديني الله ، مَن قال لك ذلك ؟ الله هداه ، هداك بالكون ، هداك بالأنبياء ، هداك بالكتب ، هداك بالقرآن ، الله عز وجل قدم لك الهدى : " إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى " [الليل:12] .بيان الهدى على الله :
كل كلمة فيها لفظ ( على ) مع لفظ الجلالة معناها أن الله عز وجل ألزم ذاته العلية بشيء .
" وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ " [النحل:9] .
" وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا " [هود:6] .
" إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " [هود:55] .
ما دام هناك ( على ) إلى جانب لفظ الجلالة فتعني أن الله عز وجل ألزم ذاته العليّة بهذا الشيء : " إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى " [الليل:12] .الهدى على الله ، عليك أن تستجيب .
تصور إذاعة تبث ، ما مهمتك أنت ؟ ني جهاز استقبال ، البث مستمر ، مهمتك أن تستقبل هذا البث ، أما أن تقول : حتى يبثوا لنا نسمع ، هذا وهم كبير ، البث مستمر ، الهدى منتهٍ ، بقي أن أستجيب، لذلك : " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ " [الترمذي عن الحسن بن علي] .
أربع محطات مهمة في حياة الإنسان :
هذا أول دعاء حسب التسلسل الرائع : " وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ " البارحة ذكرت أن في حياة الإنسان أربع محطات كبيرة ، محطة مع الله ، ومحطة مع الأهل والأولاد ، ومحطة مع العمل ، ومحطة مع الصحة ، ولا يسمى النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً ، وأي خلل في بعض هذه المحطات ينعكس على المحطات الأخرى .
المحطة الأولى : العلاقة مع الله :
الشبهة والشهوة يهزّان كيان المسلم :
إذا كانت علاقة الإنسان مع الله سيئة ، كيف ؟ عنده شبهات غير واضحة ، شبهات متعلقة بالعقيدة ، وعنده شهوات متعلقة بالسلوك ، فأكبر آفتين يهزان علاقتك مع الله شبهة لم تتضح لك ، اسأل يا أخي ، قال تعالى : " فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ " [النحل:43] .
يقول لك : الغرب كفر وفسق ، وفجور وانحراف ، وشذوذ وزواج مثلي ، وتبادل زوجات ، وخمور ومخدرات ، وأقوياء وأغنياء ، ويتصدرون الشاشات ، ويقهرون الشعوب ، وهذه الشعوب من زلزال ، إلى فيضان ، إلى قهر ، إلى اجتياح ، هذه شبهة كبيرة عندهم ، فالذي يفسد علاقتك مع الله الشبهات ، الشبهات متعلقة بالعقيدة ، لكن لكل شبهة جواب مفحم .جواب هذه القضية أن إنسانًا معه ورم خبيث منتشر ، وسأل الطبيب : ماذا آكل ؟ قال له : كل ما شئت ، ورجلٌ آخر معه التهاب معدة حاد ، أمل الشفاء بالمئة تسعة وتسعون ، لكن يحتاج إلى حمية ، فإذا كنا نحن من نوع التهاب المعدة ، وعلينا شدة شديدة جداً ، لأن الشفاء محتمل ، ومطلوب ، فنحن بألف نعمة ، والباقون في ألف نقمة ، الله عز وجل قال : " فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً " [الأنعام:44] إذا كانت لديك شبهة تعرقل العلاقة مع الله ، أو شهوة محرمة .
ما هو القلب السليم ؟
الله عز وجل قال : " يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء:88-89] .
ما القلب السليم ؟ القلب الذي لا يشتهي شهوة لا ترضي الله ، ولا يصدق خبراً يتناقض مع وحي الله ، ولا يحتكم إلا لشرع الله ، ولا يعبد إلا الله ، هذا أكبر إنجاز تحققه في الدنيا ، قلب سليم ، يوم لا ينفع مال ( بيل غيت ) عنده تسعون مليار دولار ، وهو شاب ليس كبيرًا ." يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء:88-89] .
القلب سلم من شهوة لا ترضي الله ، وسلم من تصديق خبر يتناقض مع وحي الله ، وسلم من عبادة غير الله ، وسلم من تحكيم غير شرع الله .قد ترى امرأةً محجبة في بلاد الغرب تختلف مع زوجها ، فترفع أمرها لقاضٍ غربي ، لماذا ؟ ليحكم لها بنصف أملاك زوجها ، وهي مسلمة ، لو رفعت أمرها إلى قاضٍ في مركز إسلامي لحكم لها بالمهر فقط ، فلمجرد أن تحتكم لغير شرع الله فأنت ليس لك قلب سليم .
" يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ " [الشعراء:88-89] .
" اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ "
عندنا أربع محطات ، محطة علاقتك مع الله راجع الشبهات والشهوات ، ولاحظ بيتك ، هل فيه مخالفات ؟ هل خروج بناتك وزوجتك يتوافق مع شرع الله ؟ هل في البيت معاص وآثام ، وغيبة ونميمة ، وتبذل وعورات مكشوفة ؟ لاحظ عملك ، هل فيه مادة محرم بيعها ، هل في بمحلك التجاري بضائع لا ترضي الله عز وجل ؟ إذا كانت محرمة يجب أن تلغيها ، لا حظ نفسك وبيتك وعملك ، هل أنت مقيم للإسلام ؟ هل عقيدتك سليمة ؟ هل السلوك سليم ؟ هل العبادات سليمة ؟ .
بيتك هل فيه مخالفة ومعصية ؟ هل فيه لقاءات مختلطة ؟ مثلاً ، هل فيه أشياء لا ترضي الله ؟ هل فيه أجهزة تفسد الأخلاق ؟ أنت متساهل بها ، مثلاً .
عملك هل فيه بضاعة محرمة ؟ لا يوجد ، الحمد لله ، هل فيه تعامل محرم ؟ هل فيه مخالفات في البيع والشراء ؟ فأنت مهمتك أن تضبط الإسلام في نفسك ، وفي عملك ، وفي بيتك ، وانتهت مهمتك ، هذه المحطة الأولى .
المحطة الثانية : العلاقة مع الأهل :
المحطة الثانية : علاقتك مع أهلك ، يا ترى هناك تفاهم ومودة وحب وتسامح ورحمة وحب حقيقي ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول : " الحمد لله الذي رزقني حب عائشة " [ورد في الأثر] .
هذه حليلتك وزوجتك ، وأم أولادك ، هل تحبها ؟ ينبغي أن تحبها ، لا أن تحب غيرها .بالمناسبة ، الشيطان له مهمة أولى هي إفساد العلاقة بين الزوجين ، مهمة الشيطان الأولى أن تكره زوجتك ، وأن تحب غيرها ممن لا تحل لك، لذلك : " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ " .
المحطة الأولى : علاقتك بالله ، المحطة الثانية : مع أهلك وأولادك ، وبشكل مختصر : بطولة الأب أن يكون العيد إذا دخل البيت ، والأب السيئ يكون العيد إذا خرج من البيت ، هل يتمنى أهلك بقاءك في البيت ؟ أو هل يتمنون حياتك ؟ إذا كان الأب بخيلًا جداً ، وأصابه مرض ، وجاءوا بالطبيب ، وقال لهم : قضية سهلة ، ينزعجون كثيرًا ، نتمنى هذه قاضية ، يمكن لكل مؤمن أن تكون علاقته مع أولاده طيبة ، يجب أن تكون علاقتك مع أهلك وأولادك عالية جداً ، علاقة حب، علاقة ود .
والله الشيء الذي لا أصدقه كيف يدخل القضاء بين زوجين ؟ وبين الزوجين أقدس ميثاق : " وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ " [النساء:21] أقدس علاقة بين اثنين بين الزوجين .
" وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا " [النساء:21] .
المحطة الأولى مع الله ، والثانية مع الأهل والأولاد .
المحطة الثالثة : العمل :
والثالثة مع العمل ، العلاقة مع الله جيدة ، ومع الأهل جيدة ، وتأخرت ساعة ، وأنت مدرِّس أخذتَ شهادة ثانوية ، والمدير غير منضبط كثيراً ، انفلت بكلام قاسٍ أمام الطلاب ، يهزك شهرًا ، هذا عمل ، يجب أن تعتني بدوامك ، وبأداء عملك .
المحطة الثالثة : العمل .
المحطة الرابعة : الصَِّحة :
والمحطة الرابعة : الصحة ، إذا لم يكن الإنسانُ مهتمًا صحته ، وفي وقت مبكر أصابته أمراض كثيرة أفسدت عليه علاقته بالله عز وجل ، كان نشيطًا يصلي بالجامع ، يقوم بأعمال صالحة ، صار مُقعَدًا ، لأنه أهمل صحته ، أهمل طعامه ، أهمل شرابه ، ما اعتنى بما يدخل جوفه ، ما اعتنى بما يخرج منه من كلام .
أيها الإخوة الكرام ، أربع محطات لا يعد النجاح نجاحاً إلا إذا غطاها جميعاً ، وليس هناك نجاح جزئي ، تنجح في بيتك ، وتخفق بعملك ، هذا ليس نجاحاً ، تنجح بعملك و لا تنجح في بيتك ، هذا ليس نجاحاً ، تنجح بعملك وبيتك ومع الله العلاقة غير طيبة ، هذا ليس نجاحاً ، تنجح في الثلاثة وصحتك متردّية ، هذا ليس نجاحًا ، فلا بد من متابعة النجاح في هذه المحطات الأربع ، لأن أي خلل في واحدة منها ينسحب على المحطات الثلاث .
" اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ "
المعالجة والمتابعة الربانية دليل خيرٍ للمؤمن :
والله أيها الإخوة ، المؤمن الصادق يشعر بجبر حينما يتابعه الله عز وجل ، إذا أخطأ يبعث له مشكلة " ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يغفر الله أكثر " [أخرجه ابن عساكر عن البراء] تكون عند الله في أعلى مستوى لما تشعر أنه يتابعك ، أما حينما تكون خارج العناية المشددة لا يتابعك ، بل يتابع نعمه عليك ، وأنت في معصيته ، أما المؤمن فيحاسب على النظرة ، على الغفلة ، على الكلمة .
سمع شاب من شيخه أن لكل معصية عقاباً ، يبدو أن قدمه زلت ، فارتكب معصية ، بحسب كلام شيخه هو ينتظر العقاب من الله ، مضى أسبوع ، صحته، بيته ، أهله ، سيارته لا شيء فيها ، أسبوع آخر لا شيء ، في أثناء المناجاة قال : يا رب ، لقد عصيتك ولم تعاقبني ، قال : وقع في قلب هذا الشاب : أن يا عبدي ، قد عاقبتك ، ولم تدر ، ألم أحرمك لذة مناجاتي ؟ ألا تكفيك ذلك ؟ .الذي له صلة مع الله عز وجل صدقوا ولا أبالغ أكبر عقاب أن تحجب عنه فقط ، رغم مكانتك وصحتك وبيتك وأولادك وعملك وأرباحك لكنك محجوب ، تقرأ القرآن فلا تشعر بشيء ، أنت محجوب ، تصلي فلا تشعر بشيء ، تذكر الله فلا تشعر بشيء ، إذا قرأ إنسان القرآن ، وما شعر بشيء إطلاقاً ، وذكر الله وما شعر بشيء ، وصلى وما شعر بشيء ، فليعلم أنه لا قلب له ، هذا عقاب الحجب ، والإنسان يحجب بقبائح الذنوب وبالعيوب .
" اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ "
لذلك : " لَوْ أنَّ أوَّلَكُمْ وآخِرَكُمْ ، وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كانُوا في صَعيدٍ وَاحدٍ ، فَسألُونِي فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسانٍ مِنْهُمْ ما سألَ لَمْ يَنْقُصْ ذلكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً إِلاَّ كما يَنْقُص البَحْرُ أنْ يُغْمَسَ المِخْيَطُ فِيه غَمْسةً وَاحدَةً " [رواه مسلم عن أبي ذر] ذلك لأن عطائي كلام ، وأخذي كلام .أخطر ما في الحديث : " فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزّ َوَجَلّ ،َ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ " [رواه مسلم عن أبي ذر] .
إياك أن تبرئ نفسك ، الله عز وجل يقول : " مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ " [النساء:174] مستحيل وألف ألف مستحيل أن يسوق الله شدة إلى إنسان بلا سبب ، اتهم نفسك ، أين الخلل ؟ أين المعصية ؟ أين المخالفة ؟
قال رجل لصاحبه : الدراهم مراهم ، أحلُّ بها كل شيء ، هو رجل ميسور جداً ، لكن هذه الكلمة ( الدراهم مراهم ) أنسته الله عز وجل ، وقع في مشكلة ، قال لي : بقيتُ ثلاثة وستين يومًا في السجن المنفرد ، وفي اليوم الواحد يأتيه هذا الخاطر : ( الدراهم مراهم ) تفضل وحلها .
هناك أخ من أكبر المستوردين للسحابات ، أقل صفقة خمسمئة ألف دزينة ، جاءت امرأة لا تعرف أن هذا محل جملة ، قالت له : عندك سحابات ؟ قال لها : كم تريدين ؟ قالت له سحّاب واحد ، فقال : أنا لا أبيع مفرقًا ، ونهرها ، يقسم بالله ما دخل محلَّه مَن يشتري مِن عندِه ثلاثةً وخمسين يومًا ، جف دمه ، قال لي : الآن أبيع سحابًا واحدًا ، لأنه وقع في كبر ، الله يؤدبك ، ويتابعك .
أحيانًا كلمة قاسية أو موقف قاسٍ يسبب لك مصيبة .
والله هناك أخ يعمل في تصليح كومبيوترات المعامل ، دخُله كبير جداً ، وهناك معمل أوصاه ، لكنه طلب ثمناً ضخمًا ، قال له صاحب المعمل : هذا المبلغ كثير ، قال له : أنا لست بحاجتك ، أنت بحاجتي ، متى تحب فأنا جاهز ، قال : كل العمل ينتهي بساعة إلى ثلاث ساعات ، قال لي : أول يوم لم يظهر شيء ، وكذلك ثاني يوم ، والمبلغ على الإنجاز لا على الساعات ، قال لي : تسعة أيام الطريق مغلق ، فطلب إجازة يوم ، راجع نفسه حتى انتبه إلى ما قال ؟ قال : أنا لست بحاجتك ، أنت بحاجتي ، هذا اعتداد ، فالله أغلق عليه الحل ، بعدما تاب ، ودفع صدقة في اليوم الثاني حلّ الخلل في ساعة .
انتبه ، إذا تابعك الله تكون مكرمًا عنده ، وافرح بحالك إذا كنت في متابعة ، وإذا أهملك ترتكب كل المعاصي ، لا سمح الله ، ودخلك فلكي ، ومرتاح ، وصحتك جيدة ، وما من مشكلة ، هذه أكبر مصيبة ، ألاّ تتابع من الله عز وجل .
" اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ "
ما رأيت آلة حاسبة فيها زر البركة ، البركة قائمة أحيانا بدخل محدود ، تعيش حياة غاية في السعادة ، وبدخل فلكي تعيش حياة غاية في الشقاء ، إن الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والمال ، والجمال للكثيرين من خلقه ، لكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، هذه السكينة تسعد بها ولو فقدت كل شيء ، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء ، فلذلك هذا دعاء القنوت : " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ ، فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ ، وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " [الترمذي عن الحسن بن علي] .لكن مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح ، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر " وَإِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ " .