فقه الشكر (٤)
ودرجات الشكر وأنواعه كثيرة:
فحياء العبد من تتابع نعم الله عليه شكر.
ومعرفته بتقصيره عن الشكر شكر.
والمعرفة بعظيم حلم الله وستره شكر.
والمعرفة بأن النعم ابتداء من الله بغير استحقاق شكر.
والعلم بأن الشكر نعمة من نعم الله شكر.
وحسن التواضع في النعم والتذلل فيها شكر.
وشكر أهل الجود والإحسان من الخلق شكر، فإن من لم يشكر الناس لم يشكر الله.
وقلة الاعتراض وحسن الأدب بين يدي المنعم شكر.
وتلقي النعم بحسن القبول، واستعظام صغيرها شكر، واستعمال النعمة في طاعة الله شكر، والثناء على الله بها شكر.
والنعمة: هي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، وكل ما يصل إلى الخلق من النفع ودفع الضرر فهو من الله تعالى.
والنعمة على ثلاثة أقسام:
أحدها: نعمة تفرد الله بإيجادها نحو أن خلق ورزق.
الثانية: نعمة وصلت من جهة غير الله في ظاهر الأمر، وفي الحقيقة أنها وصلت من الله تعالى، وذلك لأنه تعالى هو الخالق لتلك النعمة.
والخالق لذلك المنعم.
والخالق لداعية الإنعام في قلب ذلك المنعم، إلا أنه لما أجرى تلك النعمة على يد ذلك العبد، كان ذلك العبد مشكوراً، ولكن المشكور في الحقيقة هو الله تعالى، ولهذا قال سبحانه: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤)} [لقمان: ١٤].
فبدأ بنفسه تنبيهاً إلى أن إنعام الخلق لا يتم إلا بإنعام الله.
الثالثة: نعم وصلت إلينا بسبب طاعاتنا، وهي أيضاً من الله؛ لأنه لولا أن الله سبحانه وفقنا للطاعات، وأعاننا عليها، وهدانا إليها، وأزاح الأعذار عنا، وإلا لما وصلنا إلى شيء منها.
والمدح: يحصل للعاقل وغير العاقل كمدح الإنسان العاقل على حسن خلق، ومدح اللؤلؤ لجماله.
والحمد: لا يحصل إلا للفاعل المختار على ما يصدر منه من الإنعام، والإحسان، سواء وصل إليك أو إلى غيرك.
والشكر: عبارة عن تعظيم المنعم وشكره على الإنعام الواصل إليك.
فالمدح أعم من الحمد، والحمد أعم من الشكر.
والله سبحانه هو الذي أنعم على البشر بالأعضاء والقوى الظاهرة والباطنة، وهو الذي أعطاهم إياها، وجعل ينميها فيهم شيئاً فشيئاً إلى أن يصل كل أحد إلى الحالة اللائقة به، وذلك لأجل أن يشكروا الله باستعمال ما أعطاهم من هذه الجوارح في طاعة الله، خاصة السمع والبصر والعقل كما قال سبحانه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)} [النحل: ٧٨].
فلله الحمد والشكر على ما أعطانا من كل خير.
وله الحمد على ما صرف عنا من الشر.
وله الحمد والشكر على ما أنعم به علينا وعلى غيرنا.
وله الحمد والشكر أن ابتدأنا بالنعم قبل أن نسأله.
وله الحمد والشكر على دوام النعم خاصة نعمة الإسلام التي لا يعدلها نعمة.
«اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، مِلْءُ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءُ الأَرْضِ، وَمَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءُ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، لا مَانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ» أخرجه مسلم (١).
«اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ، أنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ [وَمَنْ فِيهِنَّ]، وَلَكَ الْحَمْدُ أنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ، أنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ» متفق عليه (٢).
اللهم لك الحمد كله.
ومنك الفضل كله.
وإليك يرجع الأمر كله.
أوله وآخره.
علانيته وسره.
كبيره وصغيره.
لك الحمد لا أحصى ثناءً عليك.
أنا الصغير الذي ربيته فلك الحمد.
وأنا الضعيف الذي قويته فلك الحمد.
وأنا الفقير الذي أغنيته فلك الحمد.
وأنا العزب الذي زوجته فلك الحمد.
وأنا الجائع الذي أطعمته فلك الحمد.
وأنا العاري الذي كسوته فلك الحمد.
وأنا المريض الذي شفيته فلك الحمد.
وأنا الجاهل الذي علمته فلك الحمد.
وأنا الغائب الذي رددته فلك الحمد.
وأنا الراجل الذي حملته فلك الحمد.
(١) أخرجه مسلم برقم (٤٧٨).
(٢) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (١١٢٠) واللفظ له، ومسلم برقم (٧٦٩).
مختارات