شرح دعاء " اللهم اغفر لي خطيئتي، وجهلي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلم به مني، اللهم اغفر لي هزلي وجدي، وخطئي، وعمدي، وكل ذلك عندي"
(اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي هَزْلِي وَجِدِّي، وَخَطَئي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي)([1]).
المفردات:
الإسراف: مجاوزة الحدِّ في كل شيء.
الشرح:
هذا الدعاء من أجمع الأدعية في الاستغفار؛ لأنه دعاء بألفاظ التعميم، والشمول، مع البسط والتفصيل بذكر كل معنى بصريح لفظه، دون الاكتفاء بدلالة اللفظ الآخر عليه؛ ليأتي الاستغفار على ما علمه العبد من ذنوبه، وما لم يعلمه، ومعلوم أنه لو قيل: اغفرلي كلَّ ما صنعت؛ لكان أوجز، ولكن ألفاظ الحديث في مقام الدعاء والتضرّع، وإظهار العبودية والافتقار لربّ العالمين، واستحضار الأنواع التي يتوب العبد منها تفصيلاً أحسن وأبلغ من الإيجاز والاختصار([2])؛ ولهذا يحسن العناية والتدبير واستحضار المعاني عند الدعاء بها؛ لأن ذلك يورث أثراً عظيماً طيباً في النفس، ويورث الخشوع، والخضوع، والتذلّل بين يدي اللَّه تعالى، وهذا من كمال العبودية لله رب العالمين، يقول العلامة ابن عثيمين رحمه اللَّه: (في باب الدعاء ينبغي البسط لأربعة أسباب:
السبب الأول: أن يستحضر الإنسان جميع ما يدعو به بأنواعه.
السبب الثاني: أن الدعاء مخاطبة للَّه عز وجل، وكلَّما بسط الإنسان مع اللَّه تعالى في المخاطبة، كان ذلك أشوقَ وأحبَّ إليه ممّا دعا على سبيل الاختصار.
السبب الثالث: أنه كلما ازداد دعاء، ازداد قربه إلى اللَّه عز وجل.
السبب الرابع: أنه كلما ازداد دعاء، كان فيه إظهار لافتقار الإنسان إلى ربه عز وجل (3 )
والمعنى: يا اللَّه اغفر لي ذنوبي كلَّها: صغيرها وكبيرها، ما صدر عنِّي من جهل نفسي، ومجاوزتي للحدِّ في كلِّ شيء، اللَّهم اغفري ذنوبي كلَّها مما علمتها، ومما لم أعلمها، في حال جدّي، وهزلي، وفي حال خطئي وتعمّدي، فأنا متّصفٌ بكلّ هذه الذنوب ومُقِرٌّ بها.
قوله: (وكل ذلك عندي): إقرار العبد لربه بكثرة الذنوب، (ومتحقّق لها، فهو كالتذييل للسابق: أي أنا متصف بهذه الأشياء فاغفرها)([4])، فدلّ على أن إقرار العبد على نفسه بالتقصير من أسباب قبول توبته ومغفرته لذنوبه، واللَّه أعلم.
([1]) متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (اللهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت)، برقم 6398، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل، وشر ما لم يعمل، برقم 2719.
([2]) جلاء الأفهام، ص 230، ومدارج السالكين، 1/ 273.
([3]) تفسير سورة آل عمران، 1/ 116.
([4]) الفتوحات الربانية، 3/ 630.
مختارات