اسم الله المعطي 1
من أسماء الله الحسنى : ( المُعطي ) :
أيها الإخوة الكرام ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى وهو اسم ( المعطي ) .
1 – ورودُ اسم ( المعطي ) في السنة الصحيحة :
لم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم ، بل ورد في السنة ، ففي صحيح البخاري عَنْ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي ، وَأَنَا الْقَاسِمُ ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ " [متفق عليه] .
2 – أعظمُ عطاءٍ من اللهِ هو العلمُ :
أول ملمح في الحديث كرامة العلم أعظم كرامة ، قال تعالى:"وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا" [النساء:113] .
لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية ، وما لم يبحث عن الحقيقة ، وما لم يطلب العلم فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .لذلك : كرامة العلم أعظم كرامة عند الله ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم .
" هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " [الزمر:9] .
" يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ " [المجادلة:11] .
فالله سبحانه وتعالى اعتمد في القرآن الكريم العلم والعمل كقيمتين مرجِّحتين بين خلقه ، فبطولة الإنسان أن تأتي مقاييس التفوق عنده كما هي في القرآن .الناس في الدنيا يعظِّمون الأغنياء والأقوياء ، لكن القرآن الكريم بيّن لنا أن رتبة العلم أعلى الرتب : " هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ " .
العلمُ بالله وبخَلق الله وبأمرِ الله :
وكما تعلمون هناك علم بخلقه ، وعلم بأمره ، وعلم به ، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة ، إلى كتاب ، وإلى معلّم ، وإلى شهادة ، وإلى امتحان ، هذه مدارسة ، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة .
على كلٍ في الملمح الأول من الحديث الشريف : " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ " .
إذاً : في الإنسان حاجات سفلى ، وحاجات عليا ، الحاجة العليا الكبيرة طلب العلم ، فما لم يطلب الإنسان العلم لا يرقى إلى مستوى إنسانيته والإنسان من دون علم وُصِف في القرآن الكريم بأنه:" كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا"[الفرقان:44] .
" مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا " [الجمعة:5] .
" فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث " [الأعراف:176] .
بل أبلغ من ذلك : " كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ " [لمنافقون :4] .لذلك الذي يرقى بالإنسان إلى مستوى إنسانيته ، وإلى مستوى يليق به هو طلب العلم .
3 – الماء من عطاء الله :
إلا أن الحديث فيه ملمح ثانٍ ، وهو موضوع درسنا : " وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ "
الملمح الثاني : أنه الأصل أن هذا الماء من عطاء الله ، نحن وضعناه في خزانات ، وسُقناه إلى البيوت بأنابيب ، ووزّعناه بقوارير ، هذا عمل ثانوي ، لا يعد من صلب الماء ، الماء منحة من الله عز وجل ، فكل شيء الأصل أنه عطاء من الله ، نحن تفننا بعرضه ، بتعليبه ، بتغليفه ، بوصوله ، أما الأصل فإن الله هو المعطي ." وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ "
4 – المعطي المانع :
دائماً وأبداً في الأسماء الحسنى أسماء يجب أن تلفظ معاً ، كاسم " الضار " الأولى أن يلفظ اسم " الضار " مع اسم " النافع " تقول : " الضار النافع " ، " المعطي المانع " ، " المعز المذل " لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يمنع ليعطي ، ويأخذ ليعطي ، ويخفض لرفع ، ويذل ليعز ، لأن الإنسان حمل الأمانة ، لكنه قصر في حملها ، فتأتي المعالجة .
الفرق واضح جداً ، بين من يعين موظفاً ، ويعطيه مدة ستة أشهر ليمتحنه ، مهمة صاحب المؤسسة أن يحسب على هذا الموظف أخطاءه ، لكن بلا رحمة ، إذا كانت بحجم لا يحتمل ألغى عقده ، أما لو أن كان هذا الموظف ابنه فإنه يتابعه ، كل خطأ يوقفه عنده ، ويعطيه التوجيه ، لأن رحمة الأب تقتضي المتابعة ، ولأن الله رب العالمين رحيم بعباده ، فإذا أخطاء الإنسان تابعه بالمعالجة .
أنا أتصور لو أن الله سبحانه وتعالى لم يربِّ عباده فإن معظمهم إلى النار ، لكن هذا ربّاه بمرض ، هذا بقلق ، أو بشبح مصيبة ، أو بضيق معين ، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه سوقاً ، وهذا من نِعم الله عز وجل ، فهو معطٍ ومانع ، خافض ورافع ، معز ومذل ، وقد ورد في الأثر : " إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء " [رواه الديلمي عن ابن عمر] .
" ودار تَرحٍ لا دار فرح "
فيها أحزان ، فيها آلام ، فيها فراق الأحبة ، فيها أمراض تصيب الأولاد أحياناً ." ودار ترح لا دار فرح فمن عرفها "
أي : مَن عرف حقيقة الدنيا ." لم يفرح لرخاء " لأنه مؤقّت .
" ولم يحزن لشدة " لأنه مؤقّت ، الموت ينهي كل شدة ، الموت ينهي قوة القوي ، وغنى الغني ، وذكاء الذكي ، وصحة الصحيح ، لذلك : " فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشدة ، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى " وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ " [المؤمنون:30] .
لذلك : " ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دارَ بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ويبتلي ليجزي " .في بعض الأحاديث القدسية ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : " يَا ابْنَ آدَمَ ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ " [أخرجه مسلم] .
الله عز وجل حينما أخذ من الإنسان بعض صحته ليعوِّضه أضعافاً مضاعفة من القرب والسكينة .
" أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ ".
فهذه فكرة دقيقة جداً ، الله عز وجل يأخذ ليعطي ، يمنع ليعطي ، يخفض ليرفع يضر لينفع ، هذه الأسماء الأَولى أن تذكر مَثْنى مَثْنَى .
5 – من عطاء الله نعمة الإيجاد :
شيء آخر ، الله عز وجل ما الذي أعطانا إياه ؟ النعم الكبرى الصارخة ، أعطانا نعمة الإيجاد ، فإنه أوجدنا .
" هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا " [الإنسان:1] .
أنت موجود ، لك كيان ، لك اسم ، لك زوجة ، لك أولاد ، لك بيت ، لك مكانة ، عندك قناعات .
لذلك نعمة الإيجاد النعمة الأولى ، وأنا أحياناً لما أتصفح كتابا ، وأطلع على تاريخ تأليفه ، فإذا كان تاريخ التأليف قبل ولادتي أتخذ موعظة كبيرة ، أنا في هذا التاريخ أين كنت ؟ ما لي اسم في الأرض كلها .
6 – من عطاء الله نعمةُ الإمداد :
منحك الله نعمة الإيجاد ، لا يكفي الإيجاد ، أعطاك جهاز تنفس الهواء ، أعطاك جهاز هضم ، هناك ماء ، وطعام ، ولحوم ، وخضراوات ، ومحاصيل ، وأنت بحاجة إلى طرف آخر فخلق المرأة من أجلك ، وخلقك من أجلها ، أعطاك النصف الآخر ، فأنجبت أولادا ملؤوا البيت فرحة ، منحك نعمة الإيجاد ، ومنحك نعمة الإمداد .
7 – من عطاء الله نعمةُ الهدى والرشاد :
أحيانا يشق الطريق ، بعد حين توجد الشاخصات ، هنا منحدر زلق ، وهنا تقاطع خطر ، وهنا الطريق ضيقة ، هذه الشاخصات هداية للسائقين .
فبعد أن منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، هذه نعم كبرى ، فضلاً على أنها نِعَمٌ لا تعد ولا تحصى .
8 – من عطاء الله تسخير الكون تسخير تعريف وتكريم :
لكن الكون أكبر ثابت في الإيمان ، هذا الكون بنص القرآن الكريم سُخر للإنسان تسخير تعريف وتكريم ، الدليل : " وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ " [الجاثية:13] .
بالمناسبة ، المسخَّر له أكرم من المسخَّر ، الإنسان سُخِّر له ما في الكون ، فهو المسخَّر له ، وهو أكرم عند الله من الشيء المسخَّر ، وهذه حقيقة أولى ، الإنسان هو المخلوق المكرَّم المكلَّف ."إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ" [الأحزاب:72] .
على الإطلاق ، لمجرد أنك إنسان في الأصل فأنت فوق المخلوقات جميعاً : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ " [البينة:7] .
" إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ " [البينة:6] .
بين أن تكون أرقى من الملائكة ، وبين أن يكون الإنسان الذي كفر بربه دون أحقر حيوان فراق كبير جدا ، فلذلك أعطانا هذا الكون ، وسخّره لنا تسخير تعريف وتكريم .
موقف المؤمن من تسخير التعريف والتكريم :
لو أن إنسانا قدّم لك جهازا متطورا جداً ، وفيه قفزة نوعية بخصائصه ، وهو من اختراعه ، فقدمه لك هدية ، يجب أن ينتابك شعورٌ ، شعور التعظيم له على هذا الإنجاز العلمي الكبير ، وشعور الامتنان ، لأنه قدّمه لك مجاناً ، ولأن الله سبحانه وتعالى سخر للإنسان : " مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ " [الجاثية:13] .
تسخير تعريف وتكريم ، فردّ فعل التعريف أن تؤمن ، ورد فعل التكريم ، أن تشكر ، لمجرد أنك آمنت ، وشكرت فقد حققت الهدف من وجودك ، وإذا حُقق الهدف من الوجود تتوقف كل أنواع المعالجة ، الآية : " مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ " [النساء:147] .إذا آمنت بهذا الإله العظيم والرب الكريم والمسيّر الحكيم صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى ، إنك إن آمنت ، ثم أيقنت أنه منحك نعمة الإيجاد ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد فقد حققت الهدف من وجودك لذلك تتوقف عندها جميع أنواع المعالجات والآية دقيقة جداً:" مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ"[النساء::147] .
" يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ " [رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه] .
لأن عطائي كلام ، وأخذي كلام ، كن فيكون ، زل فيزول .الآن الدقة البالغة في الحديث:"فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ" [رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه] .
لا تعتب على أحد .
" وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ " [الشورى:30] .
" ما من عثرة ، واختلاج عرق ، وخدش عود ، إلا بما كسبت أيديكم ، وما يعفو الله أكبر " [ورد في الأثر] .
" رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى "
النقطة الدقيقة في هذا اللقاء : قال تعالى : " فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى " [طه:49] .
فرعون سأل سيدنا موسى : " قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه:50] .
ما معنى قول النبي ؟" أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ " [ابن ماجه عن ابن عمر] .
ما قال : أعطوه أجراً ، أجره الذي يعادل جهده ، أجره الذي يحقق له كرامته ، بالمقابل : " قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه:50] .أعطاه الخلق الكامل .
الإنسان خَلَقه الله خَلْقًا كاملاً : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " [التين:4] .
1 – العينان :
أعطاه عينين ، لماذا أعطاه عينين ، ولم تكن عيناً واحدة ؟ بالعينين يدرك البُعد الثالث ، بعين واحدة يدرك بُعدين ، الطول والعرض ، بالعين الثانية تدرك البعد الثالث ، أنت ترى الطول والعرض والعمق ، والدليل أنك بعينٍ واحدة لا تستطيع أن تضم إبرة ، يأتي الخيط بعيدا عن الإبرة عشرة سنتيمترات ، بالعينين معًا تعرف المسافة .
" أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ " [البلد:8] .
العين جعل مادة مضادة للتشنج ، بالميل متر المربع في شبكية العين في مئة مليون مستقبل ضوئي ، عصية ومخروط بالميل متر مربع بشبكية العين فيها مئة مليون من أجل صورة دقيقة جداً ، من أجل أن تميز بين 8 ملايين لون ، واللون الواحد لو دُرج 800 ألف درجة لفرقت العين البشرية بين لونين ، لذلك : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " [التين:8] .2 – الشَّعرُ :
أعطاك شَعرا ، ففي الرأس تقريباً بالشكل المتوسط 300 ألف شعرة ، لكل شعرة وريد ، وشريان ، وعصب ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغة ، والحكمة البالغة أنه ليس في الشعر أعصابُ حسٍّ ، لو فيه أعصاب حس لكانت عملية حلاقة الشعر تحتاج إلى مستشفى ، وإلى تخدير كامل ، هذه من حكمة الله عز وجل .
3 – الأنف :
الأنف فيه عشرون مليون عصب شمٍّ ، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب ، الهدب مغمس بمادة تتفاعل مع الرائحة ، تتشكل شكلا هندسيا ، كرة، موشورا ، هرما ، هذا الشكل رمز الرائحة ، يشحن إلى الدماغ للذاكرة الشمّية ، وعندنا عشرة آلاف بند ، هذا الشكل يعرض إلى أن يتوافق هذا الشكل مع هذا الشكل تقول : هذه رائحة كمون في الأكل ، مثلاً ، فالشمّ آلية معقدة جداً .
" لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " [التين:4] .
" أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه:50] .
4 – الأذنان :
الأذنان : لمَ لمْ تكن أذنا واحدة ؟ بالأذن الواحدة لا يمكن أن تعرف جهة الصوت ، بالأذنين تعرف الجهات ، هناك صوت بوق لمركبة من اليمين ، دخل هذا الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه، والفرق الزمني واحد على 1620 جزءا من الثانية ، فأدركت أن المركبة على اليمين ، فأعطاك الدماغ أمرًا بالانحراف نحو اليسار ، وهذه آلية معقدة جداً .
" قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه:50] .
5 – القدَمانِ وآلية التوازن :
هدانا إليه ، لو أن الإنسان ليس عنده قنوات توازن في الأذن لاحتاج إلى قَدَم مساحتها 70 سم حتى يقف ، يحتاج إلى قاعدة ارتكاز واسعة جداً ، أما لأن في الأذن جهاز توازن فيمكن عند الميل أن يصحح التوازن ، ولولا هذا الجهاز لم ركب إنسان دراجة إطلاقاً ، ولا مشى إنسان على الأرض ، فالقدمان لطيفتان بحجم معقول جداً ، وأنت واقف .
إذاً : التوازن من آيات الله الدالة على الله .
6 – أعصاب الحس في الأسنان :
وضع الله عز وجل في لبّ السن عصب حسي ، ليس له فائدة ، إذا بدأ النخر ، ووصل إليه لا تنام الليل ، تسارع إلى الطبيب ، ولولا هذا العصب لخسر الإنسان كل أسنانه ، العصب الحسي جهاز إنذار مبكر .
7 – آلية اجتماع اللعاب في أثناء النوم :
وأنت نائم غارق في النوم يجتمع اللعاب في فمك ، تذهب رسالة إلى الدماغ ، اللعاب زاد على حده ، يأتي أمر من الدماغ وأنت نائم ، يفتح البلعوم لسان المزمار ، يغلق القصبة الهوائية ، يفتح المريء فتبلع ريقك ، وأنت نائم : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " [التين:4] .
8 – البروستاتة :
البروستاتة تقع بين مجرى البول ومجرى ماء الحياة ، عند الالتقاء ، هذه في اللقاء الزوجي تفرز مادة مطهرة ، ومادة مغذية ، ومادة معطرة ، هذه البروستاتة موضعها في مكان حرج عند ملتقى ماء الحياة مع بول الإنسان ، ففي حال الحمل يجب أن يكون المجرى طاهراً ، فتفرز مادة مطهرة ، ومغذية ، ومعطرة : " لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ " [التين:4] .
الخاتمة :
الموضوع طويل جداً ، موضوع أن نكتشف عظمة خلق الإنسان ، هذا من التفكر في خلق السماوات والأرض .
" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ " [آل عمران:190-191] .
إنّ جزءًا من الإيمان أن تتفكر في خلق السماوات والأرض ، المعلومات موجودة ، لكن لا تقرأ هذه المعلومات قراءة إيمانية ، ندرسها في كلية الطب ، لكن لا تقرأ قراءة إيمانية .لو فكر الإنسان في جسمه ، فكر في حواسه الخمس ، فكر في أجهزته ، فكر في جهاز الدوران ، في القلب ، في جهاز الأعصاب ، في جهاز الهضم ، فهذه آيات دالة على عظمة الله عز وجل : " قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى " [طه:50] .
مختارات
-
" القاصمة "
-
" السماحة في الزواج "
-
اسم الله المتعال 2
-
نهاية وبداية
-
إدارة التناقض
-
" دعوة السنة النبوية إلى الاستغفار "
-
خطبائه وخدمه (صلى الله عليه وسلم)
-
خـــاطرة قرآنــية
-
سورة هود (هدف السورة: الإستمرار في الإصلاح دون تهوّر أو ركون)
-
شرح دعاء: أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين* واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة