اسم الله الشاكر 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الشاكر):
معان دقيقة مستنبطة من آيات وأحاديث تتعلق باسم (الشاكر):
أيها الإخوة الكرام، لازلنا في اسم (الشاكر) وهناك معان دقيقة تتصل بهذا الاسم يمكن أن نستشفها من بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة.
1 – ذكرُ اللهِ للعبدِ إذا ذكره:
ففي قوله تعالى: " فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ " [البقرة:152] لأن الله سبحانه وتعالى هو الشاكر، إن ذكرته ذكرك، لكن ذكر الله لك غير ذكرك له، ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية.
2 – ذكرُ العبدِ لربه سبب الأمن والطمأنينة:
لكنه إن ذكرك منحك نعمة الأمن، قال تعالى: " فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ " [الأنعام:81-82].
لا يتمتع بنعمة الأمن الحقيقي إلا المؤمن، أما غير المؤمن فـ: " سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ " [آل عمران:151].
يمتلأ قلب المشرك خوفاً وفرقاً، بينما قلب المؤمن يمتلأ أمناً وطمأنينة، وفي قلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، إنها نعمة يختص بها المؤمنون، إن ذكرته ذكرك، لكن ذكرك له أداء واجب العبودية، بينما ذكره لك أكبر بكثير من ذكرك له.
3 – ذكرُ العبدِ لربه سبب للرضى:
إن ذكرك منحك نعمة الرضى.
قد يملك الإنسان ملايين مملينة، ومع ذلك هو ساخط، بينما المؤمن راض عن الله عز وجل.
" رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ " [المجادلة:22].
منحك نعمة الحكمة: " وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا " [البقرة:269].
منحك نعمة الطمأنينة، هذه النعم هي من ذكر الله لك.
4 – ذكرُ الله أكبر من كل شيء:
لذلك قال تعالى: " وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ " [العنكبوت:45].
ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له، لأن الله عز وجل من أسمائه الحسنى أنه الشاكر، إن ذكرته ذكرك.
5 – الله رفع ذكر النبي، ولكل مؤمن من هذا الرفع نصيبٌ:
بل قال تعالى: " وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " [الشرح:4].
ما من إنسان على وجه الأرض رفع الله ذكره كرسول الله، ولكل مؤمن من هذه الآية نصيب، بقدر استقامته وإخلاصه يرفع الله للمؤمن ذكره، ويعلي قدره، ويلقي في قلوب الخلق محبته.
" وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ " [الشرح:4].
6 – تقرّب المؤمن بذكره لربَّه سبب لتقرّب الله منه:
لمجرد أن تقترب من الله خطوة تجد أن الله عز وجل اقترب منك، لأنه الشاكر يقترب منك، مع بعض التفصيل في الأحاديث الصحيح: " فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ " [متفق عليه].
قد تلقي كلمة في مجتمع معين، في مجموعة إخوة كرام، في عقد قران، في سهرة، في لقاء، تتحدث عن الله عز وجل وتغفل نفسك، وتغفل بطولاتك، وتتحدث عن ربك.
" وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ " [متفق عليه].
هناك مستوى أرقى ؛ تذكر بخير، لك سمعة طيبة، لك ذكر عطر، هذا من فضل الله عز وجل عليك، ومن تحقيق اسم (الشاكر).
" وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا " [متفق عليه].
لمجرد أن تتحرك نحو الله بصلح، بتوبة، بإنابة، بذكر، بصدقة بتلاوة قرآن، بفعل طيب مع مخلوق ما، لمجرد أن تتقرب إلى الله شبراً يتقرب الله إليك ذراعاً، ينتظر مبادرة منك، ينتظر حركة منك، ينتظر التفافة منك، ينتظر إقبالاً منك، وهذا الشيء واضح جداً، لمجرد أن تتحرك نحو الله بعمل صالح، بصيام نفل، بصلاة نافلة، بغض بصر، بضبط لسان، بخدمة إنسان، بإطعام جائع بهداية ضال يتقرب الله منك.
" وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " [متفق عليه].
فَلَيتَكَ تَحلو وَ الحَياةُ مَريـرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العـالَمينَ خَرابُ
***
" فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ " [البقرة:152].
" فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً " [متفق عليه].
هذا ضمن اسم الله (الشاكر).
7 – من شكر الله للعبد إلهام الأبناء برَّهم للآباء:
من معاني هذا الاسم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: بروا آبائكم تبركم أبنائكم.
يشكر الله لك برك لأبيك بأن يلهم أولادك في المستقبل أن يكونوا بك بررة، وهذا عطاء في الدنيا قبل الآخرة.
" وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ " [الرحمن:46].
فالذي يبر أباه يهيئ الله له أولاداً بررة يطيعونه، يعظمونه، يحترمونه، وهم في خدمته كظله.
8 – عفة الزوج سبب لعفة الزوجة:
وعفو تعف نسائكم والذي يتعفف عن الحرام يكافئه الله بزوجة عفيفة، كما أنه عف عن الحرام فهي تعف عن الحرام، لأن الله عز وجل هو (الشاكر) يشكر لك برك لأبيك بأن يزيدك من فضله عن طريق أولاد بررة هم في خدمتك، ويشكر لك عفتك عن الحرام بأن يجعل زوجتك عفيفة مثلك عن الحرام، وعفو تعف نسائكم.
9 – من شكر في صلة الرحم زيادة في العمر وسعة في الرزق:
ومن اسم الله (الشاكر) أنه إذا وصلت رحمك زاد في عمرك ونفى عنك الفقر، لأن الضمان الاجتماعي في الإسلام أساسه النسب والجوار، والأحاديث التي توصي بالجار كثيرة جداً، والأحاديث التي توصي بصلة الرحم كثيرة جداً.
معنى صلة الرحم:
ما معنى صلة الرحم؟ أقربائك مَن لهم غيرك؟ الآخرون أنت لهم، وغيرك لهم، أما أقربائكم فمَن لهم غيرك؟ لا تعني صلة الرحم أن تطل عليهم في كل عيد دقائق معدودة، ومعك بطاقة، وتتمنى أن لا تراهم في البيت لكي توفر الوقت، ليست هذه صلة الرحم.
صلة الرحم أن تتصل بهم، وأن تزورهم، وأن تجلس معهم، وأن تتفقد أحوالهم، وأن تمد لهم يد المساعدة، وأن تأخذ بيده إلى الله عز وجل، هذه صلة الرحم التي أرادها الله عز وجل، تبدأ بالاتصال، ولعله باتصال هاتفي، ثم بزيارة، ثم بتفقد أحوال، ثم مساعدة مادية أو معنوية، ثم بأن تأخذ بيده إلى الله عز وجل، هذه صلة الرحم التي تزيد في العمر، وتزيد في الرزق.
معنى زيادة العمر بصلة الرحم:
معنى تزيد في العمر، للعلماء وقفة عند هذا المعنى:
الحقيقة العمر لا يتقدم ولا يتأخر، لكن قيمة العمر بمضمونه، كإنسان فتح محلا تجاريا من الساعة التاسعة صباحا حتى التاسعة ليلا، وقت محدود، الفرق بين محلين، محل قيمة غلته ألف، ومحل غلته مليون، فزيادة العمر تعني مضمون العمر، قد يعني المضمون كثيف جداً.
الإمام الشافعي عاش أقل من خمسين سنة، لكنه ترك خيرات لا يعلمها إلا الله، والإمام النووي عاش أقل من خمسين سنة، وهناك أناس عاشوا تسعين سنة، ولم يفعلوا شيئاً.
فلذلك زيادة العمر في رأي بعض العلماء أن العمر قيمته بأعماله الصالحة، العمر الحقيقي عمر العمل الصالح، وأتفه أعمار الإنسان عمره الزمني، لكن أجلّ أعماره عمره في العمل الصالح، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ " [متفق عليه].
إن أردت أن ينسأ الله لك في أجلك، ويزيد في رزقك فصل رحمك، هذه من الطاعات التي حض عليها النبي عليه الصلاة والسلام، لأن الله عز وجل شاكر.
لو تتبعنا أحوال الناس فإن الإنسان الذي يتفقد أهله، ويعين أهله، وينفق عليهم، أهله بالمعنى الواسع، أقربائه من طرف أبيه، ومن طرف أمه، ومعنى الرحم واسع جدا، كل أقربائك من دون تفصيل، من جهة أبيك ومن جهة أمك، لأن الله عز وجل جعل صلة الرحم أحد أنواع الضمان الاجتماعي، لذلك قال العلماء: لا تقبل زكاة إنسان وفي أقربائه محاويج، والكلمة التي أقولها دائماً: هؤلاء أقربائك مَن لهم غيرك، الآخرون أنت لهم وغيرك لهم، أما أقربائك فمَن لهم غيرك؟
أحياناً إنسان له أخت متزوجة في طرف المدينة، ما عنده وقت لزيارتها، لكن لو أنه زارها ما الذي يحصل؟ تنتعش أمام زوجها، أمام أولادها، لا تنام الليل مِن فرحها، لذلك هناك أناس يزورون أقرباءهم الأقوياء أو الأغنياء أو اللامعين في الحياة، أما أقربائهم المساكين فيهملونهم، ويزورونهم من عام إلى عام.
أيها الإخوة الكرام، لو طبقنا صلة الرحم لكنا في حال غير هذا الحال، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى أنك إذا أعطيت أقربائك من مالك، من مال زكاتك، فهذه الزكاة لها أجران عند الله، لك أجر الصدقة، ولك أجر الصلة، ألا تحب أن تنال ثواباً مضاعفاً؟ تفقد في هذا المال الذي هو مال زكاتك، تفقد أهلك، بل إن بعض العلماء يؤكد أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل زكاة من مسلم، وفيه أقربائه محاويج، والحقيقة في ظاهرة عجيبة عمله الصالح لكل الناس إلى أقربائه، هؤلاء أقرب الناس إليك، أنت بعملك الصالح مع هؤلاء تقربهم منك.
والله حدثني أخ زاره قريبه في بيت تحت الأرض ضعيف الشمس، رطب، والزائر منعم، قال له: هذا المكان لا يليق بأولاده من أجل صحتهم، قال لي: زيارة واحدة نقلني إلى بيت في طابق ثالث باتجاه القبلة، قال: والله أنعشني، القصد من الزيارة أن تمد يد العون، الزيارة دائما أن تمد يد العون، من القوي إلى الضعيف، ومن الغني إلى الفقير، ومن العالم إلى الجاهل، والأقوى منك ليس بحاجة إليك، يجب أن تزوره طبعاً، وهو ليس بحاجة إليك، مَن هو في حاجة إليك؟ الذي يكون أضعف منك، فإذا تراحم الناس يرحمهم الله جميعاً، أما إذا تدابروا، وتناكر الناس، ولم يعبأ أحد بأحد سخط الله علينا جميعاً.
10 – مِن شكرِ الله العبدَ عند توقيره الكبير:
أيها الإخوة في بعض الأحاديث، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ " [الترمذي].
وهذا من اسم الله (الشاكر).
11 – من شكر الله العبدَ عند إحسانه إلى المخلوقات:
لكن كما قلت البارحة: أيّ عمل صالح قدِّم لمخلوق كائنا من كان وكائناً ما كان، كائناً من كان للبشر العقلاء، وكائناً ما كان لغير البشر، لمخلوق، لقطة، لجرو صغير، أيّ عمل صالح قدِّم لأي مخلوق كائناً من كان، أو كائناً ما كان فلابد من أن يجازي الله عليه مقدِّمَه، مسلما كان أو كافرا، في الدنيا أو في الآخرة، ومستحيل أن تقدم شيئا صالحا دون أن تنال الجزاء، فإن كنت مؤمناً بالله وباليوم الآخر كان الجزاء في الدنيا والآخرة، وإن كان الإنسان بعيداً عن الله، مؤمنا بالدنيا، ولم يؤمن بالآخرة كان الجزاء في الدنيا.
ما أحسن مسلم عمله أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة والعمل الصالح لابد أن تنال جزاءه.
12 – من شكر الله العبدَ عند إنفاقه من وقته في طاعة الله:
الذي ينفق يوسّع الله عليه في ماله.
والذي يدعم الضعفاء والمساكين يقوي الله عز وجل مكانته في المجتمع.
والذي يبذل من وقته لخدمة الخلق يبارك الله في وقته، لذلك الله عز وجل أمرنا أن نؤدي زكاة أموالنا، ومن منا ينتبه إلى أن الوقت له زكاة، لمجرد أن تؤدي الصلوات في أوقاتها فقد اقتطعت من وقتك الثمين وقتاً لطاعة الله، فالمكافأة على ذلك أن الله يبارك لك في وقتك، فتفعل في الوقت القليل الشيء الكثير.
أحيانا إذا ضن الإنسان بوقته الثمين أن يعبد الله فيه، أو أن يحضر مجلس علم يتلف الله له وقته، وقد يشعر الإنسان بعدم التوفيق، عنده قائمة أعمال، انتقل من مكان إلى مكان، أغلق المحل، يسافر من مكان إلى مكان فلا يتحقق له شيء، فأراد الله عز وجل له أن يضيع الوقت مع الشعور بالألم، وهو قادر أن يبارك لك في وقتك، لذلك الوقت له زكاة، إن أنفقت بعض الوقت في أداء العبادات، وطلب العلم، وطاعة الله يبارك الله لك في وقتك، وإن أديت شيئاً من وقتك في خدمة الخلق يبارك الله عز وجل لك في جهدك.
حدثني أخ أنه دخل محل إنسان، في إحدى المحافظات الشمالية، قال: أنا أريد أن تعلمني صنع هذه الحلوى، قال: حباً وكرامة، صنع أمامه طبخة، وقال له: اكتب عندك التفاصيل، وكلفه أن يصنع أمامه طبخة ثانية، والإنسان من محل بعيد من أقصى القطر، أقسم لي بالله منذ ثلاثين عاماً ما مِن عام إلا ويأتي إليه بهدايا ثمينة، يقول له: أنت فضلك علي كبير.
هذا الإنسان مؤمن، وحينما تبذل الله عز وجل يكرمك، لذلك:
" مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ " [الترمذي] لأن الله عز وجل هو (الشاكر) وإن قدّمت لإنسان عادي معروفاً يتفنن في شكرك، ويبارك هذا العمل، يقول لك: خجلتنا، تفضلت علينا، وخالق الأكوان صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى أيعقل أن تقدم معروفاً في الدنيا أم في الآخرة ولا يشكرك عليه.
13 – من شكر الله العبدَ عند إنفاقه من وقته في خدمة خلقه:
أيها الإخوة الكرام، لو قدمت معروفا لكلب، دققوا في هذا الحديث، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَنَزَلَ بِئْرًا، فَشَرِبَ مِنْهَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ، فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ، ثُمَّ رَقِيَ، فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " [متفق عليه].
والله لعل الله يرحمنا بخدمة مخلوق ضعيف، بخدمة هرة مريضة، وهناك أشخاص يأخذون هذه الحيوانات المريضة إلى مستوصفات بيطرية يعالجونها، هناك أناس مغرمون بإطعام الحيوانات.
لذلك أيها الاخوة، حينما تعرف الله تتفنن في خدمة مخلوقاته، والمؤمن إنسان عظيم، إنسان اصطلح مع الله، اصطلح مع خلقه جميعاً، المؤمن يبني حياته على العطاء يعيش ليعطي: " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " أيّ عمل صالح موجّه لأيّ مخلوق، هناك أشخاص مغرمون بإطعام الطيور، يشترون الحب ويضعونه على سطح البيت، والطيور تأتي تباعاً وتأكل.
فلذلك أيها الإخوة الكرام، يا من جئت الحياة فأعطيت ولم تأخذ، يا من قدست الوجود كله، ورعيت قضية الإنسان، يا من زكيت سيادة العقل، و نهنهت غريزة القطيع، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع، فعشت واحداً بين الجميع، يا من كانت الرحمة مهجتك، والعدل شريعتك، والحب فطرتك، والسمو حرفتك، ومشكلات الناس عبادتك.
14 – من شكر الله العبدَ عند إماطته الأذى عن الطريق:
أيها الإخوة الكرام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ " [متفق عليه].
أحيانا شاحنة كبيرة تقف لإصلاح بعض العجلات، وتضع حجرا كبيرا وراء العجلة، ثم تنطلق والحجر قد يسبب دمار أسرة بأكملها، وهناك إنسان يقف، ويزيح هذا الحجر، فيشكر الله لك.
أيها الإخوة، الله عز وجل هو (الشاكر) ومن أسمائه أيضا هو (الشكور).
مختارات