مالك الملك
الله وحده هو المتصرف في هذا الكون يعطي ويمنع
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26]
أي: أنت المتصرف في خلقك، الفعال لما تريد.[تفسير ابن كثير]
فالله تعالى هو المتصرف في خلقه بلا ممانع ولا مدافع، وله الحكمة والحجة في ذلك.
وعبر بالإيتاء الذي هو مجرد لإعطاء دون التمليك المؤذن بثبوت المالكية، للتنبيه على أن المالكية على الحقيقة إنما هي مختصة بالله رب العالمين، أما ما يعطيه لغيره من ملك فهو عارية مستردة، وهو شيء زائل لا يدوم.[تفسير الوسيط]
“وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مُلُوكَ الدُّنْيَا مُلْكُهُمْ مُلْكُ سِيَاسَةٍ وَرِعَايَةٍ، لَا مُلْكُ تَمَلُّكٍ وَتَصَرُّفٍ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}
وَالْجَدِيرُ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ أَنَّ «بِرِيطَانْيَا» تَحْتَرِمُ نِظَامَ الْمِلْكِيَّةِ إِلَى هَذَا الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، بِدَافِعٍ مِنْ هَذَا الْمُعْتَقَدِ، وَأَنَّهُ لَا مَلِكَ إِلَّا بِتَمْلِيكِ اللَّهِ إِيَّاهُ، وَأَنَّ مُلُوكَ الدُّنْيَا بِاصْطِفَاءٍ مِنَ اللَّهِ.
وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى مَا نَحْنُ بِصَدَدِ بَيَانِهِ، مِنْ أَنَّ مُلُوكَ الدُّنْيَا لَا يَمْلِكُونَ أَمْرَ الرَّعِيَّةِ لِأَنَّ طَالُوتَ مَلِكًا، وَلَيْسَ مَالِكًا لِأَمْوَالِهِمْ.
بَيْنَمَا مُلْكُ اللَّهِ تَعَالَى مُلْكُ خَلْقٍ وَإِيجَادٍ وَتَصَرُّفٍ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ}
وَعَلِيمٌ قَدِيرٌ هُنَا مِنْ خَصَائِصِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَيَتَصَرَّفُ فِي مُلْكِهِ بِعِلْمٍ وَعَنْ قُدْرَةٍ كَامِلَيْنِ سُبْحَانَهُ، {لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}
وَتَظْهَرُ حَقِيقَةُ ذَلِكَ إِذَا جَاءَ الْيَوْمُ الْحَقُّ، فَيَتَلَاشَى كُلُّ مُلْكٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَيُذَلُّ كُلُّ مَلِكٍ كَبُرَ أَوْ صَغُرَ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مُلْكُهُ تَعَالَى يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}”[أضواء البيان]
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة “إسحاق بن أحمد” من تاريخه عن المأمون الخليفة: أنه رأى في قَصْرٍ ببلاد الروم مكتوبا بالحميرية، فعرب له، فإذا هو: باسم الله ما اختلف الليل والنهار، ولا دارت نجوم السماء في الفلك إلا بنقل النعيم عن مَلِك قد زال سلطانه إلى ملك. ومُلْكُ ذي العرش دائم أبدًا ليس بِفَانٍ ولا بمشترك[تفسير ابن كثير]
فهل من معتبر بمثل هذا
مختارات