لماذا يبخل البعض بالمدح والثناء؟
يبدو لي أن قابلية كثير من الناس للذم بدرجة تفوق استعدادهم للثناء يعود لاعتبارات تتعلق بتكريس الشعور بالتفوق، واتسام الكثيرين بجرعات متفاوتة من النرجسية، والأنانية، والحسد. كما يعود لذلك الاعتقاد الكامن بأن مدح الآخرين -لاسيما الأقران والمنافسين- ينطوي على إقرار ضمني بنقص المادح، وتفوق الممدوح، ولكون النفوس لا تحب أن تكون في هذه المنزلة، ولا يرضى الإنسان بأن يتفوق عليه أحد كلما أمكنه ذلك، ولغلبة الشح والطمع على الناس؛ أورث ذلك كله، البخل بالثناء والمدح، مع الكرم والبذخ في الذم والقدح. وحتى لو انقادت النفس بالثناء فيأتي مؤجلاً، وبالتقسيط، أما الذم فيكون بـ(الكاش)، وفوراً.
يغلف البعض هذا الشحّ بأغلفة شرعية وأخلاقية، كالخوف من افتتان الممدوح، واغتراره بنفسه، أو بعمله، أو موهبته. وهذا يصح أحياناً، وهو شرط مهم لتفادي مشكلة أخرى يقع فيها آخرين بكيل الثناءات بلا حساب، لكل غاد ورائح، ولكن في أحيان كثيرة تكون تلك الأغلفة مجرد تمويه، وتغطية للدوافع المضمرة، من الحسد، وكراهية تفوق الآخرين، والامتعاض من نجاحاتهم. و”ما خلا جسد من حسد”. أتوهم أحياناً أن من علامات التواضع -الحقيقي وليس المصطنع- وطهارة القلب ونقاء الباطن تعوّد اللسان على المدح بشرطه، واستعذاب تشجيع الآخرين، وإدخال الفرح إلى نفوسهم، والاحتراز في الذم، والاقتصاد فيه، وتضييق مسالكه قدر ما يمكن. فالخطأ في مدح من ليس بأهل، أهون من الخطأ في ذم من لا يستحق.
مختارات