المعرفة المكدّسة
“المعرفة ليست عملية إضافة معلومات جديدة، بل هي في الواقع عملية استبعاد بعض المعلومات من الكمية الضخمة من المعلومات المطروحة عليك” هكذا يقول جلال أمين، ما رأيك بهذا التعريف الغريب للمعرفة؟ لنتأمل.
يؤكد زيغمونت باومان في كتابه”هل للأخلاق فرصة في عالم استهلاكي” أن العالم أنتج خلال السنوات الثلاثين الماضية من المعلومات أكثر مما أنتج خلال 5000 سنة سابقة، كما يشير إغناسيو راموني، “أن نسخة واحدة من عدد الأحد من صحيفة نيويورك تايمز يحتوي معلومات أكثر مما قد يستهلكه شخص مثقف في القرن الثامن عشر طوال حياته”. ويخلص إريكسن -كما ينقل باومان- إلى أن “هناك الكثير جدًا من المعلومات حولنا، وتنطوي المهارة الأساسية في مجتمع المعلومات على حماية النفس من 99.99% من المعلومات المعروضة والتي لا يرغب بها المرء!”.
فإذا كانت مشكلة الإنسان القديم في شح المعلومات، فمشكلة الإنسان الحديث كثرتها المفرطة. بحيث يصعب على العقل العادي استيعابها بصورة كلية.
أعود لتعريف جلال أمين، إذا أخذنا كلامه بدرجة من التسامح سنتفق معه، فقوقل يجلب لك ألوف أو ملايين الصفحات عند النقر على كلمات دلالية لموضوع ما، لكن أين الحقيقة في هذه الصفحات، أين المعلومة الأصيلة، والمعلومة الهامشية، أو التافهة؟ أكثر الناس لا يمكنه التفريق، ولا التمييز أمام أكوام المعلومات المتكدسة، في مكتبة العالم، في قوقل.
يشبّه السيميائي والروائي الإيطالي المعروف امبرتو ايكو (الإنترنت) بشخصية “فيونز الذي لا ينسى” التي ابتكرها الكاتب والشاعر الإسباني “جورخي لويس بورخيس”.. فيونز (كان يتذكّر الشاردة والواردة، وكلّ ورقة شاهدها على شجرة، وكلّ كلمة سمعها في حياته، وكلّ نسمة ريح لامسته، وكلّ نكهة تذوّقها، وكلّ عبارة سمعها. ولهذا السبب بالذات، ولذلك كان فيونز غبـيّاً مكبّلاً بعدم قدرته على تذكّر المجدي ونسيان ما ليس له فائدة!). فزيادة المعلومات مضرة، وطاقة الإنسان محدودة، ومن غير تأسيس علمي وبحثي رصين في مجال التخصص يصبح المرء معرضاً للإصابة بغباء فيونز، حيث تكبله أكوام المعلومات، وتحجب عنه نور الحقيقة الكلية.
مختارات