الَّلبِنة السادسة
يدهشك القرآن في بداياته الحكيمة المحكمة .. ( و ثيابك فطهر و الرجز فاهجر ! )
ما قصة الطهارة ؟ .. و ما علة الاستهلال بها في أول التنزيل ؟
القصة إن الثياب التي سيقبلها القرآن منذ اللحظة لن تتسع لأمرين.. فإما الطهارة المكتملة و إما التخليط و لوثات الجاهلية الأولى !
الجاهلية التي كانت و لا زالت نتاج زحف بطيء للخطايا و للسوس الناخر في كل الدعامات الثقيلة !
الخطايا التي جعلت الرقاع في ثيابنا و عقولنا تلتهم بقية الستر فينا !
لقد كان الرجز و الرجس و الوحل في ثياب القوم واضحا بعد أن توغل في رائحتهم و ملامحهم كثيرا !
كان بإمكان الأرواح التي تحمل بقية من الحنيفية الاولى أن تشم رائحة الخطايا تفوح من أغلب ثياب القوم في كل ساعات النهار و الليل
لذا كان لا بد من التطهير أولا قبل البدء في التعمير .. و التخلية من السيئات قبل التحلية بالحسنات .. و التخلص من العوائق قبل البدء في الانطلاق .. فكانت ( و ثيابك فطهر و الرجز فاهجر )
غالبا ما تكون البداية في حياة الإنسان خطأ بسيطا يتناوب عليه المرء حتى يصير في حياته خطيئة تدخله في عالم ( وأحاطت به خطيئته ) !
و الخطيئة هنا جاءت بصيغة المبالغة لأنها غدت صفة راسخة في النفس تخلق سلوكا لا فكاك عنه حتى كأنه القيد يستعبد الإنسان و لا يأذن له بخطوة الانعتاق و يحيط به كأفعى لا تغادره إلا مقتولاً أو مسموما
الطهارة هي أولى البدايات إذن في فقه بناء الإنسان و قد ورث السلف هذا المعنى و فقهوه جيدا إذ قالوا
ترك شهوة من شهوات القلب أنفع للعبد من صيام سنة و قيامها .. و ترك فلس حرام أحب إلينا من التصدق بمائة الف فلس !
الترك .. الطهارة .. هجرة الرجز .. مفردات انصبت في ضمير المسلم الأول و بدأت تخلقه من جديد و تنطقه بفهم سطره عمر بن عبد العزيز يوم قال ( وددت لو أصوم شهري و أصلي فرضي و أجعل فضل جهدي في ترك السيئات )
ربما لأنه فقه قول يحي بن معاذ يوم نصح قائلا ( لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه ) و عنى بها الأوزار و ما خفي من انتهاك المحرمات !