" الخيــانة "
" الخيــانة "
ذم الخيانة والنهي عنها:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال الفيروزآبادي عن ورود هذه الصفة في القرآن: (قد وردت في القرآن على خمسة أَوجه:
الأَوّل: في الدِّين والدِّيانة " وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ " [الأنفال: 27].
الثاني: في المال والنِّعمة " وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا " [النساء: 105].
الثالث: في الشرع والسنَّة " وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ " [الأنفال: 71] أي: إِن تركوا الأَمانة في السُّنَّة فقد تركوها فى الفريضة.
الرّابع: الخيانة بمعنى الزِّنى " وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ " [يوسف: 52] أي: الزَّانين.
الخامس: بمعنى نَقْض العهد والبيعة " وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً " [الأنفال: 58] أي: نقض عهد) [بصائر ذوى التمييز].
ولقد وردت الآيات التي تحذر من الخيانة بعدة سياقات، فمنها قوله تعالى:
" إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ " [الحج: 38].
قال ابن كثير: (وقوله: " إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ " أي: لا يحب من عباده من اتصف بهذا، وهو الخيانة في العهود والمواثيق، لا يفي بما قال. والكفر: الجحد للنعم، فلا يعترف بها) [تفسير القرآن العظيم، لابن كثير].
وقال سبحانه: " وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ " [الأنفال: 58] (يقول تعالى ذكره: وإما تخافنَّ يا محمد من عدوٍّ لك بينك وبينه عهد وعقد أن ينكث عهده، وينقض عقده ويغدر بك، وذلك هو الخيانة والغدر " فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء " يقول: فناجزهم بالحرب، وأعلمهم قبل حربك إياهم أنَّك قد فسخت العهد بينك وبينهم؛ بما كان منهم من ظهور آثار الغدر والخيانة منهم، حتى تصير أنت وهم على سواء في العلم بأنك لهم محارب، فيأخذوا للحرب آلتها، وتبرأ من الغدر " إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ " الغادرين بمن كان منه في أمان وعهد بينه وبينه أن يغدر، فيحاربه قبل إعلامه إياه أنه له حرب وأنه قد فاسخه العقد) [جامع البيان،للطبرى].
#### ثانيًا: في السنة النبوية:
- عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر) [رواه البخارى ورواه مسلم،بلفظ آخر].
قال ابن عثيمين في قوله: (إذا اؤتمن خان): (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه) [شرح رياض الصالحين].
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الجوع، فإنَّه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة، فإنها بئست البطانة) [حسنه الألبانى فى صحيح سنن ابن ماجه].
- وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) - قال عمران: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنين أو ثلاثة - قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ بعدكم قومًا يخونون ولا يؤتمنون، ويشهدون ولا يستشهدون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السِّمَن) [رواه البخارى ومسلم واللفظ للبخارى].
قال النووي في معنى الجمع في قوله: يخونون ولا يؤتمنون (أنهم يخونون خيانة ظاهرة؛ بحيث لا يبقى معها أمانة، بخلاف من خان بمقيد مرة واحدة، فإنه ويصدق عليه أنه خان الأمانة في بعض المواطن) [شرح النووى على مسلم].
#### من آثار الخيانة [نضرة النعيم]:
#### 1- داء وبيل إذا استشرى بالإنسان جرده من إنسانيته، وجعله وحشًا يهيم وراء ملذاته.
2- من علامات النفاق.
3- طريق موصل إلى العار في الدنيا، والنار في الآخرة.
4- أسوأ ما يبطن الإنسان.
5- انتشار الخيانة في المجتمع من علامات اضمحلاله.
6- تسخط الله عزَّ وجلَّ على العبد.
#### من صور الخيانة:
الخيانة من صفات المنافقين البارزة، فالمنافق إذا سنحت له فرصة الخيانة لم يضيعها أو يدعها تفوت؛ جريًا وراء المغنم، وأصل الخون النقص، كما أنَّ أصل الوفاء التمام، واستعماله ضد الأمانة؛ لأنَّ الخون النقص والضياع، وما أبشع الخيانة بقدر ما يعظم قدر الأمانة، يقول الله تعالى: " إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً " [الأحزاب: 72] وقد نهى الله تعالى عن الخيانة بأصنافها، وأنواعها [أخلاق المنافقين،ليعقوب المليجى،بتصرف] وصورها كالتالي:
1- خيانة الله ورسوله:
قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ " [الأنفال: 28].
قال ابن حجر الهيتمي: (وقوله عزَّ وجلَّ: " وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ " عطف على النهي، أي: ولا تخونوا أماناتكم.
قال ابن عباس: الأمانات: الأعمال التي ائتمن الله تعالى عليها العباد [رواه الطبرى فى تفسيره].
أما خيانة الله ورسوله فمعصيتهما.
وأما خيانة الأمانات فكل أحد مؤتمن على ما كلفه الله به، فهو سبحانه مُوقفه بين يديه، ليس بينه وبينه ترجمان، وسائله عن ذلك هل حفظ أمانة الله فيه أو ضيعها؟ فليستعد الإنسان بماذا يجيب الله تعالى به إذا سأله عن ذلك، فإنه لا مساغ للجحد ولا للإنكار في ذلك اليوم، وليتأمل قوله تعالى: " وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ " [يوسف: 52] أي: لا يرشد كيد من خان أمانته، بل يحرمه هدايته في الدنيا، ويفضحه على رءوس الأشهاد في العقبى، فالخيانة قبيحة في كلِّ شيء) [الزواجر،لابن حجر الهيتمى].
2- خيانة النفس:
وهي أن يفعل المرء من الذنوب ما لا يطلع عليه إلا الله، ويخون به أمر الله تعالى بألا يفعل، مثلما وقع من بعض المسلمين من الرفث إلى النساء ليلة الصيام، فعن ابن عباس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: " عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ " [البقرة: 187] وقوله تعالى: " تختانون " من الاختيان، وهو أبلغ من الخيانة كالاكتساب من الكسب [أخلاق المنافقين،ليعقوب المليجى،بتصرف].
3- خيانة الناس وهي أنواع:
- الخيانة في الأموال: وتتمثل في أكل المال الذي يؤتمن عليه الإنسان، ومن ذلك مال الوديعة، قال ابن عثيمين في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا اؤتمن خان) قال: (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه، فمثلًا إذا أعطي وديعة، وقيل له: خذها احفظها، دراهم أو ساعة أو قلم أو متاع أو غير ذلك، يكون فيها يستعملها لنفسه، أو يتركها فلا يحفظها في مكانها، أو يُظْفِرُ بها من يتسلَّط عليه ويأخذها، المهم أنه لا يؤدي الأمانة فيها) [شرح ؤياض الصالحين،لابن عثيمين].
- إفشاء السر: وقد تكون خيانة الناس بإفشاء السر الذي يُؤتمن عليه الإنسان، إلا إذا كان في ذلك الإفشاء مصلحة أقوى، مثل: إظهار الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة أهل العدل، وصيانة مصلحة الأمة.
ولكن أكثر ما تكون الخيانة في إفشاء الأسرار الخاصة التي لا تهمُّ غير صاحبها، مثل عورات البيوت، وأسرار العائلات، والأزواج.. فليتقِ الله من يطَّلع على شيء من ذلك إذا ائتمنه عليه أصحاب الشأن؛ لاستشارة أو لقيام بينهم بصلح.
كما يكون ذلك الإفشاء وخيانة الأمانة ممن يطلعون بحكم علمهم على أسرار الناس، كالأطباء والممرضات فهؤلاء يعلمون من أسرار المرضى ما لا ينبغي أن يُذاع، وكذلك من يقومون بغسل الموتى، وتكفينهم، ودفنهم، فقد وجب عليهم ألا يخونوا أماناتهم، وأن يحفظوا ما علموا سرًّا [شرح ؤياض الصالحين،لابن عثيمين].
(وقال الحسن: إنَّ مِن الخيانة أن تحدث بسرِّ أخيك.
ويُروى أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه: يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه، قال: فقلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه؟! فقال: لا والله يا بني، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ، قال: فأتيت معاوية فأخبرته، فقال: يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ) [رواه ابن أبى الدنيا فى الصمت].
- الخيانة في النصيحة: ومن صور خيانة الناس كذلك الخيانة في النصيحة، كمن يزكِّي فاسقًا، أو يخفي مالًا مسروقًا، أو يؤوي مجرمًا، أو يعين قاطع طريق. أو من ينصح غيره بما يؤذيه في الدنيا أو الآخرة من الإفساد وقطيعة الرحم [أخلاق المنافقين،ليعقوب المليجى،بتصرف].
- الخيانة الزوجية: وهي من أبشع صور الخيانة: خيانة الزوجة لزوجها في ماله وعرضه، بالسرقة والزنا، وخيانة الرجل لزوجته بالسرقة والزنا كذلك.. [أخلاق المنافقين،ليعقوب المليجى،بتصرف].
#### الخيانة من صفات اليهود:
(وصف الله اليهود إلا قليلًا منهم بأنهم أهل خيانة، فقال تعالى لرسوله: " وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ " [المائدة: 13].
فهذه الآية تدلُّ على أنَّ الخيانة من الصفات التي تبرز في اليهود بين حين وآخر، فالخيانة شأنهم وديدنهم، وطريقتهم في معاملة الناس.
فمن خيانتهم محاولتهم اغتيال الرسول، وقد كان بينه وبينهم عهد أمان.
ومن خيانتهم تواطؤهم مع الأحزاب، وقد كان بينهم وبين الرسول عهد وأمان) [الأخلاق الإسلامية،لعبد الرحمن الميدانى].
مختارات