شرح دعاء"اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن ، وضلع الدين، وغلبة الرجال"
اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ)([1]).
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول. الحديث.
المفردات:
الهمّ: المكروه المؤلم على القلب على أمر مستقبل يتوقعه.
الحزن: المكروه المؤلم على القلب على أمر قد مضى.
ضَلع الدين: أصل الضلع وهو بفتح المعجمة واللام: الاعوجاج، يقال: ضلَع - بفتح اللام – يضلع: أي مال، والمراد به هنا ثِقل الدين وشدّته، الذي يميل بصاحبه عن الاستواء.
غلبة الرجال: شدّة تسلّطهم وقهرهم بغير حق تغلباً وجدلاً([2]).
[الشرح]:
العجز، والكسل، والبخل، والجبن: تقدم شرحها سابقاً.
استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأمور؛ لأنها منغصات للحياة، من جميع الوجوه، في النفس، والجسد، والعقل، والقلب.
قوله: (اللَّهم إني أعوذ بك من الهم والحزن): استعاذ منهما لما فيهما من شدة الضرر على البدن، وإذابة قواه، وتشويش الفكر والعقل، والإنشغال بهما يفوِّتان على العبد الكثير من الخير، وانشغال الفؤاد والنفس عن الطاعات والواجبات، هذا إن كان الهمّ والحزن في أمور الدنيا، أما همّ الآخرة، فهو محمود؛ لأنه يزيد في الطاعة، ويبعث النفس على الجدّ، والعمل، والمراقبة، قال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ جَعَلَ الْهُمُومَ هَمًّا وَاحِدًا: هَمَّ الْمَعَادِ، كَفَاهُ اللَّهُ هَمَّ دُنْيَاهُ، وَمَنْ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْهُمُومُ في أَحْوَالِ الدُّنْيَا، لَمْ يُبَالِ اللَّهُ فِي أَيِّ أَوْدِيَتِهِ هَلَكَ)([3]).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَتْ الْآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتْ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ)([4]).
قوله: (وضلَعَ الدين): أي شدّته وثقله، حتى يميل صاحبه عن الاستواء والاعتدال؛ فلهذا استعاذ منه صلى الله عليه وسلم لما فيه كذلك من شغل العبد عن القيام بالعبادة على الوجه الأكمل، والوقوع في المحذورات الشرعية كما سبق، مثل: الإخلاف في الوعد، والوقوع في الكذب.
واستعاذ النبي صلى الله عليه وسلم (من غلبة الرجال): وهو تسلّطهم، وظلمهم، وغلبتهم بغير الحق، يؤدي إلى وهن النفس، وضعفها، وإلى الذلة والهوان، فيفتر عن الطاعة والعبادة([5])؛ لما يوقع في النفس من الخور والأحزان، والأوهام، الذي قد يؤدّي إلى الحقد، والانتقام.
فينبغي لكل مؤمن أن يُعنى بهذا الدعاء الجليل، فنحن في أشدّ الحاجة إليه في زمننا هذا، وقد تكالبت علينا الهموم، والغموم والأعداء من كل مكان، فنسأل اللَّه السلامة في ديننا ودنيانا.
([1]) البخاري، كتاب الدعوات، باب التعوذ من غلبة الرجال، برقم 6363، قال أنس: (كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ ﷺ كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: (اللّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ... ).
([2]) فتح الباري، 11/207، وفيض القدير، 2/151.
([3]) ابن ماجه، أبواب الزهد، باب الهم بالدنيا، برقم 4106، والحاكم، 2/ 443، وابن أبي شيبة، 13/ 220، والبزار، 5/ 68، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، برقم 207، وصحيح الترغيب والترهيب، برقم 3170.
([4]) الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق، باب حدثنا قتيبة، برقم 2465، والدارمي، 1/ 45، وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 3169، وحسنه في سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 949.
([5]) اللآلئ الدرية في شرح الأدعية النبوية، ص 60.
مختارات