" الرَّحْمَـــة "
" الرَّحْمَـــة "
الترغيب في الرَّحْمَة:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
ذكر الله هذه الصفة العظيمة في غير ما آية من كتابه الكريم، إمَّا في معرض تسميه واتصافه بها، أو في معرض الامتنان على العباد بما يسبغه عليهم من آثارها، أو تذكيرهم بسعتها، أو من باب المدح والثناء للمتصفين بها المتحلِّين بمعانيها، أو غير ذلك من السياقات، ومن ذلك:
- تَسمِّيه جلَّ وعلا باسم الرَّحمن والرَّحيم، واتصافه بصفة الرَّحْمَة:
وهذا كثير جدًّا في القرآن، نذكر منه على سبيل المثال لا الحصر:
قوله تعالى: " الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " [الفاتحة: 3] فقد سمى الله نفسه بهذين الاسمين المشتملين على صفة الرَّحْمَة، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (هما اسمان رقيقان أحدهما أرق من الآخر أي أكثر رحمة) [تفسير البغوى].
- ومن ذلك أنَّ الله جعل هذه الصفة لصفوة خلقه، وخيرة عباده، وهم الأنبياء والمرسلين، ومن سار على نهجهم من المصلحين، فقد قال الله تعالى ممتنًا على رسوله صلى الله عليه وسلم على ما ألقاه في قلبه من فيوض الرَّحْمَة، جعلته يلين للمؤمنين، ويرحمهم ويعفو عنهم، ويتجاوز عن أخطائهم: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ " [آل عمران: 159].
أي: فبسبب رحمة من الله أودعها الله في قلبك يا محمد، كنت هيِّنًا، لين الجانب مع أصحابك، مع أنهم خالفوا أمرك وعصوك [صفوة التفاسير،للصابونى].
- ومن ذلك ثناء الله على المتَّصفين بالرَّحْمَة والمتخلِّقين بها، فقد قال تعالى واصفًا رسوله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الذين معه: " مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ " [الفتح: 29] فهم أشدَّاء على الكفار، رحماء بينهم، بحسب ما يقتضيه منهم إيمانهم، فالإيمان بالله واليوم الآخر متى تغلغل في القلب حقًّا، غرس فيه الرَّحْمَة بمقدار قوته وتغلغله [الأخلاق الإسلامية وأسسها، لعبد الرحمن الميدانى].
#### ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
أما السُّنَّة فقد استفاضت نصوصها الداعية إلى الرَّحْمَة، الحاثَّة عليها، المرغِّبة فيها إمَّا نصًّا أو مفهومًا، كيف لا وصاحبها صلى الله عليه وسلم هو نبي الرَّحْمَة كما وصف نفسه فقال: (أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرَّحْمَة) [رواه مسلم].
- فعن النُّعمان بن بشير رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى المؤمنين في تراحمهم، وتوادِّهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد إذا اشتكى عضوًا، تداعى له سائر جسده بالسَّهر والحمَّى) [رواه البخارى ومسلم].
يقول النووي معلقًا على هذا الحديث: (هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثِّهم على التراحم، والملاطفة، والتعاضد، في غير إثم ولا مكروه) [شرح النووى على مسلم].
قال ابن أبي جمرة: (الذي يظهر أنَّ التَّراحم، والتوادد، والتعاطف، وإن كانت متقاربة في المعنى لكن بينها فرق لطيف، فأما التَّراحم فالمراد به أن يرحم بعضهم بعضًا بأخوة الإيمان، لا بسبب شيء آخر، وأما التوادد فالمراد به التواصل الجالب للمحبة، كالتزاور والتهادي، وأما التعاطف فالمراد به إعانة بعضهم بعضًا، كما يعطف الثوب عليه ليقويه) [فتح البارى] اهـ ملخصًا.
- وعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: (جاء أعرابيٌّ إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم فقال: تقبِّلون الصِّبيان فما نقبِّلهم، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله من قلبك الرَّحْمَة؟) [رواه البخارى].
قال ابن بطال: (رحمة الولد الصغير، ومعانقته، وتقبيله، والرفق به، من الأعمال التي يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله عليه السلام للأقرع بن حابس حين ذكر عند النَّبي صلى الله عليه وسلم أن له عشرة من الولد ما قبل منهم أحدًا: (من لا يرحم لا يرحم)؟ [رواه البخارى ومسلم].
- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحمون يرحمهم الرَّحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم من في السَّماء) [صححه الألبانى فى صحيح الجامع].
قال شمس الدين السفيري: (فندب صلى الله عليه وسلم إلى الرَّحْمَة، والعطف على جميع الخلق من جميع الحيوانات، على اختلاف أنواعها في غير حديث، وأشرفها الآدمي، وإذا كان كافرًا، فكن رحيمًا لنفسك ولغيرك، ولا تستبد بخيرك، فارحم الجاهل بعلمك، والذَّليل بجاهك، والفقير بمالك، والكبير والصغير بشفقتك ورأفتك، والعصاة بدعوتك، والبهائم بعطفك، فأقرب النَّاس من رحمة الله أرحمهم بخلقه، فمن كثرت منه الشفقة على خلقه، والرَّحْمَة على عباده، رحمه الله برحمته، وأدخله دار كرامته، ووقاه عذاب قبره، وهول موقفه، وأظله بظله إذ كل ذلك من رحمته) [شرح صحيح البخارى،لشمس الدين السفيرى].
#### من فوائد الرَّحْمَة:
للتحلي بخلق الرَّحْمَة فوائد عظيمة وثمار جليلة، فما أن يتحلى المؤمن بهذه الحلية، ويتجمَّل بهذه السَّجيَّة حتى تظهر آثارها وتؤتي أكلها.. ليس عليه فقط، بل عليه وعلى من حوله، وسنعرض لبعض هذه الآثار والفوائد إجمالًا، فمن ذلك:
1- أنَّها سبب للتعرض لرحمة الله، فأهلها مخصوصون برحمته جزاء لرحمتهم بخلقه.
2- محبة الله للعبد، ومن ثم محبة النَّاس له.
3- ومن أعظم فوائدها، أنَّ المتحلي بها يتحلى بخلق تحلى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
4- أنها ركيزة عظيمة، ينبني عليها مجتمع مسلم متماسك يحس بعضه ببعض، ويعطف بعضه على بعض، ويرحم بعضه بعضًا.
5- أنها تشعر المرء بصدق انتمائه للمجتمع المسلم، فمن لا يرحم لا يستحق أن يكون فردًا في المجتمع أو جزءًا منه؛ لذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا) [حسنه الألبانى فى صحيح الجامع].
6- أنه على قدر حظ الإنسان من الرَّحْمَة، تكون درجته عند الله تبارك وتعالى، وقد كان الأنبياء أشدَّ النَّاس رحمة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم أوفرهم حظًّا منها.
#### أقسامها من حيث المدح والذم:
إن خلق الرَّحْمَة منه ما هو محمود - وهو الأصل - ومنه ما هو مذموم.
أما المحمود فهو ما ذكرناه آنفًا، واستدللنا عليه من كتاب الله، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، بما يغني عن إعادة ذكره هاهنا.
وأما المذموم: فهو ما حصل بسببه تعطيل لشرع الله، أو تهاون في تطبيق حدوده وأوامره، كمن يشفق على من ارتكب جرمًا يستحق به حدًّا، فيحاول إقالته والعفو عنه، ويحسب أنَّ ذلك من رحمة الخلق وهو ليس من الرَّحْمَة في شيء، بل الرَّحْمَة هي إقامة الحد على المذنب، والرَّأفة هي زجره عن غيِّه وردُّه عن بغيه بتطبيق حكم الله فيه، قال ابن تيمية: (إنَّ العقوبات الشَّرعيَّة كلَّها أدوية نافعة، يصلح اللَّه بها مرض القلوب، وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم، الدَّاخلة في قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " [الأنبياء:107] فمن ترك هذه الرَّحمة النَّافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الَّذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلَّا الخير إذ هو في ذلك جاهل أحمق) [مجموع الفتاوى،لابن تيمية].
- لذا نهى الله تعالى المؤمنين عن أن تأخذهم رأفة أو رحمة في تطبيق حدود الله وإقامة شرعه فقال: " الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ " [النور: 2].
قال ابن تيمية: (إنَّ دين الله هو طاعته، وطاعة رسوله، المبني على محبَّته ومحبَّة رسوله، وأن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه ممَّا سواهما؛ فإنَّ الرَّأفة والرَّحمة يحبُّهما اللَّه ما لم تكن مضيِّعةً لدين الله) [مجموع الفتاوى،لابن تيمية].
ومن الرَّحْمَة المذمومة، ما يكون سببًا في فساد المرحوم وهلاكه، كما يفعل كثير من الآباء من ترك تربية الأبناء وتأديبهم، وعقوبتهم رحمة بهم، وعطفًا عليهم، فيتسببون في فسادهم وهلاكهم وهم لا يشعرون.، قال ابن تيمية: (ما يفعله بعض النِّساء والرِّجال الجهَّال بمرضاهم، وبمن يربُّونه من أولادهم، وغلمانهم، وغيرهم، في ترك تأديبهم وعقوبتهم، على ما يأتونه من الشَّرِّ ويتركونه من الخير رأفةً بهم، فيكون ذلك سبب فسادهم وعداوتهم وهلاكهم) [مجموع الفتاوى،لابن تيمية].
#### أقسامها من حيث الغريزة والاكتساب:
قال عبد الرحمن السعدي: (والرَّحْمَة التي يتصف بها العبد نوعان:
النوع الأول: رحمة غريزيَّة، قد جبل الله بعض العباد عليها، وجعل في قلوبهم الرَّأفة والرَّحْمَة والحنان على الخلق، ففعلوا بمقتضى هذه الرَّحْمَة، جميع ما يقدرون عليه من نفعهم، بحسب استطاعتهم، فهم محمودون، مثابون على ما قاموا به، معذورون على ما عجزوا عنه، وربما كتب الله لهم بنياتهم الصادقة ما عجزت عنه قواهم.
والنوع الثاني: رحمة يكتسبها العبد بسلوكه كل طريق ووسيلة، تجعل قلبه على هذا الوصف، فيعلم العبد أنَّ هذا الوصف من أجلِّ مكارم الأخلاق وأكملها، فيجاهد نفسه على الاتصاف به، ويعلم ما رتب الله عليه من الثواب، وما في فواته من حرمان الثواب؛ فيرغب في فضل ربه، ويسعى بالسبب الذي ينال به ذلك، ويعلم أنَّ الجزاء من جنس العمل، ويعلم أنَّ الأخوَّة الدينية والمحبة الإيمانية، قد عقدها الله وربطها بين المؤمنين، وأمرهم أن يكونوا إخوانًا متحابين، وأن ينبذوا كل ما ينافي ذلك من البغضاء، والعداوات، والتدابر) [بهجة قلوب الأبرار].
#### من صور الرَّحْمَة:1- شفقة الإمام برعيته، وتجنب ما من شأنه أن يجلب المشقة عليهم:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم للنَّاس فليخفِّف، فإنَّ في النَّاس الضَّعيف والسَّقيم وذا الحاجة) [رواه البخارى ومسلم].
2- التوسط في العبادات وترك ما يشق على النفس:
عن عائشة رضي الله عنها: (أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة، قال: من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يملُّ الله حتى تملوا، وكان أحب الدِّين إليه ما داوم عليه صاحبه) [رواه البخارى ومسلم].
3- البر بالوالدين.. وخفض جناح الذُّل من الرَّحْمَة لهما:
- عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: (سألت النَّبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحبُّ إلى اللّه عزَّ وجلَّ؟ قال: الصَّلاة على وقتها، قال: ثُمَّ أي؟ قال: برُّ الوالدين. قال: ثُمَّ أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله) [رواه البخارى ومسلم].
- الأمر بإحسان القِتلة والذبحة:
عن شدَّاد بن أوس رضي الله عنه أنَّه قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إنَّ الله كتب الإحسان على كلِّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذَّبح، وليحدَّ أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) [رواه مسلم].
#### من الأسباب المعينة على التخلق بخلق الرَّحْمَة:
قال السعدي: (فلا يزال العبد يتعرف الأسباب التي يدرك بها هذا الوصف الجليل، ويجتهد في التحقق به، حتى يمتلئ قلبه من الرَّحْمَة، والحنان على الخلق. ويا حبذا هذا الخلق الفاضل، والوصف الجليل الكامل، وهذه الرَّحْمَة التي في القلوب، تظهر آثارها على الجوارح واللسان، في السعي في إيصال البر، والخير، والمنافع إلى النَّاس، وإزالة الأضرار والمكاره عنهم) [بهجة قلوب الأبرار].
وهاك أخي الكريم بعض الأسباب المعينة على التخلق بهذا الخلق الكريم والسجيَّة العظيمة:
1- القراءة في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتدبر في معالمها، والتأسِّي به في مواقف رحمته صلى الله عليه وسلم.
2- مجالسة الرحماء ومخالطتهم، والابتعاد عن ذوي الغلظة والفظاظة، فالمرء يكتسب من جلسائه طباعهم وأخلاقهم.
3- تربية الأبناء على هذا الخلق العظيم، ومحاولة غرسه في قلوبهم، ومتى نشأ الناشئ على الرَّحْمَة ثبتت في قلبه وأصبحت سجيَّة له بإذن الله.
4- معرفة جزاء الرحماء وثوابهم، وأنهم هم الجديرون برحمة الله دون غيرهم، ومعرفة عقوبة الله لأصحاب القلوب القاسية؛ فإنَّ هذا مما يدفع للتخلق بصفة الرحمة، ويردع عن القسوة.
#### نماذج من رحمة النَّبي صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى واصفًا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم: " لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " [التوبة: 128].
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرحم النَّاس بالنَّاس وأرأفهم بهم؛ المؤمنين ومن لم يكن يدين بدين الإسلام أصلًا، بل إنَّ رحمته صلى الله عليه وسلم تعدت ذلك إلى الحيوان، والجماد، وسنعرض هنا بعض النماذج من رحمته صلى الله عليه وسلم:
رحمته صلى الله عليه وسلم بالكفَّار:
- (عن عائشة رضي اللّه عنها زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم أنَّها قالت للنَّبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم كان أشدَّ من يوم أحد؟ قال: (لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشدَّ ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال، فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت، وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلَّا وأنا بقرن الثَّعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلَّتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله قد سمع قول قومك لك وما ردُّوا عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال فسلَّم عليَّ، ثمَّ قال: يا محمَّد، فقال: ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا) [رواه البخاري].
قال ابن حجر: (في هذا الحديث بيان شفقة النَّبي صلى الله عليه وسلم على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهو موافق لقوله تعالى: " فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ " [آل عمران: 159] وقوله: " وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ " [الأنبياء: 107]) [فتح الباري].
#### نماذج من رحمة الصحابة رضوان الله عليهم:
سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نهجه، واقتدوا به في التمسك بهذا الخلق الكريم، حتى صار الرجل المعروف بشدته، وصرامته، هيِّنًا ليِّنًا، رحيمًا رؤوفًا.
رحمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عرف بشدَّته، وقوَّته، تغير الرَّحْمَة من طباعه، فيصبح رقيقًا يمتلأ قلبه رحمةً، ويفيض فؤاده شفقةً، ومما يدل على ذلك قوله لعبد الرحمن بن عوف حينما أتاه يكلمه في أن يلين لهم لأنَّه أخاف النَّاس حتى خاف الأبكار في خدورهن، فقال: (إني لا أجد لهم إلَّا ذلك، والله لو أنهم يعلمون ما لهم عندي، من الرَّأفة، والرَّحْمَة، والشفقة، لأخذوا ثوبي عن عاتقي) [المجالسة وجواهر العلم، لأبي بكر الدينوري].
- ورآه عيينة بن حصن يومًا يقبل أحد أبنائه، وقد وضعه في حجره وهو يحنو عليه، فقال عيينة: أتُقبِّل وأنت أمير المؤمنين؟ لو كنت أمير المؤمنين ما قبلت لي ولدًا، فقال عمر: الله، الله حتى استحلفه ثلاثًا، فقال عمر: فما أصنع إن كان الله نزع الرَّحْمَة من قلبك؟ إنَّ الله إنَّما يرحم من عباده الرُّحماء (جامع معمر بن راشد).
#### نماذج من رحمة السلف:
رحمة عمر بن عبد العزيز رحمه الله:
(كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى حيَّان بمصر: إنَّه بلغني أنَّ بمصر إبلًا نقالات، يحمل على البعير منها ألف رطل، فإذا أتاك كتابي هذا، فلا أعرفنَّ أنَّه يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل، وكتب إلى صاحب السكك أن لا يحملوا أحدًا بلجام ثقيل من هذه الرستنية، ولا ينخس (1) بمقرعة (2) في أسفلها حديدة) [سيرة عمر بن عبد العزيز على ما رواه الإمام مالك بن أنس وأصحابه،لأبى محمد المصرى].
#### نماذج من رحمة العلماء المتقدمين:
رحمة ابن تيمية رحمه الله:
قال عمر بن علي البزار: (وحدَّثني من أثق به أنَّ الشيخ رضي الله عنه كان مارًّا يومًا في بعض الأزقَّة فدعا له بعض الفقراء، وعرف الشيخ حاجته، ولم يكن مع الشيخ ما يعطيه، فنزع ثوبًا على جلده ودفعه إليه، وقال: بعه بما تيسر وأنفقه، واعتذر إليه من كونه لم يحضر عنده شيء من النفقة) [الأعلام العلية فى مناقب ابن تيمية،لسراج الدين].
#### قالوا عن الرَّحْمَة:
- قال السعدي عن عَلَامة وجود الرَّحْمَة في قلب العبد: (وعلامة الرَّحْمَة الموجودة في قلب العبد، أن يكون محبًّا لوصول الخير لكافة الخلق عمومًا، وللمؤمنين خصوصًا، كارهًا حصول الشر والضرر عليهم، فبقدر هذه المحبة والكراهة تكون رحمته) [بهجة قلوب الأبرار،للسعدى].
مختارات