" الحَيَـــاء "
" الحَيَـــاء "
التَّرغيب في الحَيَاء:
#### أولًا: في القرآن الكريم:
- قال تعالى: " وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ " [الأعراف:26].
فُسِّر لباس التَّقوى بأنَّه الحَيَاء كما رُوِي عن الحسن [تفسير الألوسى] ومعبد الجهني [تفسير الثعالبى].
- قال تعالى: " فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " [القصص: 25].
قال مجاهد: (يعْني: واضعةً ثوبها على وجهها ليست بخرَّاجةٍ ولا وَلَّاجةٍ) [تفسير مجاهد].
قال الطَّبري: (فأَتَتْهُ تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ) وهي تسْتَحْيِي منه) [جامع البيان].
#### ثانيًا: في السُّنَّة النَّبويَّة:
- عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ ممَّا أدرك النَّاس مِن كلام النُّبوَّة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت) [رواه البخارى].
قال الخطَّابي: (قال الشَّيخ: معنى قوله (النُّبوَّة الأولى) أنَّ الحَيَاء لم يزل أمره ثابتًا، واستعماله واجبًا منذ زمان النُّبوَّة الأولى، وأنه ما مِن نبيٍّ إلَّا وقد نَدَب إلى الحَيَاء وبُعِث عليه، وأنَّه لم ينسخ فيما نسخ مِن شرائعهم، ولم يُبَدَّل فيما بُدِّل منها) [معالم السنن].
قال ابن القيِّم: (خُلق الحَيَاء مِن أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصَّة الإنسانيَّة، فمَن لا حياء فيه، فليس معه مِن الإنسانيَّة إلَّا اللَّحم والدَّم وصورتهما الظَّاهرة، كما أنَّه ليس معه مِن الخير شيء) [مفتاح دار السعادة،بتصرف يسير].
- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، مرَّ على رجل، وهو يعاتب أخاه في الحياء، يقول: إنَّك لتستحيى حتى كأنَّه يقول: قد أضرَّ بك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعه، فإنَّ الحياء مِن الإيمان) [رواه البخارى].
قال ابن بطَّال: (معناه أنَّ الحَيَاء مِن أسباب الإيمان وأخلاق أهله؛ وذلك أنَّه لما كان الحَيَاء يمنع مِن الفواحش، ويحمل على الصَّبر والخير، كما يمنع الإيمان صاحبه مِن الفجور، ويقيِّده عن المعاصي، ويحمله على الطَّاعة، صار كالإيمان لمساواته له في ذلك، وإن كان الحَيَاء غريزة، والإيمان فعل المؤمن، فاشتبها مِن هذه الجهة) [شرح صحيح البخارى].
- وعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: (الحَيَاء لا يأتي إلَّا بخير) [رواه البخارى ومسلم].
قال ابن بطَّال: (معناه أنَّ مَن استحيا مِن النَّاس أن يروه يأتي الفجور ويرتكب المحارم، فذلك داعيةٌ له إلى أن يكون أشدَّ حياءً مِن ربِّه وخالقه، ومَن استحيا مِن ربِّه فإنَّ حياءه زاجرٌ له عن تضييع فرائضه وركوب معاصيه؛ لأنَّ كلَّ ذي فطرة صحيحة، يعلم أنَّ الله تعالى النَّافع له والضَّار والرَّزاق والمحيي والمميت، فإذا عَلِم ذلك فينبغي له أن يستحيي منه عزَّ وجلَّ) [شرح صحيح البخارى].
#### أقوال السَّلف والعلماء في الحَيَاء:
- قال عمر رضي الله عنه: (مَن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومَن قلَّ ورعه مات قلبه) [رواه الطبرانى فى المعجم الأوسط].
- قال ابن القيِّم في حقيقة الحَيَاء: (قال صاحب المنازل: الحَيَاء: مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص، يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ،إنَّما جَعَل الحَيَاء مِن أوَّل مدارج أهل الخصوص: لما فيه مِن ملاحظة حضور مَن يستَحيي منه، وأوَّل سلوك أهل الخصوص: أن يروا الحقَّ سبحانه حاضرًا معهم، وعليه بناء سلوكهم، وقوله: إنَّه يتولَّد مِن تعظيمٍ منوطٍ بودٍّ، يعني: أنَّ الحَيَاء حالة حاصلة مِن امتزاج التَّعظيم بالمودَّة، فإذا اقترنا تولَّد بينهما الحَيَاء، والجنيد يقول: إنَّ تولُّده مِن مشاهدة النِّعم ورؤية التَّقصير، ومنهم مَن يقول: تولُّده مِن شعور القلب بما يستحيي منه، فيتولَّد مِن هذا الشُّعور والنُّفرة، حالةٌ تُسَمَّى: الحَيَاء، ولا تنافي بين هذه الأقوال، فإنَّ للحياء عدَّة أسباب) [مدارج السالكين].
- وقال أيضًا: (حياة القلب يكون فيه قوَّة خُلُق الحَيَاء، وقلَّة الحَيَاء مِن موت القلب والرُّوح، فكلَّما كان القلب أحيى كان الحَيَاء أتم.
- قال الجنيد: الحَيَاء: رؤية الآلاء ورؤية التَّقصير، فيتولَّد بينهما حالة تُسمَّى الحَيَاء، وحقيقته: خُلُقٌ يبعث على ترك القبائح، ويمنع مِن التَّفريط في حقِّ صاحب الحقِّ).
- وقال الفضيل بن عياض: (خمسٌ مِن علامات الشَّقاوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلَّة الحَيَاء، والرَّغبة في الدُّنْيا، وطول الأمل) [رواه البيهقى فى شعب الإيمان].
#### من فوائد الحَيَاء:
1- أن الحَيَاء مِن خصال الإيمان.
2- هجر المعصية خجلًا من الله سبحانه وتعالى.
3- الإقبال على الطَّاعة بوازع الحبِّ لله عزَّ وجلَّ.
4- يبعد عن فضائح الدُّنْيا والآخرة.
5- أصل كلِّ شعب الإيمان.
6- يكسو المرء الوَقَار فلا يفعل ما يخلُّ بالمروءة والتوقير ولا يؤذي مَن يستحقُّ الإكرام.
#### أقسام الحَيَاء:
(ينقسم الحَيَاء باعتبار محلِّه إلى قسمين:
1- القسم الأوَّل: حياء فطريٌّ: وهو الذي يُولَد مع الإنسان متزوِّدًا به، ومِن أمثلته: حياء الطِّفل عندما تنكشف عورته أمام النَّاس، وهذا النَّوع مِن الحَيَاء منحة أعطاها الله لعباده.
2- والقسم الثَّاني: حياء مكتسب: وهو الذي يكتسبه المسلم مِن دينه، فيمنعه مِن فعل ما يُذَمُّ شرعًا، مخافة أن يراه الله حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره.
وينقسم باعتبار متعلَّقه إلى قسمين:
1- القسم الأوَّل: الحَيَاء الشَّرعي: وهو الذي يقع على وجه الإجلال والاحترام، وهو محمود.
2- القسم الثَّاني: الحَيَاء غير الشَّرعي: وهو ما يقع سببًا لترك أمر شرعي، وهذا النَّوع مِن الحَيَاء مذموم، وهو ليس بحياء شرعي، وإنَّما هو ضعف ومهانة) [الأخلاق الإسلامية،لحسن السعيد المرسى].
من صور الحياء:
من صور الحياء المحمود:
- الحَيَاء مِن الله: وذلك بالخوف منه ومراقبته، وفعل ما أمر واجتناب ما نهى عنه، وأن يستحي المؤمن أن يراه الله حيث نهاه، وهذا الحَيَاء يمنع صاحبه مِن ارتكاب المعاصي والآثام؛ لأنَّه مرتبطٌ بالله يراقبه في حِلِّه وترحاله.
- الحَيَاء مِن الملائكة: وذلك عندما يستشعر المؤمن بأنَّ الملائكة معه يرافقونه في كلِّ أوقاته، ولا يفارقونه إلَّا عندما يأتي الغائط، وعندما يأتي أهله.
صور الحَيَاء المذموم:
مِن صور الحَيَاء المذموم:
- الحَيَاء مِن الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر:
الحَيَاء لا يمنع المسلم مِن أن يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، قال تعالى: " وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ " [الأحزاب:53].
بل الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر سمة مِن سمات هذه الأمَّة، كما قال عزَّ وجلَّ: " كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ " [آل عمران:110].
والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مع شدَّة حيائه، لم يثنه ذلك عن قول الحقِّ، ويتبيَّن ذلك في موقفه مع أسامة بن زيد رضي الله عنهما، حينما أراد أن يشفع في حدٍّ مِن الحدود، فلم يمنعه حياؤه صلى الله عليه وسلم مِن أن يقول لأسامة في غضب: أتشفع في حدٍّ مِن حدود الله؟! ثمَّ قام فاختطب، ثمَّ قال: إنَّما أهلك الذين قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشَّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضَّعيف أقاموا عليه الحدَّ، وايم الله لو أنَّ فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها) [رواه البخارى ومسلم].
فعل أمر نهى عنه الشَّارع:
فمَن دفعه حياؤه إلى فعل أمرٍ نهى عنه الشَّارع، أو إلى ترك واجب مرغوب في الدِّين فليس حييًّا شرعًا، وإنَّما هذا يعتبر ضعفًا ومهانة.
فليس مِن الحَيَاء أن يترك الصَّلاة الواجبة بسبب ضيوفٍ عنده حتى تفوته الصَّلاة. وليس مِن الحَيَاء أن يمتنع الشَّخص مِن المطالبة بالحقوق التي كفلها له الشَّرع [الأخلاق الإسلامية،لحسن السعيد المرسى].
#### مِن مظاهر قلَّة الحَيَاء:
- المجاهرة بالذُّنوب والمعاصي وعدم الخوف مِن الله.
- لبس النِّساء الكاسيات العاريات الملابس التي تصف الأجسام، أو الضَّيِّقة أو المفتوحة مِن الأعلى والأسفل.
- حديث المرأة مع الرَّجل الأجنبي عند خروجها واختلاطها به.
#### من موانع اكتساب الحَيَاء:
- الغناء:
روى البيهقي وابن أبي الدُّنْيا عن أبي عثمان اللَّيثيِّ قال: قال يزيد بن الوليد النَّاقص: (يا بني أميَّة إيَّاكم والغناء؛ فإنَّه ينقص الحَيَاء، ويزيد في الشَّهوة، ويهدم المروءة) [روح المعانى للألوسى].
- ارتكاب المعاصي:
بيَّن ابن القيِّم أنَّ الذُّنوب والمعاصي تُذْهِب الحَيَاء فقال: (ومِن عقوباتها ذهاب الحَيَاء الذي هو مادَّة الحياة للقلب، وهو أصل كلِّ خير وذهاب كلِّ خير بأجمعه، وفي الصَّحيح عنه أنَّه قال: (الحَيَاء خير كلُّه).
من الوسائل المعينة على اكتساب الحَيَاء:
الحَيَاء موجود في فطرة الإنسان، وعلينا أن نجعله رفيقًا لنا في كلِّ أقوالنا وأفعالنا، وهناك بعض الوسائل التي تنمِّي هذه الصِّفة وتقوِّيها في نفوسنا، ومِن هذه الوسائل:
1- اتِّباع أوامر الله سبحانه والخوف منه، ومراقبته في كلِّ حين، واستشعار معيته.
2- اتِّباع سنَّة النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم والاقتداء به في حياته القوليَّة والفعليَّة.
3- غضُّ البصر عمَّا حرَّم الله سبحانه وتعالى، وعدم تتبُّع عورات الآخرين.
4- الصَّبر عن المعصية يعين على ملازمة الحَيَاء.
#### نماذج مِن حَيَاء الأنبياء والمرسلين عليهم السلام:
حياء نبي الله موسى عليه السَّلام:
جاء في وصف موسى عليه السَّلام أنَّه كان حييًّا ستِّيرًا، حتى كان يستر بدنه، ويستحي أن يظهر ممَّا تحت الثِّياب شيئًا حتى ممَّا ليس بعورة. وبسبب تستُّره الزَّائد، آذاه بعض بني إسرائيل في أقوالهم، فقالوا: ما يبالغ في ستر نفسه إلَّا مِن عيب في جسمه، أو مِن أُدْرَة (نفخة فى الخصية) هو مصاب بها [الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميدانى].
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ موسى كان رجلًا حييًّا ستِّيرًا، لا يُرَى مِن جلده شيء استحياءً منه، فآذاه مَن آذاه مِن بني إسرائيل، فقالوا: ما يستتر هذا التَّستُّر إلَّا مِن عيب بجلده، إمَّا برص وإمَّا أُدْرَة وإمَّا آفة، وإنَّ الله أراد أن يبـرِّئه ممَّا قالوا لموسى فخلا يومًا وحده، فوضع ثيابه على الحجر ثمَّ اغتسل، فلمَّا فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإنَّ الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر ! حتى انتهى إلى ملإٍ مِن بني إسرائيل، فرأوه عريانًا أحسن ما خلق الله، وأبرأه ممَّا يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربًا بعصاه، فو الله إنَّ بالحجر لندبًا (3) مِن أثر ضربه ثلاثًا، أو أربعًا، أو خمسًا، فذلك قوله:، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا " [الأحزاب:69]) [رواه البخارى].
#### نماذج مِن حياء الأمم السَّابقة
حياء امرأة صالحة:
قال تعالى: " فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " [القصص: 25].
وهذه الآية تتحدَّث عن حياء الابنة، حين جاءت إلى موسى عليه السَّلام تدعوه إلى أبيها ليجزيه على صنيعه، فجاءت إليه تمشي على استحياء ([[الأخلاق الإسلامية ودورها فى بناء المجتمع،لجمال نصار].
وقال عمر رضي الله عنه: (فأقبلت إليه ليست بسَلْفَعٍ (سليطة جريئة) مِن النِّساء، لا خرَّاجة ولا ولَّاجة، واضعة ثوبها على وجهها) [رواه ابن أبى شيبة فى المصنف].
#### نماذج مِن حياء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:
كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أشدَّ النَّاس حياءً، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشدَّ حياءً مِن العذراء في خدرها) [رواه البخارى ومسلم] وكان إذا كره شيئًا عرفه الصَّحابة في وجهه.
قال تعالى: " لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا " [الأحزاب: 21].
حياؤه مِن الله:
ومِن مظاهر حيائه صلى الله عليه وسلم حياؤه مِن خالقه سبحانه وتعالى؛ وذلك لما طلب موسى عليه السَّلام مِن نبيِّنا صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء أن يراجع ربَّه في تخفيف فرض الصَّلاة، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لموسى عليه السَّلام: (استحييت مِن ربِّي) [رواه البخارى ومسلم].
حياؤه مِن النَّاس:
مِن ذلك ما جاء عن عائشة رضي الله عنها (أنَّ امرأة سألت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن غسلها مِن المحيض، فأمرها كيف تغتسل، ثمَّ قال: خذي فرصة مِن مسك فتطهَّري بها، قالت: كيف أتطهر بها؟ قالت: فستر وجهه بطرف ثوبه، وقال: سبحان الله ! تطهَّري بها، قالت عائشة: فاجتذبت المرأة فقلت: تتبَّعي بها أثر الدم) [رواه البخارى].
#### نماذج مِن حياء الصَّحابة رضي الله عنهم:
حياء أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه:
خطب الصِّدِّيق النَّاس يومًا، فقال: (يا معشر المسلمين، استحيوا مِن الله، فو الذي نفسي بيده إنِّي لأظلُّ حين أذهب الغائط في الفضاء متقنِّعًا بثوبي استحياءً مِن ربِّي عزَّ وجلَّ) [رواه أبو نعيم فى حلية الأولياء].
حياء عثمان بن عفَّان رضي الله عنه:
عُرِف عثمان رضي الله عنه بشدَّة الحَيَاء، حتى أنَّ الملائكة كانت تستحي منه، فعن عائشة رضي الله عنها، قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعًا في بيتي، كاشفًا عن فخذيه، أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، فتحدَّث، ثمَّ استأذن عمر، فأذن له، وهو كذلك، فتحدَّث، ثمَّ استأذن عثمان، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسوَّى ثيابه - قال محمد: ولا أقول ذلك في يوم واحد - فدخل فتحدَّث، فلمَّا خرج، قالت عائشة: دخل أبو بكر، فلم تهتش له ولم تباله، ثمَّ دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثمَّ دخل عثمان فجلست وسوَّيت ثيابك، فقال: ألا أستحي مِن رجل تستحي منه الملائكة) [رواه مسلم].
حياء علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: (كنت رجلًا مذَّاءً فكنت أستحي أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته، فأمرت المقداد فسأله، فقال: يغسل ذكَرَه ويتوضَّأ) [رواه البخارى ومسلم واللفظ له].
#### نماذج مِن حياء السَّلف:
- وقال الجرَّاح الحكمي: (تركت الذُّنوب حياءً أربعين سنة، ثمَّ أدركني الورع) [سير أعلام النبلاء].
- ورُوِي أنَّ عمرو بن عتبة بن فرقد كان يصلِّي ذات ليلة، فسمعوا صوت الأسد، فهرب مَن كان حوله، وهو قائم يصلِّي فلم ينصرف فقالوا له: أما خفت الأسد؟ فقال: إنِّي لأستحي مِن الله أن أخاف شيئًا سواه [حلية الأولياء].
- وكان الرَّبيع بن خُثَيم مِن شدَّة غضه لبصره وإطراقه يَظُنُّ بعض النَّاس أنَّه أعمى، وكان يختلف إلى منزل ابن مسعود عشرين سنة، فإذا رأته جاريته قالت لابن مسعود: صديقك الأعمى قد جاء، فكان يضحك ابن مسعود مِن قولها، وكان إذا دقَّ الباب تخرج الجارية إليه فتراه مطرقًا غاضًّا بصره ( [إحياء علوم الدين].
- ولما احتُضر الأسود بن يزيد بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع؟ ومَن أحقُّ منِّي بذلك؟ والله لو أُتيت بالمغفرة مِن الله لأهمَّني الحَيَاء منه ممَّا قد صنعت، وإنَّ الرَّجل ليكون بينه وبين الرَّجل الذَّنْب الصَّغير، فيعفو عنه، ولا يزال مستحييًا منه [حلية الأولياء].
مختارات