" لا تكون من المتقين حتى تكون عالما بما تتقي "
" لا تكون من المتقين حتى تكون عالما بما تتقي "
لا يستطيع أحد أن يتقي ربه مالم يكن عالماً بما يتقيه، فالتقوى – كما سبق – بيانه تكون بفعل الصالحات وترك المنكرات، فإذا كان المرء غير عالم بما يتقي، فقد يظن المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، وهذا يقع للمبتدعة كثيراً، فتراهم يبتدعون أعمالاً ما أنزل الله بها من سلطان، يظنون أنها تقربهم من الله تعالى، فالمبتدعون من النصارى لا يغتسلون، ولا يتطيبون، ولا يلبسون الطاهر من الثياب، وعظماؤهم وعبّادهم يعزفون عن الزواج، ويظنون أنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى، وبعض الزهاد والعباد من هذه الأمة اتخذوا النصارى أسوة. وقد يصير الحال ببعض الناس إلى جعل الأعياد يوم مناحة وحزن، وقد يصوم يوم العيد، وقد يجعل بعض الجهلة يوم موت أبيه يوم فرح، تقام فيه الولائم، وتوزع الحلوى، وكل ذلك من وساوس الشيطان، وقد يدعو الواحد من أهل الضلال إلى النظر والتأمل في النساء الجميلات نظراً يزعم أنه يتأمل فيه في خلق الله، وكلُّ هذا من قلة العلم بالشريعة.
قال ابن رجب في [جامع العلوم والحكم]: " وأصل التقوى: أن يعلم العبد ما يتَّقى ثم يتقي، قال عون بن عبد الله: تمام التقوى أن تبتغي علم ما لم يعلم منها إلى ما علم ومنها، وذكر معروف الكرخي عن بكر بن خنيس قال: كيف يكون متقياً من لا يدري ما يتقي؟ ثم قال معروف الكرخي: إذا كنت لا تحسن تتقي أكلت الربا، وإذا كنت لا تحسن تتقي لقيتك امرأة فلم تغض بصرك، وإذا كنت لا تحسن تتقي وضعت سيفك على عاتقك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمحمد بن مسلمة: «إذا رأيت أمتي قد اختلفت، فاعمد إلى سيفك فاضرب به أُحُداً» [مسند أحمد].
ظن بعض الناس أنه بالتقوى يحصل العلم بغير تعلم:
قد يظنُّ بعض الذين لا يعلمون أنهم إذا اتقوا الله علَّمهم الله من غير معاناة في طلب العلم، وقد يحتجون على ذلك بقوله تعالى: " وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ " [البقرة: 282].
وحسبك في ردَّ هذا الخطأ أن تعلم أن هذه الآية ختم الله بها آية الدين، فقد جاء في خاتمة تلك الآية قولة تعالى " وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ واللَّهُ بِكُلِّ شيءٍ عَلِيمٌ " [البقرة: 282].
أنسب شيء لهذه الخاتمة أن يتقي العبد ربَّه بفعل ما أمره الله تعالى بخصوص الدَّين، ومن ذلك كتابه الدَّين، وأن توكل كتابته إلى كاتب يكتب بالعدل، وأن يملل الذي عليه الحقُّ على الكاتب، ولا يبخس الذي عليه الحقُّ شيئاً من الدين، فإن كان الذي عليه الحقُّ سفيهاً أو ضعيفاً أو لا قدرة له على الإملاء، فليملل وليُّه بالعدل، وأمر الله باستشهاد شهيدين، فإن لم يوجد فرجل وامرأتان، فالالتزام بهذا الذي أمر الله تعالى به، يحتاج إلى تعلم حتى يتقيه، فإذا كان جاهلاً بتلك الأحكام لم يكن متقياً الله عز وجل بخصوص الدَّين، فمن تعلَّم الأحكام التي في الآية، والتزم بها كان متقياً لله عز وجل.
مختارات