" معالم على طريق التوفيق : الرابع والعشرون : أترك أثرا قبل الرحيل "
" معالم على طريق التوفيق: الرابع والعشرون: أترك أثرا قبل الرحيل "
ومن معالم التوفيق من ترك أثرًا طيبًا مباركًا بعد رحيله من هذه الحياة الدنيا، يذكر به ويُترحم عليه، ويكتب له الأجر والثواب بمنه وكرمه " يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ " [غافر: 39].
عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجله حتى بلغ ستين سنة» [رواه البخاري].
قال العلماء: معناه: لم يترك له عذرًا إذ أمهله هذه المدة.
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: «سبعٌ يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته، من علَّم علمًا، أو أجرى نهرًا، أو حفر بئرًا، أو غرس نخلًا، أو بنى مسجدًا، أو ورَّث مصحفًا، أو ترك ولدًا يستغفر له بعد موته» [صحيح الجامع].
والموفق من عمل ولو بواحدة من هذه السبعة، لا تمر عليه هذه الكنوز والأجور العظيمة مرور الكرام، بل يحاول ويجاهد تطبيقها في ميدان الحياة والعمل.
قال السعدي (رحمه الله): رحم الله من أعان على نشر الدين ولو بكلمة، فاحرص – أيها الموفق – أن يكون لك أثر في دنياك، ترى نفعه في الدنيا والآخرة، ورحم الله التابعي خالد بن معدان الذي كان يقول: إذا فتح لأحدكم باب خير، فليسرع إليه؛ فإنه لا يدري متى يُغلق عنه.
ورحم الله من قال: أسعد الناس بالحياة من حمل بين جنبيه قلبًا ينبض بالعطاء لأمته، ويحمل بكفيه غراس الخير، يسقيها بهمته، وصدق الله تعالى إذ يقول: " إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ " [الأنبياء: 90].
وتأمل – أيها الموفق – في قول الله تعالى: " إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ " [يس: 12].
يقول الشيخ عبد المحسن المطيري: نجد أن للأعمال أثرًا بعد الموت صاحبها حسنة كانت أو سيئة، وستكون ظاهرة له يوم القيامة، فاحرص أن يكون لك أثر في دنياك ترى نفعه يوم القيامة.
أيها الموفق: كم سمعت أو قرأت هذا الحديث العظيم، فما هو أثره في قلبك وعملك، حاول واجتهد وسارع، واترك أثرًا حميدًا قبل رحيلك.
عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له» [رواه مسلم].
أيها الباحث عن التوفيق:
ألا ترى إلى أثر وتأثير وبركة دعوة بعض العلماء والعظماء أمثال:
ابن تيمية، وابن القيم، وابن حنبل، وابن حجر، وغيرهم كثير، ولله الحمد، كيف كانت في زمانهم وبقيت صالحة نافعة مباركة بفضل الله إلى زماننا هذا، مئات السنين يتوارثها جيل بعد جيل، إنه التوفيق من رب العالمين !
ويذكر البسام (رحمه الله) في شرحه لبلوغ المرام قوله: ليعمل كل إنسان بالذي يُحسنه، ويستغل مواهبه التي منحه الله إيَّاها، فيما يصلح نفسه وينفع غيره، وكلٌّ ميسر لما خُلق له، وهذه حكمة اختلاف مواهب الخلق وميولهم واستعداداتهم. ا.هـ.
إخواني: لنتساءل مع أنفسنا بصراحة، طفل في المهد مازال صبيًا ينطق بأن يكون مباركًا أينما كان، فأين أهل الشهادات العليا من أثرهم في مجتمعاتهم، لنكن موفقين مباركين أينما كنا " وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا " [مريم: 31].
الموفق هو الذي إذا أُعطي منصبًا أو جاهًا أو مالًا استعمله في مرضاة ربه ونصرة دينه ونفع إخوانه.
وكن رجُلاً إن أتوا بعده يقولون مرَّ وهذا الأثر
عن أنس مرفوعًا: «افعلوا الخير دهركم، وتعرضوا لنفحات الله، فإن لله نفحاتٍ من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم وأن يؤمن روعاتكم» [السلسلة الصحيحة].
أيها الموفق:
لا يكون الأثر الحميد والذكر الجميل بالعلم أو المال فقط، وإنما يكون بالرحمة والإحسان إلى الخلق.
يقول أحدهم:
لقيت بمنى شابًّا غير عربي، يحمل شيخًا كبيرًا على ظهره، فأردت أن أشكره على بره، فقلت له: جُزيت خيرًا لبرك بأبيك، فقال: لكنه ليس أبي ولا من بلدي.
قلت: فمن إذن؟ قال: وجدته بعرفة ليس معه أحد، فحملته على ظهري إلى مزدلفة ومنها إلى منى.
قلت: لم فعلت ذلك؟ قال: سبحان الله " إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " [الحجرات: 10] فأين أنت من فقراء الحي الذي هم بجوارك، اسأل عنهم، تفقد أحوالهم وحوائجهم، اترك أثرًا حميدًا قبل رحيلك، فما أحوجنا إلى هذه الأخلاق التي يبقى أثرها في القلوب قبل السطور " إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ " [الأعراف: 56] تذكر أيها السائر على طريق التوفيق أنك تعيش في هذه الدنيا مرة واحدة، وقد ترحل عنها في أي وقت فاغتنم عمرك أيها الإنسان " يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ " [الانفطار: 6] وكما قيل: ما أحلى أن يجد الإنسان في صحيفته حسنات لم يتعب فيها وأن يملأ ميزانه بطاعات عملها غيره وأن يرتقي درجات بعد أن يواريه التراب.
" وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى " [طه: 76].
إضاءة على الطريق:
الحياة فرصة كبيرة وثمينة تحتاج إلى همة عالية وجد واجتهاد وتوفيق من الكريم المنان فاسألوا الله من فضله.
مختارات