" معالم على طريق التوفيق : العشرون : الإمامة والأذان "
" معالم على طريق التوفيق: العشرون: الإمامة والأذان "
ومن معالم التوفيق للطاعة من وفقهم الباري جل في علاه بإمامة للمصلين سنوات عديدة؛ من أداء للمسئولية، وقيام بواجب المسجد ودعوة وإرشاد وخطابة، وتوعية للناس امتدت عند بعضهم إلى قرابة الأربعين والخمسين عامًا، فهنيئا لهم بالأجر والثواب إن صلحت النيات بإذن الله تعالى.
قال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة على كثبان المسك لا يهولهم الفزع الأكبر يوم القيامة: رجل أمّ قوماً وهم له راضون» [صحيح: رواه الترمذي، انظر صلاح الأمة للعفاني].
وفي الحديث: «.... أن له من الأجر مثل أجر من صلَّى معه».
فالإمام الموفق هو الذي عندما يكبّر رافعًا يديه؛ الله أكبر، يستشعر هذه المعاني الجليلة، فكم له من الأجر والثواب العظيم.
وقل في هذا الشأن المبارك كذلك من يرفع صوت الحق خمس مرات في اليوم والليلة، ينادي بنداء التوحيد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، ترك نومه وراحته وأعماله وبادر إلى المسجد، فكان أول من يدخل إلى بيت الله محبًا لهذا النداء الرباني.
لذلك لا عجب أن يقول عنهم رسول الهدى صلى الله عليه وسلم كما في حديث معاوية رضى الله عنه: «المؤذنون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة». [رواه مسلم].
بل تأمل في هذه الأجور الكبيرة العظيمة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والمؤذن يغفر له مدَّ صوته، وأجره مثلُ أجر من صلَّى معه» [صحيح الجامع].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من أذَّن ثنتي عشرة سنةً وجبت له الجنة، وكُتب له بتأذينه في كل يوم ستون حسنة، وبإقامته ثلاثون حسنة» [صحيح الجامع].
ثم نجد بعد ذلك مع الأسف في هذا الزمن من يزهد من شبابنا في رفع الآذان وتولي أمره والحرص عليه، بل سمعنا من بعض المؤذنين من مات في المسجد وأثناء الأذان، فهنيئًا لهم حسن الختام: " وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " [الفرقان: 74].
يقول الإمام القرطبي (رحمه الله): الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة؛ لأنه بدأ بالأكبرية، وهي تتضمن وجود الله وكماله، ثم ثني بالتوحيد ونفي الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة؛ لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم دعا إلى الفلاح، وهو البقاء الدائم، وفيه الإشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدا [فتح الباري].
فأي شرفٍ بعد هذا؟ وأي عز ووسام بعد هذا؟ فليفرح الموفقون بما وفقهم الله له.
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤذنين» [أخرجه الترمذي، وابن خزيمة، وأحمد وابن حبان، انظر مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود].
فهنيئًا لكم دعوة سيد ولد آدم بالرشاد والمغفرة، جزاء ما بذلتم وصبرتم، وحرصتم على أداء المسئولية، وحفظ الأمانة، فكان لكم من الله حسن الثواب " لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِّنْ عِندِ اللّهِ وَمَا عِندَ اللّهِ خَيْرٌ لِّلأَبْرَارِ " [آل عمران: 198].
ألا، وإن من كرم الله جل وعلا وتوفيقه من وفق لرفع الأذان في المسجد الحرام أو المسجد النبوي أو المسجد الأقصى، وكذلك الإمامة والخطابة فيها؛ لما لها من الفضل والمكانة والرفعة في شريعتنا وفي قلوبنا.
هذه المساجد المطهرة التي بناها الأنبياء:
فالمسجد الحرام: بناه إبراهيم الخليل عليه السلام، والمسجد النبوي: بناه محمد صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى: بناه يعقوب عليه السلام.
واختم بهذه البشارة العظيمة:
قال صلى الله عليه وسلم: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي؛ فإنه من صلى علي صلاةً صلى الله عليه بها عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلّت عليه الشفاعة» [صحيح الجامع].
إضاءة على الطريق:
تذكر: ما منّ الله به عليك من إمامة أو أذان،
فاحمد الله وكن من الشاكرين،
واسأله الإخلاص والتوفيق، وأداء المسئولية.
مختارات