تابع " من أشراط السَّاعة الكبرى : نزول عيسى عليه السلام "
تابع " من أشراط السَّاعة الكبرى: نزول عيسى عليه السلام "
* الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام متواترة:
ذكرت فيما سبق بعض الأحادي الواردة في نزول عيسى عليه السلام ولم أذكر جميع الأحاديث الواردة في نزوله؛ خشية أن يطول البحث، وقد جاءت هذه الأحاديث في الصحاح والسنن والمسانيد وغيره من دواوين السنة، وهي تدلُّ دلالة صريحة على ثبوت نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، ولا حجة لمن ردها، أو قال: إنها أحاديث آحاد لا تقوم بها الحجة، أو: إن نزوله ليس عقيدة من عقائد المسلمين التي يجب عليهم أن يؤمنوا بها (انظر كتاب: الفتاوى للشيخ محمود شلتوت) لأنه إذا ثبت الحديث؛ وجب الإيمان به، وتصديق ما أخبر به الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لنا رد قوله؛ لكونه حديث آحاد؛ لأن هذه حجة واهية، سبق أن عقدت فصلا في أول هذا البحث بيَّنتُ فيه أن حديث الآحاد إذا صح؛ وجب تصديق ما فيه، وإذا قلنا: إن حديث الآحاد ليس بحجة؛ فإننا نرد كثيرًا من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون ما قاله عليه الصلاة والسلام عبثًا لا معنى له، كيف والعلماء قد نصوا على تواتر الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام؟!
وسأذكر هنا طائفة من أقوالهم:
قال ابن جرير الطبري – بعد ذكره الخلاف في معنى وفاة عيسى-: " وأولى هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال: " معنى ذلك: إني قابضك من الأرض، ورافعك إلى " لتواتر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ينزل عيسى بن مريم فيقتل الدَّجَّال " (تفسير الطبري).
ثم ساق بعض الأحاديث الواردة في نزوله.
وقال ابن كثير: " تواترت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إمامًا عادلًا وحكمًا مقسطًا " تفسير ابن كثير).
ثم ذكر أكثر من ثمانية عشر حديثًا في نزوله.
وقال صديق حسن: " الأحاديث في نزوله عليه السلام كثيرة، ذكر الشوكاني منها تسعة وعشرين حديثًا؛ ما بين صحيح، وحسن، وضعيف منجبر، منها ما هو مذكور في أحاديث الدَّجَّال... ومنها ما هو مذكور في أحاديث المنتظر، وتنضم إلى ذلك أيضًا الآثار الواردة عن الصحابة، فلها حكم الرفع، إذ لا مجال للاجتهاد في ذلك ".
ثم ساقها وقال: " جميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع " (الإذاعة).
وقال الغماري: " وقد ثبت القول بنزول عيسى عليه السلام من غير واحد من الصحابة والتابعين وأتباعهم والأئمة والعلماء من سائر المذاهب على ممر الزمان إلى وقتنا هذا " (عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسى عليه السلام).
وقال: " تواتر هذا تواترًا لا شك فيه، بحيث لا يصح أن ينكره إلا الجهلة الأغبياء؛ كالقاديانية ومن نحا نحوهم؛ لأنه نقل بطريق جمع عن جمع، حتى استقر في كتب السنة التي وصلت إلينا تواترًا بتلقي جيل عن جيل " (عقيدة أهل الإسلام في نزول عيسىعليه السلام).
وقد ذكر من رواه من الصحابة، فعد أكثر من خمسة وعشرين صحابيًا، رواه عنهم أكثر من ثلاثين تابعيًا، ثم رواه تابعو التابعين بأكثر من هذا العدد... وهكذا حتى أخرجه الأئمة في كتب السنة، ومنها المسانيد؛ كـ " مسند " الطيالسي، وإسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة، وأبي يعلى، والبزار، والديلمي، ومن أصحاب الصحاح: البخاري، ومسلم، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وأبو عوانة، والإسماعيلين والضياء المقدسي، وغيرهم، ورواه أصحاب الجوامع، والمصنفات، والسنن، والتفسير بالمأثور، والمعاجم، والأجزاء، والغرائب، والمعجزات، والطبقات، والملاحم.
وممن جمع الأحاديث في نزول عيسى عليه السلام الشيخ محمد أنور شاه الكشميري في كتابه " التصريح بما تواتر في نزول المسيح " فذكر أكثر من سبعين حديثًا وقال صاحب " عون المعبود شرح سنن أبي داود ": " تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم من السماء بجسده العنصري إلى الأرض عند قرب السَّاعة، وهذا هو مذهب أهل السنة " (عون المعبود).
وقال الشيخ أحمد شاكر: " نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان مما لم يختلف فيه المسلمون؛ لورود الأخبار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وهذا معلوم من الدين بالضرورة، لا يؤمن من أنكره " (من حاشية " تفسير الطبري).
وقال في تعليقه على " مسند الإمام أحمد ": " وقد لعب المجددون أو المجردون في عصرنا الذي نحيا فيه بهذه الأحاديث الدالَّة صراحة على نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان، قبل انقضاء الحياة الدُّنيا، بالتأويل المنطوي على الإنكار تارة، وبالإنكار الصريح أخرى! ذلك أنهم – في حقيقة أمرهم – لا يؤمنون بالغيب، أو لا يكادون يؤمنون، وهي أحاديث متواترة المعنى في مجموعها، يعلم مضمون ما فيها من الدين بالضرورة، فلا يجديهم الإنكار ولا التأويل " (حاشية مسند الإمام أحمد).
وقال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني: " اعلم أن أحاديث الدَّجَّال ونزول عيسى عليه السلام متواترة، يجب الإيمان بها، ولا تعتر بمن يدعي فيها أنها أحاديث آحاد؛ فإنهم جهال بهذا العلم، وليس فيهم من تتبع طرقها، ولو فعل؛ لوجدها متواترة؛ كما شهد بذلك أئمة هذا العلم؛ كالحافظ ابن حجر.
ومن المؤسف حقًا أن يتجرأ البعض على الكلام فيما ليس من اختصاصهم، لا سيما والأمر دين وعقيدة " (حاشية شرح العقيدة الطحاوية).
ونزول عيسى عليه السلام ذكره طائفة من العلماء في عقيدة أهل السنة والجماعة، وأنه ينزل لقتل الدَّجَّال قبحه الله.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: " أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة ".
ثم ذكر جملة من عقيدة أهل السنة، ثم قال: " والإيمان أن المسيح الدَّجَّال خارج مكتوب بين عينيه (كافر) والأحاديث التي جاءت فيه، والإيمان بأن ذلك كائن، وأن عيسى ينزل فيقتله بباب لد " (طبقات الحنابلة).
وقال أبو الحسن الأشعري رحمه الله في سرده لعقيدة أهل الحديث والسنة: " الإقرار بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وما جاء من عند الله، وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئًا... ويصدقون بخروج الدَّجَّال، وأن عيسى يقتله ".
ثم قال في آخر كلامه:
" وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول، وإليه نذهب " (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين).
وقال الطحاوي: " ونؤمن بأشراط السَّاعة؛ من خروج الدَّجَّال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء " (شرح العقيدة الطحاوية).
وقال القاضي عياض: " نزول عيسى وقتله الدَّجَّال حق وصحيح عند أهل السنة للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العق ولا في الشرع ما يبطله فوجب إثباته " (شرح صحيح مسلم).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " والمسيح صلى الله عليه وسلم وعلى سائر ا لنبيين لا بد أن ينزل إلى الأرض....كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، ولهذا كان في السماء الثانية، مع أنه أفضل من يوسف وإدريس وهارون؛ لأنه يريد النزول إلى الأرض قبل يوم القيامة؛ بخلاف غيره، وآدم كان في سماء الدُّنيا؛ لأن نسم بنيه تعرض عليه " (مجموع الفتاوى).
* الحكمة في نزول عيسى عليه السلام دون غيره:
تلمس بعض العلماء الحكمة في نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان دون غيره من الأنبياء، ولهم في ذلك عدة أقوال:
1- الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوا عيسى عليه السلام فبين الله تعالى كذبهم، وأنه الذي يقتلهم ويقتل رئيسهم الدَّجَّال، كما سبق بيان ذلك في الكلام على قتال اليهود.
ورجح الحافظ ابن حجر هذا القول على غيره (فتح الباري).
2- إن عيسى عليه السلام وجد في الإنجيل فضل أمة محمد كما في قوله تعالى: " وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ " [الفتح: 29]، فدعا الله أن يجعله منهم، فاستجاب الله دعاءه، وأبقاه حتى ينزل آخر الزمان مجددًا لأمر الإسلام.
قال الإمام مالك رحمه الله: " بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا " (تفسير ابن كثير).
وقال ابن كثير: " وصدقوا في ذلك؛ فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة والأخبار المتداولة " (تفسير ابن كثير).
وقد ترجم الإمام الذهبي لعيسى عليه السلام في كتابه " تجريد أسماء الصحابة " فقال: " عيسى ابن مريم عليه السلام: صحابي، ونبي؛ فإنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، وسلم عليه، فهو آخر الصحابة موتًا " (تجريد أسماء الصحابة).
3- إن نزول عيسى عليه السلام من السماء؛ لدنو أجله، ليدفن في الأرض، إذ ليس لمخلوق من التراب أن يموت في غيرها، فيوافق نزوله خروج الدَّجَّال، فيقتله عيسى عليه السلام.
4- إنه ينزل مكذبًا للنصارى، فيظهر زيفهم في دعواهم ا لأباطيل، ويهلك الله الملل كلها في زمنه إلا الإسلام؛ فإنه يكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية.
5- إن خصوصيته بهذه الأمور المذكورة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، ليس بيني وبينه نبي " (صحيح البخاري وصحيح مسلم).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم أخص الناس به، وأقربهم إليه؛ فإن عيسى بشر بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي من بعده، ودعا الخلق إلى تصديقه والإيمان به (انظر: المنهاج في شعب الإيمان) كما في قوله تعالى: " وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ " [الصف: 6] وفي الحديث: قالوا: يا رسول الله ! أخبرنا عن نفسك؟ قال: " نعم؛ أنا دعوة أبي أبراهيم وبشرى أخي عيسى " (رواه ابن إسحاق في " لسيرة ". انظر: " تهذيب سيرة ابن هشام،لعبد السلام هارون، طبعة المجمع العلمي العربي الإسلامي، منشورات محمد الداية، بيروت. قال ابن كثير في إسناده: " هذا إسناد جيد "، وروى له شواهد من وجوه أخر، رواها الإمام أحمد في المسند،تفسير ابن كثير ومسند الإمام أحمد بهامشه منتخب الكنز).
* بماذا يحكم عيسى عليه السلام ؟
يحكم عيسى عليه السلام بالشريعة المحمدية، ويكون من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينزل بشرع جديد؛ لأن دين الإسلام خاتم الأديان، وباقٍ إلى قيام السَّاعة، لا ينسخ، فيكون عيسى عليه السلام حاكمًا من حكام هذه الأمة، ومجددًا لأمر الإسلام، إذ لا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم.
روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم منكم؟! " فقلت (القائل الوليد بن مسلم) لابن أبي ذئب: إن الأوزاعي حدثنا عن الزهري عن نافع عن أبي هريرة: " وإمامكم منكم " قال ابن أبي ذئب: تدري ما أمكم منكم؟ قلت: تخبرني؟ قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم (صحيح مسلم).
وعن جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق، ظاهرين إلى يوم القيامة " قال: " فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل بنا، فيقول: لا؛ إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله هذه الأمة " (صحيح مسلم).
قال القرطبي: " ذهب قوم إلى أنه بنزول عيسى عليه السلام يرتفع التكليف؛ لئلا يكون رسولاَ إلى أهل ذلك الزمان؛ يأمرهم عن الله تعالى، وهذا (يعني: كونه رسولًا بعد محمد) أمر مردود بقوله تعالى: " وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ " [الأحزاب: 40]، وقوله عليه الصلاة والسلام: " لا نبي بعدي " (صحيح مسلم) وقوله: " وأنا العاقب " (صحيح البخاري) يريد آخر الأنبياء وخاتهم.
وإذا كان ذلك؛ فلا يجوز أن يتوهم أن عيسى ينزل نبيًا بشريعة متجددة غير شريعة محمد نبينا صلى الله عليه وسلم بل إذا نزل؛ فإنه يكون يومئذٍ من أتباع محمدصلى الله عليه وسلم كما أخبر صلى الله عليه وسلم حيث قال لعمر: " لو كان موسى حيًا؛ ما وسعه إلا اتباعي " (مسند الإمام أحمد بهامشه منتخب الكنز) فينزل وقد علم بأمر الله تعالى له في السماء قبل أن ينزل ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم به بين الناس، والعمل به في نفسه، فيجتمع المؤمنون عند ذلك إليه، ويحكمونه على أنفسهم... ولأن تعطيل الحكم غير جائز، وأيضًا؛ فإن بقاء الدُّنيا إنما يكون بقتضى التكليف إلى أن لا يقال في الأرض: الله، الله " (التذكرة).
والذي يدلُّ على بقاء التكليف بعد نزول عيسى عليه السلام صلاته مع المسلمين، وحجه، وجهاده للكفار.
فأما صلاته؛ فقد سبق في الأحاديث ذكر ذلك.
وكذلك قتاله للكفار وأتباع الدَّجَّال.
وأما حجه؛ ففي " صحيح مسلم " عن حنظلة الأسلمي قال: سمعت أبي هريرة رضى الله عنه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده؛ ليهلن ابن مرمي بفج الروحاء حاجًا أو معتمرًا، أو ليثنينهما " (صحيح مسلم ) أي: يجمع بين الحج والعمرة.
وأما وضع عيسى للجزية عن الكفار – مع أنها مشروعة في الإسلام قبل نزوله عليه السلام - فليس هذا ناسخًا لحكم الجزية جاء به عيسى شرعًا جديدًا؛ فإن مشروعية أخذ الجزية مقيد بنزول عيسى عليه السلام بأخبار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهو المبين للنسخ (انظر: فتح الباري) بقوله لنا: " والله لينزلن ابن مريم حكمًا عدلًا، فليسكرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية " (صحيح مسلم).
* انتشار الأمن وظهور البركات في عهده عليه السلام:
وزمن عيسى عليه السلام زمن أمن وسلام ورخاء، يرسل الله فيه المطر العزيز، وتخرج الأرض ثمرتها وبركتها، ويفيض المال، وتذهب الشحناء والتباغض والتحاسد.
فقد جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر الدَّجَّال ونزول عيسى وخروج يأجوج ومأجوج في زمن عيسى عليه السلام ودعائه عليهم وهلاكهم، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: " ثم يرسل الله مطرًا لا يكن منه بيت مدر ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلفة (روي بفتح الزاي واللام والقاف وروي بالفاء، وكلها صحيحة، ومعناه كالمرآة شبه الأرض بها لصفائها ونظافتها) ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك، وردي بركتك، فيومئذ تأكل العصابة من الرمانة، ويستظلون بقحفها، ويبارك في الرسل (بكسر الراء وإسكان السين هو اللبن) حتى إن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس " (صحيح مسلم).
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والأنبياء إخوة لعلات(الذين أمهاتهم مختلفة وأبوهم واحد؛ أي: أن إيمان الأنبياء واحد وشرائعهم مختلفة) أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى بن مريم؛ لأنه لم يكن بيني وبينه نبي، وإنه نازل... فيهلك الله في زمانه المسيح الدَّجَّال، وتقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم " ( مسند أحمد " (بهامشه منتخب الكنز) قال ابن حجر: " سنده صحيح ". " فتح الباري).
وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والله لينزلن عيسى بن مريم حكمًا وعادلًا.. وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص(بكسر القاف، جمع قلوص بفتح القاف، وهي الناقة الشابة) فلا يسعى عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال؛ فلا يقبله أحد " (صحيح مسلم).
قال النووي: " ومعناه أن يزهد الناس فيها- أي: الإبل – ولا يرغب في اقتنائها؛ لكثرة الأموال، وقلة الآمال، وعدم الحاجة، والعلم بقرب القيامة.
وإنما ذكرت القلاص؛ لكونها أشرف الإبل، التي هي أنفس الأموال عند العرب، وهو شبيه بمعنى قول الله عز وجل: " وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) " [التكوير: 4] ومعنى: " لا يسعى عليها ": لا يعتنى بها " (شرح النووي لمسلم).
وذهب القاضي عياض إلى أن المعنى: أي: لا تطلب زكاتها إذ لا يوجد من يقبلها.
وأنكر هذا القول النووي (انظر: شرح النووي لمسلم).
* مدة بقائه بعد نزوله ثم وفاته:
وأما مدة بقاء عيسى في الأرض بعد نزوله؛ فقد جاء في بعض الروايات أنه يمكث سبع سنين، وفي بعضها أربعين سنة.
ففي رواية الإمام مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: " فيبعث الله عيسى بن مريم... ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذر ة من خير أو إيمان إلا قبضته " (صحيح مسلم).
وفي رواية الإمام أحمد وأبي داود: " فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون " (مسند الإمام أحمد بهامشه منتخب الكنز) قال ابن حجر: " صحيح " و " سنن أبي داود "،كتاب الملاحم، باب خروج الدجال، مع عون المعبود).
وكلا هاتين الروايتين صحيحة، وهذا مشكل؛ إلا أن تحمل رواية السبع سنين على مدَّة إقامته بعد نزوله، ويكون ذلك مضافًا إلى مُكثِه في الأرض قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثًا وثلاثين سنة على المشهور (انظر: " النهاية) والله أعلم.
مختارات