" الحسد "
" الحسـد "
الحسد مرض من أمراض النفس، وهو مرض غالب يقع بين النظراء، لكراهة أحدهما، أو لفضل الآخر عليه، وهو من أعظم مداخل الشيطان، وهو خصلة ذميمة من خصال اليهود، قال جل وعلا: " أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا " [النساء: 54] وهو نار محرقة من بُلي به فهو في عذاب الله، يقول الشاعر:
لله در الحسد ما أعدله يبدأ بصاحبه فيقتله
وقد قيل: أول ذنب عصي الله به ثلاثة: الحرص والكبر والحسد، فالحرص من آدم، والكبر من إبليس، والحسد من قابيل حيث قتل هابيل.
والحسد نوع من معاداة الله، فالحاسد يكره نعمة الله على عبده، وقد أحبها الله وأحب زوالها عنه، والله يكره ذلك فهو مضاد لله في قضائه وقدره ومحبته وكراهيته، وهو منافي للأخوة في الدين قال عليه الصلاة والسلام: «لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً» (رواه مسلم).
والحاسد كاره فضل الله على عباده، مبغوض في الخلق، محب للذات، كاره لنفع الآخرين.
قال معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه: " كل الناس أستطيع أن أرضيه، إلا حاسد نعمة فإنه لا يرضيه إلا زوالها ".
قال ابن القيم (بدائع الفوائد): " الحاسد عدو نعمه ـ أي نعم الله ـ وعدو عباده، وممقوت عند الله وعند الناس، ولا يسود أبداً، ولا يواسى، فإن الناس لا يسودون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم ".
والفاضل لا يكون حسوداً، ولا يحسد إلا المفضول، والله عز وجل قد ينعم على المحسود بالنعمة التي حسد عليها أو يزيد.
قال شيخ الإسلام(الفتاوى): " بغضه لنعمة الله على عبده مرض، فإن تلك النعمة قد تعود على المحسود وأعظم منها، وقد يحصل نظير تلك النعمة لنظير ذلك المحسود ".
ومن وجد في قلبه حسداً لغيره فليجاهد نفسه باستعمال التقوى والصبر. قال رجاء بن حيوة: " ما أكثر عبد ذكر الموت إلا ترك الحسد والفرح " فعليك بالسعي في إزالة الحسد من قلبك، والإحسان إلى المحسود بإكرامه، والدعاء له، ونشر فضائله، واعل بنفسك إلى إزالة ما وجدت عليه في نفسك من الحسد حتى تصل إلى مرتبة تتمنى فيها أن يكون أخوك المسلم خيراً منك وأفضل. قال ابن رجب (جامع العلوم والحكم): " وهذا من أعلى درجات الإيمان، وصاحبه هو المؤمن الكامل الذي يحب لأخيه ما يحب لنفسه " والمحسود مظلوم مأمور بالصبر والتقوى فليصبر على أذى الحاسد وليعف وليصفح عنه فالرفعة له.
قال ابن القيم (بدائع الفوائد): " من أصعب الأسباب على النفس وأشقها عليها، ولا يوفق لها إلا من عظم حظه من الله، وهو إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشراً وبغياً وحسداً، ازددت إليه إحساناً وله نصيحة وعليه شفقة ".
مختارات