" الصبر على المصائب "
" الصبر على المصائب "
المرء في حياته معرض للفتن والرزايا، والمحن والبلايا، ولا ينصع نور الإيمان ويرسخ اليقين إلا بالتمحيص والمماحلة.
والحياة مبنية على المشاق وركوب الأخطار، ولا يطمع أحد أن يخلص من المحنة والألم، ولكن ما بين مقل ومستكثر، قال ابن الجوزي (صيد الخاطر): " من يريد أن تدوم له السلامة، والنصر على من يعاديه، والعافية من غير بلاء، فما عرف التكليف ولا فهم التسليم " ولابد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أم كفرت، والقواطع ممن يتبين بها الصادق من الكاذب قال سبحانه: " أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ " [العنكبوت: 2].
وما الابتلاء إلا عكس المقاصد وخلاف الأماني، والدنيا لا تصفو لأحد ولو نال منها ما عساه أن ينال، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يصب منه» (رواه البخاري).
والمرء يتقلب في زمانه في تحول من النعم واستقبال للمحن.
قال ابن القيم (الفوائد): " من خلقه الله للجنة لم تزل تأته المكاره، والمؤمن الحازم يثبت للعظائم، ولا يتغير فؤاده، ولا ينطق بالشكوى لسانه، وكتمان المصائب والأوجاع من شيم النبلاء، وما هلك الهالكون إلا من نفاد الجلد، فخفف المصاب عن نفسك بوعد الأجر وتسهيل الأمر لتذهب المحن بلا شكوى، وتذكر دوماً أنك ما منعت إلا لتعطى، ولا ابتلاك إلا لتعافى، ولا امتحنك إلا لتصفى ".
* كيف تهون عليَّ المصيبة؟
يقول ابن الجوزي (صيد الخاطر): " ليس في التكليف أصعب من الصبر في القضاء، ولا فيه أفضل من الرضا به " ومن تأمل بحر الدنيا، وعلم كيف تتلقى الأمواج، وكيف يصبر على مدافعة الأيام، لم يتهول نزول بلاء، ولم يفرح بعاجل رخاء، فلا تتألم على فوات حظوظ الحياة، وأنزل ما أصابك من ذلك، ثم انقطع منزلة ما لم يصب، وأنزل ما طلبت من ذلك، ثم لم تدركه منزلة ما لم يطلب.
يقول ابن القيم (مدارج السالكين): " قال لي شيخ الإسلام مرة: العوارض والمحن هي كالحر والبرد، فإذا علم العبد أنه لابد منهما لم يغضب لورودها، ولم يغتم لذلك ولم يحزن ".
فطوارق الحياة هموم، والناس فيها معذبون على قدر هممهم بها، الفرح بها و عين المحزون عليه، آلامها متولدة من لذاتها، وأحزانها من أفراحها، يقول أبو الدرداء: " من هوان الدنيا على الله أنه لا يعصى إلا فيها، ولا ينال ما عنده إلا بتركها ".
فأيقن بقدر الله وخلقه وتدبيره، واصبر على بلائه وحكمه، واستسلم لأمره فالدنيا طافحة بالأنكاد والأكدار، مطبوعة على المشاق والأهوال.
كل ما يتمنى يدرك، وبالإلحاح في الدعاء والتوجه إلى الله بالكلية، تفتح الأبواب ويتحقق المرغوب، وأجمع اليأس مما في أيدي الناس تكن أغناهم ولا تقنط فتخذل، وتذكر كثرة نعم الله عليك، وادفع الحزن بالرضا بمحتوم القضاء، فطول الليل وإن تناهى فالصبح له انفلاج، وآخر الهم أول الفرج، واضرع إلى الله يزهو نحوك الفرج، وما تجرع كأس الصبر معتصم بالله إلا أتاه المخرج.
* الأنبياء والابتلاء:
بالابتلاء يُرفع شأن الأخيار، ويعظم أجر الأبرار، يقول سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: «الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة، زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، وما يزال البلاء في المؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة» (رواه البخاري).
وطريق الابتلاء مَعْبر شاق، تعب فيه آدم، ورمي فيه في النار الخليل، وأُضجع للذبح إسماعيل، وأُلقي في بطن الحوت يونس، وقاسى الضر أيوب، وبيع بثمن بخس يوسف، وألقي في الجب إفكاً وفي السجن ظلماً، وعالج أنواع الأذى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأنت على سنة الابتلاء سائر، والمؤمن يبتلى ليهذب لا ليعذب، والمصيبة حقاً إنما هي المصيبة في الدين، وما سواها من المصائب فهي عافية، فيها رفع الدرجات وحط السيئات، فلا تأس على ما فاتك من الدنيا، فنوازلها أحداث، وأحاديثها غموم، وطوارقها هموم، فالأنبياء لما ابتلوا صبروا، فاصبر أيها المبتلى كما صبر صفوة البشر عليهم الصلاة والسلام لعل الله أن يحشرك معهم في الآخر.
مختارات