" الصلاة ملجأ المؤمنين وأمان الخائفين "
" الصلاة ملجأ المؤمنين وأمان الخائفين "
إن الصلاة هي حصن المسلم وملجؤه الذي يأوي إليه، والعروة الوثقى التي يعتصم بها، والحبل الممدود بينه وبين ربه الذي يتعلق به، وهي غذاء الروح، وبلسم الجروح، ودواء النفوس، وإغاثة الملهوف، وأمان الخائف، وقوة الضعي، وسلاح الأعزال (الأركان الأربعة للندوي).
لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.
فعن حذيفة بن اليمان رضى الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم «إذا حزبه أمر صلى» (قال الشيخ الألباني: حديث حسن، ينظر: صحيح سنن أبي داود).
(حزبه) بالباء، أي: نزل به أمر مهم، أو أصابه هم أو غم، وروي بالنون من الحزن، أي: نزل به أمر أوقعه في الحزن، (صلى)، أي: بادر إلى الصلاة تسهيلا للأمر الذي نزل به، وامتثالا لقول الله تعالى: " اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ " (البقرة من الاية:45) أي: بالصبر على أنواع البلايا، وبالالتجاء إلى الصلاة، فإن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر (شرح سنن أبي داود للعيني، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، وعون المعبود).
قال الله سبحانه وتعالى: " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْرَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " (الحجر، الآيات:99،98،97).
يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: " وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون " أي: بما تسمعه من تكذبيهم إياك ورد قولك، وما تناله، ويناله أصحابك من أعدائك؛ لأن الجبلة البشرية تقتضي ضيق الصدر عند سماع الأذية، ثم بين سبحانه وتعالى العلاج الناجع لذلك الضيق، فقال: " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ " أي: فافزع فيما نابك من أمر تكرهه منهم إلى شكر الله والثناء عليه والصلاة، يكفك الله من ذلك ما أهمك، وقوله: " وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ " أي: من المصلين، فذكر من الصلاة حالة القرب من الله تعالى وهي السجود، وهي أكرم حالات الصلاة، وأقمنها بنيل الرحمة (تفسير الطبري، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، ومفاتيح الغيب، والجامع لأحكمام القرآن).
وكما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفزع من الشدائد والهموم إلى الصلاة كان السلف الصالح من الصحابة، ومن تبعهم بإحسان يسلكون هذا المنهج، ويسيرون عليه، كلما حزبهم أمر أو نزلت بهم مصيبة بادروا إلى الصلاة، من ذلك الأمثلة التالية:
1- روي أن عبد الله بن عباس رضى الله عنه نعي إليه أخوه قثم وهو في سفر، فاسترجع ثم تنحى عن الطريق، فأناخ فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: " اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ " (تفسير الطبري، والمحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز).
2- عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار، يكنى أبا معلق، وكان يتجر بمال له ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع بالسلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلا دمي؟ شأنك بالمال، أي: خذ مالي ودعني، قال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أما إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات، قال: صل ما بدا لك، فتوضأ ثم صلى أربع ركعات وكان من دعائه في آخر سجدة أنه قال: يا ودود يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما تريد، أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص، يا مغيث أغثني، قال: دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، لما أبصر به اللص أقبل نحوع فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، قال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله تعالى بك اليوم؟ قال: أنا ملك من أهل السماء الرابعة، دعوت الله بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجيجا، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل: دعاء مكربو، فسألت الله عز وجل أن يوليني قاله، قال أنس: فاعلم أنه من توضأ وصلى أربعة ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبًا كان ام غير مكروب (مجايو الدعوة لابن أبي الدنيا، وكرامات الأولياء للالكائي، والرسالة القشيرية، والترغيب في الدعاء لعبد الغني المقدسي، والعدة للكرب والشدة: لضياء الدين المقدسي).
3- قال أحمد بن مروان الدينوري: كان الفقيه العابد شيخ المالكية في زمانه أحمد بن المعذل رحمه الله تعالى إذا حزبه أمر قام في الليل يصلي ويأمر أهله بالصلاة، ويتلو هذه الآية: " وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ " (: طه:132).
أشكــــو إليــك حوادثًــــا أنزلتهـــا فتركننـــــــي متواصــل الأحــــزان
من لي سواك يكون عند شدائدي إن أنت لم تكـــــــلأ فمــن يكلانــي
لــــولا رجــــاؤك والذي عودتني من حسن صنعك لاستطير جناني (المجالسة وجواهر العلم. والبلدانيات لشمس الدين السخاوي).
مختارات