" دعوة السنة النبوية إلى الاستغفار "
" دعوة السنة النبوية إلى الاستغفار "
في السنة النبوية أحاديث متعددة وردت في شأن الاستغفار وهذا مما يدل على أهميته، فقد كان نبي الهدى صلى الله عليه وسلم يهتم اهتماماً بالغًا بطلب المغفرة من ربه جلَّ وعلا بالرغم من أنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وفي ذلك تنبيه للأمة وتعليمها؛ إذ كان عليه الصلاة والسلام لا يدع خيرًا إلا ودل أمته عليه ولا شرًا إلا حذرها منه، فمن تلك الأحاديث:
1/ عن الأغر المزني رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّهُ لَيُغَانُ على قلبي، وإني لأستغفر الله، في اليوم، مائة مرة» (أخرجه مسلم).
قال العلامة محمد أشرف بن أمير العظيم آبادي رحمه الله: ( " ليغان " بضم الياء بصيغه المجهول من الغين، وأصله الغيم لغة، قال في النهاية: وغينت السماء تغان إذا أطبق عليها الغيم، وقيل الغين شجر ملتف، أراد ما يغشاه من السهو الذي لا يخلو منه البشر لأن قلبه أبداً كان مشغولاً بالله تعالى، فإن عرض له وقتاً ما عارض بشرى يشغله من أمور الأمة والملة ومصالحهما عدَّ ذلك ذنبًا وتقصيرًا فيفرغ إلى الاستغفار) (عون المعبود على سنن أبي داود، شرف الحق العظيم آبادي).
2/ وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرَّة» (أخرجه البخاري).
3/ وعن عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلَّس الواحد مائه مرة: «رَبِّ اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم» (أخرجه أبو داود،والترمذي وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود).
4/ وعن عبد الله بن عباس رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب » (أخرجه أبو داود، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزيادته رقم 12601، وسلسلة الأحاديث الضعيفة).
قال في عون المعبود: ( " من لزم الاستغفار ": أي عند صدور معصية وظهور بلية، أو من داوم عليه فإنه في كل نفس يحتاج إليه، ولذا قال صلى الله عليه وسلم طوبي لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا " ومن كل ضيق ": أي شدة ومحنه (مخرجاً): أي طريقا وسببًا يخرج إلى سعه ومنحة، " ومن كل هم ": أي غم يهمه (فرجاً): أي خلاصًا (ورزقه) حلالاً طيبًا، " من حيث لا يحتسب ": أي لا يظن ولا يرجو ولا يخطر بباله، والحديث مقتبس من قوله تعالى: " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " [الطلاق 2-3] (عون المعبود على سنن أبي داود،محمد أشرف الحق العظيم آبادي).
5/ عن بلال بن يسار بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: سمعت أبي يحدثنيه عن جدي أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال أستغفر الله الذي لا اله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفر الله له وإن كان فر من الزحف» (أخرجه أبو داود،وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود).
6/ وعن شداد بن أوس رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك (وأنا) على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بالنعمة، وأبوء لك بذنبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فإن قالها بعدما يصبح موقنا بها ثم مات، كان من أهل الجنة، وإن قالها بعد ما يمسي موقنا بها، كان من أهل الجنة» (أخرجه البخاري).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: (قوله: " سيد الاستغفار " قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعاً لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد، وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج، ويرجع إليه في الأمور) (فتح الباري).
وقال أيضاً رحمه الله: (قال ابن أبي جمرة: جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أنه يسمى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله وحده بالإلهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه، والرجاء بما وعده به، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى موجدها، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو، وفي كل ذلك الإشارة إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة، فإن تكاليف الشريعة لا تحصل إلا إذا كان في ذلك عون من الله تعالى) (فتح الباري).
وقال ابن رجب رحمه الله: (وأفضل أنواع الاستغفار: أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة كما في حديث شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم (جامع العلوم والحكم) فذكر حديث سيد الاستغفار هذا.
7/ وعن ثوبان رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته، استغفر ثلاثاً وقال: «اللهم أنت السلام ومنك السلام، تباركت ذا الجلَّال والإكرام» قيل للأوزعي وهو أحد رواته: كيف الاستغفار؟ قال: يقول: أستغفر الله، أستغفر الله (أخرجه مسلم).
8/ وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل موته: «سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه» (أخرجه مسلم).
9/ وعن أنس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان فيك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة» (أخرجه الترمذي،وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي).
10/ وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا معشر النساء تصدقن وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار» فقالت امرأة منهن، جزلة: وما لنا يا رسول الله أكثر أهل النار، قال: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير، وما رأيت من ناقصات عقل ودين أغلب لذي لب منكن» قالت: يا رسول الله وما نقصان العقل والدين؟ قال: «أما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجلَّ، فهذا نقصان العقل، وتمكث الليالي ما تصلي» (أخرجه مسلم).
11/ عن حذيفة رضى الله عنه قال: كان في لساني ذرب على أهلي لم أعده إلى غيره، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أين أنت من الاستغفار يا حذيفة؟ إني لأستغفر الله كل يوم مئة مرة» (أخرجه أحمد في مسنده،والحديث صحيح لغيره،انظر: الموسوعة الحديثية،وسلسلة الأحاديث الصحيحة،الألباني).
12/ وعن أبي موسى رضى الله عنه قال: كنا جلَّوساً فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما أصبحت غداة قط إلا استغفرت الله مائة مرة» (أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف،والنسائي في السنن الكبرى، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة).
13/ وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: لم أر أحداً أكثر أن يقول: أستغفر الله وأتوب إليه من رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخرجه ابن حبان في صحيحه،والنسائي في السنن الكبرى).
14/ وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «اجعلني من الذين إذا أحسنوا استبشروا، وإذا أساءوا استغفروا» (أخرجه أحمد في مسنده،وابن ماجه،وضعفه الألباني في المشكاة، قال في الموسوعة الحديثية:إسناده ضعيف لضعف على بن زيد،وهو ابن جدعان،وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن رجال مسلم،روى له البخاري تعليقا).
مختارات