" دعوة القرآن الكريم إلى الاستغفار "
" دعوة القرآن الكريم إلى الاستغفار "
وردت آيات كثيرة في القرآن الكريم في الحث على الاستغفار وفي ذلك دلالة واضحة على أهمية طلب العبد المغفرة من ربه ليستر عيوبه ويعفو عن سيئاته ويجنبه عقوبته، فمن تلك الآيات الواردة في هذا الصدد:
1/ آيات ورد فيها التوجيه للنبي صلى الله عليه وسلم بطلب المغفرة من ربه جلَّ وعلا لنفسه أو للمؤمنين، من ذلك قوله تعالى: " فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ " [غافر:55].
قال الإمام الطبري رحمه الله: ( " واستغفر لذنبك ": أي: سَلْهُ غفران ذنبك، وعفوه لك عنه) (جامع البيان في تأويل آي القرآن، الطبري).
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: (قوله " واستغفر لذنبك " هذا تهييج للأمة على الاستغفار) (تفسير القرآن العظيم، ابن كثير).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: (واستغفر لذنبك المانع لك من تحصيل فوزك وسعادتك، فأمره بالصبر الذي فيه يحصل المحبوب، وبالاستغفار الذي فيه دفع المحذور، وبالتسبيح بحمد الله تعالى خصوصًا) (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبدالرحمن السعدي).
وقوله تعالى: " فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ " [محمد:19].
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في معنى الآية: ( " واستغفر لذنبك " أي: اطلب من الله المغفرة لذنبك، بأن تفعل أسباب المغفرة من التوبة والدعاء بالمغفرة، والحسنات الماحية وترك الذنوب، والعفو عن الجرائم. واستغفر للمؤمنين والمؤمنات فإنهم – بسبب إيمانهم – كان لهم حق على كل مسلم ومسلمة) (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبد الرحمن السعدي).
وقال الشيخ أبو بكر جابر الجزائري رحمه الله في معنى الآية: (أي: فاعلم يا محمد أنه لا معبود تنبغي له العبادة وتصلح له إلا الله الذي هو خالق كل شيء ومالكه، واستغفر أي: اطلب من ربك المغفرة لك وللمؤمنين والمؤمنات، وهذا الكلام وإن وجه للرسول صلى الله عليه وسلم فالمراد منه على الحقيقة أو بالأصالة غيره صلى الله عليه وسلم فكأنما قال تعالى: يا عباد الله، أيها الناس والرسول على رأسكم اعلموا أنه لا إله إلا الله واستغفروا لذنوبكم مؤمنين ومؤمنات) (أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير، أبو بكر جابر الجزائري).
وقوله تعالى: " فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا " [النصر:3].
2/ آيات أثنى الله فيها على خيار عباده وذكر من أوصافهم بأنهم يستغفرون في الأسحار أي في آخر الليل، وذلك بعد عبادتهم لربهم ويرون أنهم مقصرون فيسألون الله المغفرة، هذا في مثل قوله تعالى: " الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ " [آل عمران: 17].
وقوله تعالى: " وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ " [الذاريات: 18].
3/ آيات وردت فيها دعوات صريحة من الله جلَّ وعلا للذين ظلموا أنفسهم من عباده واقترفوا السيئات، تعلّمهم وتخبرهم بأن باب المغفرة مفتوح وأن عفوه جلَّ وعلا كبير، يغفر لهم إذا استغفروا ثم يرحمهم ويرضى عنهم.
قال تعالى: " وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ " [آل عمران: 135].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية: (أي إذا صدر منهم ذنب أتبعوه بالتوبة والاستغفار) (تفسير القرآن العظيم، ابن كثير).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن رجلَّا أذنب ذنبًا فقال: رب إني أذنبت ذنبًا فاغفره، فقال الله عز وجلَّ: عبدي عمل ذنبًا فعلم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبًا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره، فقال تبارك وتعالى: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثم عمل ذنبا آخر فقال: رب إني عملت ذنبًا فاغفره لي، فقال الله عز وجلَّ:علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي ثم عمل ذنبا آخر فقال رب، إني عملت ذنبا فاغفره، فقال عز وجلَّ عبدي علم أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ به، أشهدكم أني غفرت لعبدي فليعمل ما شاء» (أخرجه البخاري ومسلم).
وقال تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا " [النساء:64].
وقال تعالى: " وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا " [النساء:110].
قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية: (يعني بذلك جلَّ ثناؤه: ومن يعمل ذنباً – وهو السوء – أو يظلم نفسه بإكسابه إياها ما يستحقّ به عقوبة الله، " ثًمَّ يَسْتَغْفِرِ الله يقول: ثم يتوب إلى الله بإنابته مما عمل من السوء وظلم نفسه، ومراجعة ما يحبه الله من الأعمال الصالحة التي تمحو ذنبه وتذهب جُرمه، " يَجِدِ الله غَفُورًا رَّحِيمًا يقول: يجد ربه ساترا عليى ذنبه بصفحه له عن عقوبته جرمه، رحيماً به) (جامع البيان في تأويل آي القرآن، الطبري).
وقال تعالى: " أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " [المائدة:74].
4/ آيات دعا فيها الأنبياء أقوامهم إلى الاستغفار مخبرين بوعد الله لهم بالمغفرة و الرحمة، وذلك في مثل قوله تعالى في خطاب نبي الله هود عليه السلام إلى قومه: " وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ " [هود: 52].
وقوله تعالى على لسان نبيه شعيب عليه السَّلام لقومه: " وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ " [هود:90].
وقوله تعالى: " وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجلَّ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ " [هود، الآية:3].
وقوله تعالى على لسان نوح عليه السَّلام لقومه: " فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا " [نوح: 10).
5/ آيات ورد فيها استغفار الملائكة لأهل الأرض ليفوزوا بالمغفرة من ربهم عما يصدر منهم مما لا يليق بعظمه الله وكبريائه، وذلك في مثل قوله تعالى: " تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " [الشورى: 5].
وقوله تعالى: " الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ " [غافر: 7).
فقد أشار الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله إلى ما علم الله عباده المؤمنين من أسباب تجلَّب لهم السعادة من غير ما عملته أياديهم، فقال في شرحه لهذه الآية: (يخبر تعالى عن كمال لطفه تعالى بعباده المؤمنين، وما قيض لأسباب سعادتهم من الأسباب الخارجة عن قدرتهم، من لهم استغفار الملائكة المقربين لهم، ودعائهم لهم بما فيه صلاح دينهم وآخرتهم، " ويستغفرون للذين آمنو ا " وهذا من جملة فوائد الإيمان وفضائله الكثيرة جدًا، أن الملائكة الذين لا ذنوب عليهم يستغفرون لأهل الإيمان، فالمؤمن بإيمانه تسبب لهذا الفضل العظيم) (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، الشيخ عبد الرحمن السعدي).
مختارات