" نقض الغزل "
" نقض الغزل "
والحذر الحذر من نقض الغزل بعد غزله !!
أرأيتم لو أن امرأة غزلت غزلاً جميلاً، فلما أصبح قميصًا أو غطاءً، أعجب به الناس وفرحوا به، فلما فرحت به، وسرَّ به الناس؛ جعلت تنقضه خيطًا خيطًا دون سبب !! فماذا تقولون عنها؟! لا يشك عاقل أن في عقلها خللًا !! وفي تفكيرها نقصًا! ولهذا حذرنا الله – جل وعلا – بضربه هذا المثل لنا من نقض الغزل بعد غزله، وذلك بإبطال العمل وتركه بعد عمله، أو ارتكاب ما يخالفه، فقال تعالى: " وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا " [النحل: 92].
وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ " [محمد: 33].
سواءً بالرياء والسمعة، أو المعاصي والكبائر، أو النفاق أو نحوه (زاد المسير لابن الجوزي فقد ذكر – رحمه الله – أقوال أهل العلم في تفسير الآية) أو بارتكاب ما ينقضها من نواقض الأعمال التي قد توصل إلى الردة والعياذ بالله (انظر: تفسير ابن كثير، وأنصح بقراءة رسالة: «محبطات الأعمال من القرآن وصحيح السنة». وكذلك «مبطلات الأعمال» للأخ الشيخ/ سليم الهلالي، ابن القيم بالدمام) والعبرة بالخواتيم كما قال صلى الله عليه وسلم: «يبعث كل عبد على ما مات عليه» (رواه مسلم) ولهذا أمرنا الله بالعمل حتى الممات، ولم يقل حتى ينتهي الزمان أو المكان؛ قال تعالى: " وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ " [الحجر: 99].
وقال: " فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " [البقرة: 132]؛ أي الزم الاستقامة حتى الممات.
المطلوب منا إذًا الاستقامة على الشرع في كل زمان ومكان، ومع أي قوم، لا نخص العمل الواجب ونترك المحرم في زمن دون آخر، ولا مكان دون غيره ولا مع قوم دون آخرين ! فهذا أمر خطير وخطره جسيم، وقد يعرض العمل للحبوط أو النقص؛ لأن العبرة بالخواتيم، ولا ندري متى الخاتمة؟! وهل ندرك الموسم القادم أم لا؟! إن العمل مع أناس تظاهرًا بالصلاح ثم تركه، أو ارتكاب المعاصي في الخلوة والظهور أمام الناس بوجه وفي الخلوة بوجه، مع الإصرار على ذلك من الأمور التي قد تنسف الأعمال نسفًا فتذرها قاعًا صفصفًا! نسأل الله العافية.
ثبت في صحيح ابن ماجه عن ثوبان – رضي الله عنه – قال: قال صلى الله عليه وسلم: «لأعلمن أقوامًا من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء، فيجعلها الله – عز وجل – هباءً منثورًا» قال ثوبان: يا رسول الله ! صفهم لنا، جلَّهم لنا ألا نكون منهم ونحن لا نعلم قال: «أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها» (رواه ابن ماجه).
ويقول سبحانه وتعالى: " يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ " [غافر: 19].
فيجب علينا أن نتقي الله في أحوالنا، فنستقيم على العبادة والطاعة في كل زمان ومكان، ومع كل قوم؛ فإن الله رب الأزمنة والأماكن والأشخاص.
ولهذا أخي الكريم كانت هذه الرسالة المتواضعة !!
لما تقدم ذكره، ولما نراه من تدافع الناس على المساجد في رمضان، يصلون النوافل، ويذكرون الله، ويقرؤون القرآن، وإذا خرج رمضان نقضوا الغزل، وتركوا الطاعات؛ ليس النوافل فحسب؛ بل الفرائض (مع الأسف الشديد) وعجيب أمرهم يحرصون على النافلة في زمن ويتركون الفرض في آخر، وكأن رب رمضان غير رب شوال وغيره ! وصدق الفضيل بن عياض: «بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان» وكأنهم عباد رمضان عياذًا بالله، وهدانا الله وإياهم.
أقول: لهذا كله كانت هذه الرسالة؛ لأن ما تقدم من ملاحظات ظهرت وتفشت في المجتمع تدعونا للحديث عن علاج هذه الظاهرة على ضوء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بفهم السلف الصالح.
وتدعونا - أيضًا - لترسيخ وتثبيت مفاهيم كلمة جامعة مانعة هي العلاج لهذا كله هي من جوامع الكلم... ألا وهي «الاستقامة».
فما هي أهميتها؟! وأهمية العمل بها؟! وماذا يقصد بها؟! وما معناها؟! وما هي آثارها وفوائدها على الفرد والمجتمع في الدارين؟ وكيف فقه السلف ذلك عملاً لا علمًا فقط؟ ثم إن هناك سؤالا مهمًا يحتاج إلى إجابة أهم ألا وهو ما يدور في أذهان الكثير من المسلمين وخاصة الشباب والفتيات:
كيف نحافظ على الإيمان؟! كيف نستمر على الطاعات؟! كيف نلزم جانب الاستقامة؟! ما هي العوامل المساعدة على ذلك؟! وما هي عوامل الثبات على دين الله حتى الممات؟!
سؤال مهم يسأله الكثير من الناس، لسان حالهم بل مقالهم: إني أعرف أهمية الاستقامة، وأعلم معناها، وما هي آثارها وفوائدها، ويكفي أن فيها النجاة والفوز في الدارين، أعلم ذلك كله... ولكن ما العمل، وكيف السبيل إلى الاستقامة؟!
خاصة في زماننا زمان الفتن، فتن الشهوات والشبهات، فتن كقطع الليل المظلم كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ؛ ففي صحيح مسلم: «يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا ويصبح كافرًا ويمسي مؤمنًا يبيع دينه بعرض من الدنيا» (مختصر مسلم) نسأل الله السلامة والعافية.
أخي القارئ الكريم... حول هذه الأسئلة وتلك العناصر التي تجمعها كلمة «الاستقامة» سيكون بحثنا، وتكون مدارستنا – بإذن الله تعالى – والتي سميتها: «الجواب المبين في أهمية وسائل الاستقامة على الدين»؛ نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الذي لا إله إلا هو، الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد- أن يرزقنا التوفيق لفهمها والعمل بها، كما نسأله الإخلاص والسداد في كل كلمة نقولها وعمل نعمله، وحسبنا إرادة الخير والحرص على سلوك وفهم منهج السلف الصالح في ذلك؛ فإن كان الصواب حليفي، فهو من الله وحده وتوفيقه، وإن كان الآخر فالله ورسوله منها بريئان (قال ابن مسعود رضي الله عنه: «فإن يك صوابًا فمن الله، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان والله – عز وجل – ورسوله بريئان» المسند للإمام أحمد وصححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند) وهو من نفسي المقصرة والشيطان، وأستغفر الله من ذلك كله.
وهذا أوان الشروع في المقصود؛ فإن رأيت الخطأ والخلل فسدد وانصح وادع لأخيك الذي يحبك في الله ويدعو لنفسه ولك بالثبات على دين الله، وهذه بضاعتنا نسوقها إليك مزجاة، ونسأل الله أن يوف لنا الكيل وألا يجعلنا من الخاسرين.
مختارات