" خروج الدابة "
" خروج الدابة "
(61) قال تعالى: " وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ " [النمل: 82].
قال العلماء: (أي وجب عليهم الوعيد، لتماديهم في العصيان والفسوق والطغيان، وانتهائهم في المعاصي إلى ما لا ينجح معه فيهم موعظة، ولا يصرفهم عن غيهم تذكرة فإذا صاروا كذلك (يقول عز من قائل) أخرجنا لهم دابة من الأرض، أي دابة تعقل وتنطق، والدواب في العادة لا كلام لها ولا عقل، ليعلم الناس أن ذلك آية من عند الله تعالى: (التذكرة للقرطبي).
(62) وخروج الدابة يكون قريب من طلوع الشمس من مغربها، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيهما ما كانت قبل صاحبتها فالأخرى على إثرها قريب» (صحيح مسلم).
مكان خروج الدابة:
(63) قيل إنها تخرج من المسجد الحرام فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة وأكرمها المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام، تنفض عن رأسها التراب، فارفض الناس عنها شتى ومعًا، وبقيت عصابة من المؤمنين، وعرفوا أنهم لم يعجزوا الله فبدأت بهم، فجلّت وجوههم حتى جعلتها مثل الكوكب الدري وَوَلت في الأرض لا يدركها طالب ولا ينجو منها هارب، حتى إن الرجل ليتعوذ فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان: الآن تُصلي؟ فيقبل عليها فتسمه في وجهه» (الطيالسي).
(64) وقيل إن لها ثلاث خرجات: فعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: «لها ثلاث خرجات من الدهر فخرج خرجة من أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية يعني مكة ثم تكمن زمنًا طويلاً ثم تخرج خرجة أخرى دون تلك فيعلو ذكرها في أهل البادية ويدخل ذكرها القرية – يعني مكة» وقيل تخرج من صدع من الصفا كجرى الفر س، والله أعلم بالصواب.
كلام الدابة وعملها:
(65) قال تعالى: " وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ " [النمل: 82].
قال ابن عباس والحسن وقتادة: أي تخاطبهم مخاطبة وقال ابن جرير تقول لهم: «إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون» (الفتن والملاحم ابن كثير).
وقال ابن كثير: خروج الدابة على شكل غير مألوف ومخاطبتها للناس ووسمها إياهم بالكفر، أمر خارج عن مجرى العادات وهو أول الآيات الأرضية، كما أن طلوع الشمس من مغربها على خلاف عادتها أول الآيات السماوية (الفتن والملاحم ابن كثير).
(66) وعن أبي أمامة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تخرج الدابة فتبسم الناس على خراطيمهم ثم يغمرون فيكم حتى يشتري الرجل البعير، فيقول: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من أحد المخطيين» (الصحيحة للألباني).
(67) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تخرج الدابة ومعها عصا موسى عليه السلام، وخاتم سليمان عليه السلام فتخطم الكافر - قال عفان (أحد رواة الحديث) أنف الكافر بالخاتم، وتجلو وجه المؤمن بالعصا، حتى إن أهل الخوان ما يوضع عليه الطعام، ليجتمعون على خوانهم فيقول هذا: يا مؤمن ! ويقول هذا: يا كافر » (أحمد).
قلت: وهذه الآية البينة الظاهرة لا تنفع من يريد التوبة حيث أن بابها قد أغلق بطلوع الشمس من مغربها.
الخسوفات الثلاثة والدخان:
أ- الخسوفات الثلاثة:
(68) عن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم عليا ونحن نتذاكر الساعة قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات، فذكر الدخان والدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (صحيح مسلم).
ويرى بعض العلماء أن هذه الخسوفات قد وقعت والظاهر والله أعلم أنها لم تقع بعد، وأنها من الأشراط الكبرى، يقول الحافظ ابن حجر (قد وجد الخسف في مواضع، ولكن يحتمل أن يكون المراد بالخسوف الثلاثة قدرًا زائدًا على ما وجد) (فتح الباري).
ب- الدخان:
(69) يقول تعالى: " فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ " [الدخان: 10، 11].
(70) وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «بادروا بالأعمال ستًا ثم ذكر منهن الدخان» (صحيح مسلم) وقد اختلف العلماء في أمر الدخان، هل هو الذي أصاب قريش في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فمن العلماء من يراه ذلك على قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وجماعة من السلف ومنهم من يرى أنه لم يظهر بعد وأنه من العلامات الكبرى على قول عبد الله بن عباس وجماعة من الصحابة والتابعين والله أعلم بالصواب.
النار التي تسوق الناس إلى محشرهم:
هي آخر العلامات من عمر الدنيا، وأول الآيات المؤذنة بقيام الساعة، وهذا الحشر ليس المقصود به الحشر من القبور، ولكنه حشر من عمر الدنيا كما قال به جمهور العلماء.
(71) وعن حذيفة بن أسيد رضي الله عنه قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر الساعة قال: «إنها لن تقوم حتى ترون قبلها عشر آيات إلى أن قال وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» (صحيح مسلم).
(72) وفي رواية له: «ونار تخرج من قعرة عدن ترحل الناس» (صحيح مسلم).
(73) وعن ابن عمر رضي الله عنها قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سيخرج نار من حضرموت أو من بحر حضرموت قبل يوم القيامة تحشر الناس» (أحمد).
(74) وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يحشر الناس على ثلاث طرائق وذكر فيه و يحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا» (متفق عليه).
(75) وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعث نار على أهل المشرق، فتحشرهم إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا، ويكون لها ما سقط منهم وتخلف وتسوقهم سوق الجمل الكسير» (مجمع الزوائد).
قال الشيخ يوسف الوابل: «كون النار تخرج من قعر عدن لا ينافي حشرها الناس من المشرق إلى المغرب، وذلك أن ابتداء خروجها من قعر عدن، فإذا خرجت انتشرت في الأرض كلها.. وعندما نتنتشر يكون حشرها لأهل المشرق أولاً» (أشراط الساعة).
وقد ذهب بعض من أهل العلم إلى أن حشر النار المذكور في الآخرة، ولكن الحق الذي عليه الجمهور، وذكره القرطبي وابن كثير وغيرهم أن حشر النار هذا يكون في الدنيا وقبيل النفخ في الصور.
فصل في قبض أرواح المؤمنين قبل الساعة ويبقى شرار الخلق عليهم تقوم الساعة:
(76) روى مسلم في صحيحه بعد أن ساق الحديث بسنده إلى عبد الله بن عمرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «.. يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام فلا يبقى على الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو غيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه» (صحيح مسلم).
(77) وفي رواية: «ريحًا طيبة فتأخذهم من تحت آباطهم فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون فيها تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة» (صحيح مسلم).
(78) وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء» (صحيح البخاري).
(79) وعنه صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة إلى على شرار الخلق، هم شر من أهل الجاهلية» (صحيح مسلم).
فصل في بعض علامات الساعة الصغرى التي ثبتت بالسنة منها على سبيل المثال لا الحصر:
(80) (وفاة النبي صلى الله عليه وسلم (صحيح البخاري).
(81) وأن يبعث الدجالون كذابون قر يب من ثلاثين، كلهم يزعم أنه رسول الله (متفق عليه).
(82) وأن تكون: «فتنًا كقطع الليل المظلم» (صحيح مسلم).
(83) وأن: «يظهر الزنا» (متفق عليه).
(84) «ويشرب الخمر» (صحيح مسلم).
(85) وأن: «يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف» (صحيح البخاري).
(86) وأن يظهر: «نساء كاسيات عاريات، مميلات، مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة» (صحيح مسلم).
(87) وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان (صحيح مسلم).
(88) وأن: «يُكذب الصادق ويُصدق الكاذب» (أحمد).
(89) وأن: «يُخون الأمين ويؤتمن الخائن، حتى يظهر الفحش والتفحش، وقطيعة الأرحام وسوء الجوار» (أحمد).
(90) وأن: «يتباهى الناس في المساجد» أي: يزخرفونها (أبو داود).
(91) وأن «يسلم الرجل على الرجل لا يسلم عليه إلا للمعرفة» (أحمد).
(92) وأن: «يظهر موت الفجأة» (مجمع الزوائد).
(93) وأن: «تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا» (صحيح مسلم).
(94) وأن «يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيُقتل من كل مئة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم لعلي أنا الذي أنجو» (صحيح مسلم).
وعند البخاري «نهى النبي صلى الله عليه وسلم من حضره بأن لا يأخذ منه شيئًا» (صحيح البخاري).
فصل في قرب قيام الساعة وأنه لا يعلم موعدها إلا الله سبحانه وتعالى:
(95) قال تعالى: " اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ " [القمر: 1].
(96) وقال تعالى: " اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ " [الأنبياء: 1].
(97) وقال تعالى: " اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ " [الشورى: 17].
(98) وقال تعالى: " يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا " [الأحزاب: 63].
(99) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثت والساعة كهاتين» وقال بأصبعيه الوسطى والتي تليها (البخاري).
(100) وفي رواية: «إن كادت لتسبقني» (أحمد).
(103) وخسفت يومًا الشمس فقام النبي صلى الله عليه وسلم فزعا يخشى أن تكون الساعة (صحيح البخاري).
فصل في عظم أمر الساعة وشديد هولها:
(104) قال تعالى: " بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ " [القمر: 46].
(105) وقال تعالى: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ " [الحج: 1].
(106) وقال تعالى: " إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا " [الواقعة: 1-6].
(107) وقال تعالى: " فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ ".
(108) وقال تعالى: " يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ * قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ " [النازعات: 6-8].
(109) وكان صلى الله عليه وسلم: «إذا ذُكر الساعة أعلى بها صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش» (أحمد).
(110) وفي رواية: «احمرت وجنتاه، واشتد غضبه وعلا صوته» (أحمد).
(111) إنه يوم الفزع كما قال تعالى: " وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ " [النمل: 87] يومها تسير الجبال سير السحاب، فتكون سرابًا وترتج الأرض بأهلها وتميد وتضطرب، منظر رهيب تشيب من هوله الولدان، وتذهل المراضع، وتضع الحوامل، ويفر الناس هاربين، فتتلقاهم الملائكة وهي تضرب وجوههم فيرجعون مدبرين ما لهم من الله من عاصم، ينادي بعضهم بعضًا وبينما هو كذلك، إذ تصدعت الأرض صدعين، من قطر إلى قطر، فيروا السماء فإذا هي كالمهل، ثم تنشق فتنتثر نجومها، وتخسف قمرها نسأل الله العظيم أن يعيذنا من هول هذا اليوم فهو آتي لا محالة كما قال تعالى: " وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ ".
مختارات