" صرخة الشرك "
" صرخة الشرك "
كهبات نسيم عليلة مرت السنوات الأولى لزواجها سريعة جميلة ملؤها المحبة والوفاق، ولكنها بدأت تتثاقل الأيام بعد مرور خمس سنوات طويلة؛ أقبلت فيها سحب الحزن تتوالى على قلبها.
وفي يوم تفرح فيه كل زوجة، نالها من الغم والحزن الشيء الكثير؛ فها هي تنتقل من شقتها الصغيرة إلى منزل رحب واسع؛ فيه حديقة جميلة، ومسبح تحفه أنواع الزهور والورود، وغرف مؤثثة بأجمل الأثاث، وصالات انتظار تحفها الأشجار.
ولكن هذا المنزل الجميل ينقصه نبض الحياة، نعم، تنقصه صرخات الأطفال وعبثهم وضحكاتهم !!
ومع مرور الأيام تحولت النظرات إلى استفهام وسؤال !! وكأنها سهام تمزق قلبها وتكدر عيشها !!
المنزل واسع والحديقة جميلة، ربما يتزوج الثانية، فهذا من حقه وهو يبحث عن الأبناء.
هبَّ الشيطان ينفخ في قلبها ليل نهار: سوف يتزوج، ستُحرمين محبته، المنزل يتسع لاثنتين، بل ولثلاث نساء وأربع.
ووجد الشيطان مدخلاً وطريقاً إلى قلبها !!
بدأت دوامة من الأفكار تتجول في رأسها؛ خطرات مرت ثم استقرت في فكرها فأشغلته، وفي قلبها فأضرمته؛ خوفٌ وغيرةٌ.
فتح لها ضعف الإيمان بابه، وسقتها حبائل الشيطان حتى استوت على عُودها.
حيناً تسرق النظر إلى زوجها؛ تتلمح فكره ونظرات عينه وسقطات لسانه، لكنها لا تجد إلا الطمأنينة والأمان، لم ينبت ببنت شفة، ولم يذكر الأطفال، ولم يسألها عن صراخهم.
ولكنه إذا غاب عن المنزل تحولت إلى تلك الأفكار التي تُقلبها يمنةً ويسرةً.
وعندما طال بها المقام أرادت أن تضع حداً لهذه الهواجس التي أرَّقت مضجعها وكدرت عيشها.
قررت أن تذهب لمن يرى سبب عقمها ولماذا لم تنجب !! ولماذا تأخرت كثيراً عن الحمل؟!
تساءلت: كم مرة ذهبتُ إلى طبيب بل إلى كبار الأطباء؟! وكم مرة ذهبتُ إلى مستشفيات في الداخل والخارج ولم أجد علاجاً؟! فالعقم مني !!
تراجعتْ قليلاً؛ لماذا لا أرضى بهذا وأستعين بالله على مصيبتي؛ وأصبر وأحتسب حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
ولكن الشيطان لم يدعها توقد روح الإيمان في قلبها، بل أسرع إليها: هيا، لا تترددي.
* كانحدار السيل من أعالي الجبال أزاحت نزغات الشيطان بقايا صخور الإيمان لتلقيها جانباً، ويعبر الشيطان إلى قلبها، وتستشيره: إلى أين أذهب؟!
قال لها: اذهبي إلى من يعرف ما بك؛ ربما أنك مسحورة أو محسودة أو.. أو..!!
هذه فلانة وهذه فلانة.. وبدأ يُذكرها بمن تأخرن في الإنجاب ثم أنجبن !!
خطت أقدامها كما ادعى الشيطان إلى " من يعرف علتها " وفي قلبها من عمله شيء،ولكن استوحشها الشيطان وألقى إليها برداء الكفر فأمسكت به.
سألها وأجابت: ما اسم أمكِ وأمه؟! وطلب منها أن تأتي بكذا وكذا !!
دخلت تحت لواء المشعوذين الذي يرفع رايته الشيطان بعمله وكفره !!
مرت شهور طويلة أعقبتها سنوات لم تنجب فيها ولم تحافظ على إيمانها.
وكان السيل يسوقها إلى المنحدر، وتبقى علامات التوبة تظهر لها بين الحين والآخر !!
* قال أبو عياش القطان: كانت امرأة بالبصرة مُتعبدة يقال لها منيبة، وكانت لها ابنة أشد عبادة منها، فكان الحسن ربما رآها وتعجب من عبادتها على حداثتها.
فبينما الحسن ذات يوم جالس إذ أتاه آتٍ فقال: أما علمت أن الجارية قد نزل بها الموت؟ فوثب الحسن فدخل عليها، فلما نظرت الجارية إليه بكت.
فقال لها: يا حبيبتي ما يبكيكِ؟
قالت له: يا أبا سعيد ! التراب يُحثى على شبابي ولم أشبع من طاعة ربي، يا أبا سعيد ! انظر إلى والدتي وهى تقول لوالدي: احفر لابنتي قبراً واسعاً وكفنها بكفن حسن، والله لو كنت أُجهز إلى مكة لطال بكائي، كيف وأنا أُجهز إلى ظلمة القبور ووحشتها وبيت الظُلمة والدود؟! (صفة الصفوة).
* قال يحيى بن معاذ: مسكين ابن آدم لو خاف النار كما يخاف الفقر دخل الجنة.
مختارات