" صاحب القلب الأسود "
" صاحب القلب الأسود "
لا تزال النار تأكل قلبه والحقد ينخر كبده..
همه الأول ماذا لو قالوا؟! وأين ذهبوا؟! وماذا فعلوا؟!
أشعل فتيل الحسد، وأوقد نار الحقد، ساهر لذلك الليل، وكابد لأجله النهار.
يستمع إلى شاردة منهم ويتلقط كل واردة عنهم، لقد أمضى جزءًا من حياته في الترقب والترصد؛ فأشقاه تتبع أخبارهم، وأرهقه التجسس على حياتهم !!
وعندما طالت به الليالي وتقادمت به الأيام بدأ ينفث السم الزعاف من لسانه؛ غيبة ونميمة واستهزاء، ولكن ذلك كله لم يشف غليله ولم يرو ظمأه.
عندها كشر عن أنيابه ورأى أن السم لا يكفي وتلك الأفعال لا ترضي فنفسه خبيثة وخلقه شرير.
في ليلة مظلمة أوقد عليها نار الحسد وألقى ظلاله الحقد، قفز إلى ذهنه أمر كان يتردد فيه زمانًا ويخاف منه حينًا.
فهو فيما مضى يقدم ويؤخر، ويؤجل وينتظر، لعل ما فعل يروي نفسه ويقر قلبه.
لكنه اليوم رأى أن كل ما فعله دون ما يؤمل.
رفع صوته واستنشق الهواء بقوة، وكأنه انتصر.
نعم، سأفعل هذه الفكرة غدًا !!
بيد أنه توقف قليلاً وهو يحدث نفسه: والحساب والجزاء، وغدًا إذا وسدت في القبر كيف سأحمل الأوزار؟! وكيف سأتحمل العذاب؟ وكيف ألاقي الله عز وجل؟!
على عجل طرد تلك الخطرات وهو يحلم بنفحات السعادة - المزعومة - تملأ قلبه، ويمد نظره ليرى من يحقد عليه قد انتقم منه وشفى غليله !!
أركض عليه الشيطان بخيله ورجله وناداه: لقد صنعوا بك وفعلوا بك؛ مزقوا حياتك وأضاعوا عمرك.
بعد محاولات الشيطان المتتالية قرر.
لن أتراجع.. لن أتراجع !!
وأغمض عينيه حتى لا يرى نور الإيمان، وصك أسنانه بقوة أخرجت صوتًا كزئير الأسد المنتصر.
في الصباح المظلم، لم تكن الأمور تهدأ ولا نبضات قلبه تسكن؛ بدأ الحسد يأكل قلبه، والحقد الدفين يرسم دربه، وعندما فتح الباب متجهًا إلى الخارج، بدأت خطوات المزالق ودرجات المهالك تقوده إلى هناك؛ حيث يطفأ نور الإيمان !! عند ساحر أو ساحرة.
قال الفضيل بن عياض: والله ما يحل لك أن تؤذي كلبًا أو خنزيرًا بغير حق، فكيف تؤذي مسلمًا؟ (سير أعلام النبلاء).
قال الحسن: إن الرجل ليتعلق بالرجل يوم القيامة فيقول: بيني وبينك الله، فيقول: والله ما أعرفك، فيقول: أنت أخذت طينة من حائطي، وآخر يقول: أنت أخذت خيطًا من ثوبي !!.
مختارات