" خطر اتباع الهوى وآثاره السيئة "
" خطر اتباع الهوى وآثاره السيئة "
لاتباع الهوى أضرار كثيرة وآثار سيئة يمكن إيجازها فيما يلي:
الأول: أنه سبب لفساد الأمور، قال تعالى: " وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ " [المؤمنون: 71].
الثاني: أنه سبب الضلال عن الهدى والهوان في الدنيا، قال تعالى: " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ " [الأعراف: 176].
الثالث: أنه سبب فساد الرأي والفكر والوقوع في التناقض، ولهذا حذرنا – سبحانه وتعالى – من طاعة صاحب الهوى لأنه يتكلم بغير هدى ويقع في الغفلة والعمى، قال تعالى: " وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا " [الكهف: 28] ولأنه لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما وافق هواه ولهذا ورد في الحديث الذي رواه حذيفة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تُعرض الفتن على القلوب كالحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والأخر أسود مُربادًّا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه» (رواه مسلم).
الرابع: أنه سبب التفرق والاختلاف وكثرة الشقاق والنزاع يقول الإمام ابن بطة: «أعاذنا الله وإياكم من الآراء المخترعة والأهواء المتبعة والمذاهب المبتدعة، فإن أهلها خرجوا عن اجتماع إلى شتات وعن نظام إلى تفرق، وعن أنس إلى وحشة، وعن ائتلاف إلى اختلاف، وعن محبة إلى بغضة، وعن نصيحة وموالاة إلى غش ومعاداة، وعصمنا وإياكم من الانتماء إلى كل اسم خالف الإسلام والسنة» (الإبانة لابن بطة).
الخامس: أنه موجب للعقوبة من الله لأنه يؤدي بصاحبه إلى تزيين الباطل والزهد في الحق وتأليه الهوى فيطبع على قلبه ويختم على سمعه، ويجعل على بصره غشاوة، قال تعالى: " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ " [الجاثية: 23] وقال سبحانه وتعالى: " وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ " [القصص: 50].
السادس: أنه يورث الكبر والعجب فيزري بصاحبه أمام الآخرين، لا سيما أهل الصدق والعدل، ويكون مستثقلاً عندهم ممقوتًا في نفوسهم لما يرونه فيه من المخالفة للحق والتكبر عن اتباعه وإعجاب صاحبه برأيه وهواه.
السابع: أن يصد عن قبول الحق واتباعه، ويزين الباطل ويقلبه في صورة الحق، بل ربما صار صاحبه منافحًا عن الباطل مضادًا للصواب من حيث يشعر أو لا يشعر.
وقد سبق ذكر قول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: «إن أخوف ما أخاف عليكم اثنتان: طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق».
وقال شيخ الإسلام – رحمه الله -: «وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله» (مجموع الفتاوى).
الثامن: أنه سبب في ظلم العبد لنفسه ولغيره، فيظلم نفسه بارتكابه ما حرم الله وإعراضه عما أمر الله به، ويظلم غيره بالبغي والعدوان في أقواله وأفعاله.
التاسع: أنه يضعف الإرادة والعزيمة ويخذل عن طلب المعالي، ويجعل صاحبه في عداد أهل الجهل والخذلان ويحجبه عن منازل أهل الشرف والعرفان.
العاشر: أنه سبب في البعد عن السنة والنطق بالبدعة ولذا يقول أبو عثمان النيسابوري... من أمر السنة على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالحكمة، ومن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطق بالبدعة؛ لأن الله يقول: " وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا " [النور: 54] (مجموع الفتاوى).
الحادي عشر: أنه سبب للهموم والأحزان يقول شيخ الإسلام رحمه الله: «من اتبع هواه في مثل طلب الرئاسة والعلو، وتعلقه بالصور الجميلة، أو جمعه للمال يجد في أثناء ذلك من الهموم والغموم والأحزان والآلام وضيق الصدر ما لا يعبر عنه وربما لا يطاوعه قلبه على ترك الهوى، ولا يحصل له ما يسره، بل هو في خوف وحزن دائمًا: إن كان طالبًا لما يهواه فهو قبل إدراكه حزين متألم حيث لم يحصل، فإذا أدركه كان خائفًا من زواله وفراقه» (مجموع الفتاوى).
مختارات