" مقدمـة "
" مقدمـة "
إن من أعظم الآفات التي قد يصاب بها المسلم اتباع الهوى.
وإن من يقلب طرفه في أحوال الناس، ويصغى سمعه في أقوالهم يرى ويسمع من تلك الأهواء التي تتجارى بهم عجبًا.
فيرى أناسًا يمدحون أمورًا ثم يذمونها ويعيبون أشياءً ثم يفعلونها، وقد يأخذون على شخص في مقام المسؤولية بعض تصرفاته دون تأمل أو نظر في مبناها الشرعي وإذا تولى أحدهم هذه المسؤولية عمل ما كان يعيب به أخاه وأكثر.
ويرى أناسًا يتقبلون أقوالاً وأفعالاً ويتبنون أفكارًا لأنها صادرة عن فلان من الناس ولو عملها غيره لم تحظ منهم بقبول بل ربما تقابل برد ونفور.
ويعجب الإنسان من أشخاص يعملون أمورًا ظاهرة العيب، واضحة الخطأ ومع ذلك يستميتون في الدفاع عنها وبيان صوابها، ويذكرون مسوغات لفعلها يضحك منها عامة الناس فضلاً عن خواصهم، وغير ذلك كثير.
وما ذاك إلا لأن صاحب الهوى لا يرى إلا الهوى، فإذا تكلم فبهوى، وإذا صمت فلهوى، وإذا فعل فلهوى، وإذا ترك فلهوى، ولأنه يعيش في محيط هواه الذي أضله وأعماه وأصمه، والذي أسره وقيده، فإن الهوى يأسر صاحبه كما قال شيخ الإسلام – رحمه الله - «المحبوس من حبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه» (ذيل بقات الحنابلة).
ولخطورة هذا الموضوع وانتشاره في الناس على اختلاف طبقاتهم، وتنوع مواردهم، وتباين مستوياتهم أحببت أن أسهم في بيانه والتحذير منه، وذكر شيء من علاجه؛ لعلي أفيد منه نفسي، ولعل غيري يجد فيه ما يفيد وينفع وليكون دافعًا لمزيد من الكتابة فيه من أولي العلم والعدل كتابة أقوم وأوسع، وما أبرئ نفسي من النقص والخلل فإن هذا من سمة البشر، وصدق الله إذ يقول: " وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا " [النساء: 82] وأسأل الله تعالى العافية والحفظ من الهوى والزيغ والزلل.
مختارات