" حضارة زائفة "
" حضارة زائفة "
وقفتُ من على بعد أرمقها وتمتمتها الغريبة حاولت أن أقترب منها وبالفعل بادرتها بإلقاء التحية: السلام عليكم ورحمة الله.
ردت علي بلغة شبيهة بتلك التي تأتي من وفود الخدم والسائقين.
عجبًا.. لكن ملامحها توحي لي بأنها عربية بل وتقول إنني مسلمة بل واسمها واسم عائلتها ولكن مظهرها وهيئتها تنبئ أنها نشأت وترعرعت في الخارج بل ومعجبة جدًا بلغتهم وعاداتهم حتى طريقة لبسها بل وتصفيف شعرها.. و.. و.. إلخ، مما يأتينا من زخم الحضارة الغربية الزائفة.
أردفت.. ليس هذا فحسب.. قربت ابنتها ذات الست سنوات.. وقد ألبستها بطريقة عجيبة.. حتى ظننت أنها ولد.. وأخذت تسألها ما معنى أخت بالإنجليزية ما معنى كذا والصغيرة ترصد لها وتكرر كالببغاء تجيبها بكل ثقة والأم ترمق ابنتها بكل فخر واعتزاز وهي سعيدة بإجابات فلذة كبدها.
عجبت منها.. عبثًا حاولت أن أسال الصغيرة ما إذا كانت تجيد قراءة الفاتحة أو قصار السور أو حتى تنطق بالبسملة.. نظرت إلي باشمئزاز مشيرة بيدها قائلة.. نو.. نو.. ما زالت صغيرة على هذا الكلام.
أما أنا فقد أصابني الألم من أن مثل هذه النماذج تنتسب للإسلام.. فقلت لها: ألم تسمعي عن تلك الأمريكية التي أسلمت منذ حوالي عشرين سنة وهي تحاول خلال هذه المدة أن تنطق باللغة العربية فلم تستطع، ولكن العجيب أنها حفظت القرآن الكريم أما ما عداه من الكلام فلا.. وأنت نشأت في بلد مسلم عربي وبين أبوين مسلمين عربيين.. وتتنكرين لدينك ولغتك وبلدك.
فارق كبير بينك وبين تلك الأخت التي التقيت بها من بلاد البوسنة وتحدثت معها.. وقد كانت تجيد اللغة العربية الفصحى وعندما أومأت على صغيرتها التي أشبه ما تكون بالدمية لشدة جمالها وقد ألبستها ثوبًا طويلاً ساترًا.. فسألتها: ما اسمك يا حلوتي؟
قالت بلهجة عربية فصيحة وبالحركات: فَاطِمَة.
لقد أثلجت صدري وغرست في وجداني زهرة الأمل الجديد لنصرة دين الله.. وبمثل هؤلاء يعز الدين وينتصر.
أخية: إن أعداء الإسلام يسعون جاهدين لمحو معالم ديننا الحنيف ومن ذلك لغتنا العربية، أتدرين لماذا؟ لأنها لغة القرآن الكريم مصدر عزّنا ومكانتنا وسعادتنا في الدارين، يحاولون أن يصبغوا حياتنا بصبغة غربية من جميع النواحي.. في اللباس.. الكلام.. العادات.. والتقاليد.. وللأسف وجدوا المستجيبين والمقلدين لهم من أمثالك من باب مواكبة الحضارة والتقدم المزعوم.. وأي حضارة التي تجعلك تخرجين مبتذلة.. عارية.. ليس لك شخصية مستقلة تخصك.. إنه عين الانهزامية والتخاذل أن ننساق وبهذه السهولة لأعدائنا ونصبح إمَّعة لكل وافد من بلاد الأعاجم وقد يكون مخالفًا لديننا.. ونحن مَنْ خصّنا الله بأسمى الرسالات.. بل وجعلنا من خير الأمم.. ووكلنا بأعظم المهام " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " [آل عمران: 110] نحن من جُعل خاتم النبيين والمرسلين منا.. أين أنت من مقولة فاروق الأمة: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله».
أخية: إن هذا العالم ليس عالمك.. هذه العادات ليست عاداتك.. أنت لم تخلقي لهذا.. ومع حماسي أثناء الكلام، أظهرت نوعًا من اللامبالاة والاشمئزاز ويبدو أنها لم تعجبها كلماتي.. ولم تُرق لها عباراتي.. فودعتني ملوحة بأطراف أصابعها.. باي.. باي.. أراك مرة أخرى.. أنا مشغولة الآن.
أما أنا فقد اعتصر قلبي حزنًا لحالها ودعوت الله أن يهديها ويفتح على قلبها ويريها الحق حقًا وييسر لها سلوكه. اهـ.
مختارات