" ليلة فرح .. وترح "
" ليلة فرح.. وترح "
إنها ليلة العمر السعادة تغمر الوجوه المهنئة.. الأهل والأصحاب والأقارب أتوا من كل حدب وصوب لحضور هذه المناسبة السعيدة.. وهدى تكاد تخفي فرحتها المشوبة بالحياء والخجل وتنتابها حالات الرهبة والخوف لصعوبة الموقف مشاعر متضاربة تحاول إخفاءها فلا تستطيع.. لقد تكلف الأهل كثيرًا وبذلوا جهودًا كبيرة وأنفقوا الأموال الطائلة لهذه المناسبة وبدت مظاهر التفاخر والكبرياء تلوح أعلامها في كل شيء.. الأثاث.. الملابس.. الحلي حتى المطاعم والمشارب إنها فرحة ابنتهم آخر العنقود.. جاءت اللحظات الحاسمة وأقبل المدعوون زرفات ووحدانًا..وأُضيئت الأنوار، وقرعت الطبول، والدفوف، وأخذ كثير من النساء يتباهين بما سترن به أجسادهن من ملابس شفافة وضيقة ومفتوحة وبالطبع باهظة الثمن والحقيقة لا ستر.. تسمَّرت الأبصار وأصغت الأسماع لكلمات الغناء الفاحش المبتذل والتي انطلقت من حناجر المغنيات.. النفوس مشتاقة للرقص واللهو والطرب.. وبالفعل انطلق ثلة من النساء يتراقصن يهزهن الطرب هزًا.. ويعبث بهن الشيطان عبثًا ومن حولهن المتفرجات قد شدهن طريقة الرقص بأنواعه فمن فاغرة فاها ومن مبتسمة لهذا العبث العجيب، ومن مشجعة بالمرح والتصفيق، وبينما هم كذلك وفي قمة تحمسهن وقد غطت الغفلة العقول وقبل ذلك القلوب والإيمان يستغيث ويستنجد يشعر بالغربة في دنيا مسعورة متلهفة للهوى والشهوة.. ووسط هذا الصخب والضجيج وحماس الرقص والغناء والتصفيق إذا بامرأة ممن لعب الشيطان بعقلها فسترت جسدها بثوب جله فتحات أبدت من خلاله المفاتن والعورات.. أخذت تتفنن في الرقص وقد أسعدها نظرات الإعجاب والدهشة من النساء.. وأبهجتها كلمات التشجيع والثناء والإطراء والتي انطلقت من أفواههن.. وقد بذلت قصارى جهدها لتنال استحسان النساء وأي عقول هذه عندما تكون هذه التوافه أكبر اهتمامهن.. وفجأة وبينما هي كذلك إذ بهذه المرأة تسقط على الأرض.. تسقط ولا حراك.. فيتوقف الغناء وتكف الأيدي عن التصفيق.. ويذهل الجميع وتتراجع بعض النساء.. بينما تتقدم أخريات لمساعدتها وهن يرددن قد يكون دوار أصابها جراء الرقص.. قد.. وقد وقد.. احتمالات عدة ولا يعلمن ما الصواب.. حُملت.. ووضعت في غرفة قريبة علَّها تستيقظ.. رشوها بالماء.. حركوها.. قلبوها.. وزادت دهشتهم تحول لونها الجميل الأبيض والمشرئب بحمرة إلى سواد وظلمة – والعياذ بالله – لم يجدوا محيدًا من الذهاب بها إلى أقرب مستشفى وفي أسرع وقت ممكن كان هذا في منتصف الليل، وهناك تحسس الطبيب نبضات قلبها.. ليفاجئهم بأنها قد فارقت الحياة لحظة سقوطها.. وما بها من علة إلا أن أجلها قد حان.. حان أجلها وهي على تلك الحال.. وختم لها بذلك العمل.
أمّا العروس هدى فقد انقلب فرحها حزنًا.. وهي تسمع همسات النساء اللاذعة.. إنها ليلة نكد.. هذا ليس فرح.. تفرق الحضور قبل تناول العشاء.. وخيم الصمت على المكان ونشر الحزن والكآبة ظلاله على أهل العروسين، بل وأوحش المكان.. وحقًا أمرٌ يبنى على انتهاك محارم الله وارتكاب الذنوب والمعاصي فإنه يكون شؤمًا ووبالاً على صاحبه.. وأنى يجد التوفيق طريقًا إليه وهو في ظل الشيطان وكنفه؟!! - فنسأل الله العافية والسلام والسلامة -.
مختارات