" الجهـاد "
" الجهـاد "
أمرني الإسلام بالجهاد عند وجوبه، ولو كان ذلك شاقاً على النفس التي تحب الراحة وتؤثر السلامة، فإنه لابد منه لمواجهة الأعداء، ولم يكتب للإسلام النصر إلا بعد الحرب.
قال الله تعالى: " كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ " [البقرة: 216].
وللجهاد والمجاهدين فضل كبير لا يوصف، فإن العمل الشاق يترتب عليه أجر على قدره.
كما أنه يتسنم مرتبة عليا بين أولويات الدين، فقد ورد في حديث صحيح أن أحب عمل إلى الله وأفضله بعد الإيمان بالله هو الجهاد، وفي حديث آخر بعد الإيمان والصلاة، وفي ثالث بعدهما وبعد بر الوالدين..
والأمور التي تتعلق بالجهاد تأخذ مجراها من الأجر العظيم، فالحراسة والبقاء في ثغور الإسلام في مجابهة العدو ورد فيه أكثر من حديث، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلمفي الحديث المتفق عليه: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها» وفي حديث عند مسلم: «خيرٌ من صيامِ شَهْرٍ وقِيامِهِ» وعند الترمذي وحسنه: «خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل».
ومنزلة الشهيد في الجنة كبيرة عالية، لا يفضلها سوى درجات الأنبياء والصديقين، ولهذا ود رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغزو فيقتل، ثم يغزو فيقتل، ثم يغزو فيقتل، كما ذكره مسلم.
وروى البخاري قوله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض».
وكفى أنهم " أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ " [آل عمران: 169-170].
والإنفاق على الجهاد ومساعدة المجاهدين وذويهم بمثابة الجهاد نفسه، ففي الحديث المتفق عليه: «جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله بخير فقد غزا».
وفي حديث رواه الترمذي وحسنه: «من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبعمائة ضعف».
وقد يقاس على ذلك صنع الأسلحة إذا ابتغى بها الجهاد ضد العدو للفتك بهم، وكلما كانت النكاية أكبر كان الأجر أكبر.
وكذلك التخطيط للحرب، مما يسمى بالإستراتيجية العسكرية وخططها الحربية، فـ«الحرب خدعة» كما في الحديث المتفق عليه.
وكذا الإعلام العسكري، لتقوية معنويات المجاهدين، وإثباط عزائم الأعداء، والتصدي للإشاعات، وإثارة الرأي العام لصالح الجهاد وأهله.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بإسناد صحيح: «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غزا قال: «اللهم أنت عضدي ونصيري، بك أجول وبك أصول وبك أقاتل» كما رواه الترمذي وحسنه.
وليتنبه المجاهد إلى الدين الذي عليه، فإنه يغفر له كل ذنب اقترفه ما عدا الدين، لأنه يتعلق به حقوق العباد.
وعلى أن يكون قد استشهد وهو مقبل على مصارعة الأعداء، لا منهزماً منهم، ويكون ذلك بصبر وثبات، واحتساب أجر وثواب، من عند الله العزيز الرحيم.
ولينظر من أجل ماذا يُقاتل، فإن النية هي التي تحدد المصير، وفي الإسلام يطلق الشهيد على: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله» كما في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم.
لله وحده، ولدينه وحده، لا لشيء آخر، وليدع بعد ذلك من شاء أن يدعيه.
ومن رحمه الله سبحانه بعباده أن أعطى مثل ثواب الجهاد لمن تمناه بصدق، وبلغه منزلة المجاهدين وإن مات في غير ساحة حرب !
حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: «من سأل الله الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه».
ولينظر المرء إلى كلمة «بصدق» التي وردت في الحديث، وليجرب، فإنه لا يقدر أن يتمناه أحد بحق إلا المخلصون الذين يتمنون الشهادة، ويتضرعون إلى الله تعالى أن يرزقهم الموت في سبيله، ويذرفون دموعاً حرى، ويلهجون بالدعاء في أوقات الإجابة وفي السحر، ولا يملون من ذلك.
وقد يكون عدم مشاركتهم في الجهاد لأسباب وأسباب، كمرض وإعاقة وفقر واحتباس ونحوه، ولكنهم يدعون الله لإخوانهم المجاهدين في كل مكان، أن يقويهم ويسددهم ويوحدهم وينصرهم على أعدائهم أعداء الدين.
وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «إن بالمدينة لرجالاً ما سرتم مسيراً، ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم المرض» وفي رواية: «إلا شركوكم في الأجر».
ولا يغيب عن المسلم قصة المجاهدين الفقراء، الذي ما كانوا يجدون عدة السلاح ليجاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكانوا ينصرفون وهم حزينون، يبكون بحرقة وألم، وبين أجرهم رب العزة ضمن الذين لا حرج عليهم من أن يتخلفوا عن الجهاد، فقال: " وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ " [التوبة: 92].
أما ترك الجهاد، أو عدم التفكر به وتمنيه، فهو صفة من صفات المنافقين، ففي حديث رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو، مات على شعبة من النفاق».
وعند أبي داود بإسناد صحيح: «من لم يغز، أو يجهز غازياً أو يخلف غازياً في أهله بخير، أصابه الله بقارعة قبل يوم القيامة».
والقارعة: الداهية والمصيبة.
وأخيراً، فإن الجهاد متعلق بعزة الأمة، ولا قيمة ولا هيبة لأمة تتمتع بقوة عسكرية رادعة، ولهذا ورد في القرآن الكريم: " وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ " [الأنفال: 60].
والذل والهوان مصير من ترك الجهاد.
مختارات