" السهر مصيبة كبيرة "
" السهر مصيبة كبيرة "
السهر – يا فضيلة الشيخ – إلى وقت متأخر من الليل آفة عمت معظم أفراد الناس، وترتب على ذلك -حفظكم الله- التخلف البين عن صلاة الفجر، بالإضافة إلى الإرهاق الذي يلازم بعض الموظفين والطلاب من جراء ذلك السهر، هل من توجيه؟
الجواب: إن السهر مصيبة عظيمة، أصيب بها العالم عمومًا، ولا شك أن السهر وعدم إعطاء النفس حقها من الراحة هذا ينعكس على النفس في أداء أعمالها ولو أردنا أن نتوسع في هذه النقطة ونقول: ليس الضرر محصورًا بأنه يتخلف عن صلاة الفجر وإنما السهر دائمًا مضر جدًا بالإنسان، مسلمًا كان أو كافرًا ولهذا تجد أن الناس الذين يُعنون بتنظيم حياتهم عندهم تنظيم للوقت، فنصيبهم من النوم لا يتركونه حتى تؤدي الأعمال على ما ينبغي، وهناك دراسة إقتصادية في قضية السهر في الدول النامية، فالدول النامية السهر فيها غريب جدًا، فالمحلات التجارية تفتح إلى آخر ساعة من الليل أو إلى ساعة متأخرة من الليل، بينما كثير من الدول المتطورة لا تجد هذه المحلات مفتوحة في الليل، هذا من أسباب السهر، فعلى سبيل المثال أنا جالس في بيتي فأخرج إلى الشارع أجد المحلات مفتوحة، أجد الشوارع مزدحمة، أجد كل شيء كأني في النهار، فوسائل السهر مهيأة للناس، الإعلام أيضًا ساهم في هذا الأمر فالمسلسلات والبرامج الجذابة مستمرة إلى آخر ساعة من الليل. وهذا له آثاره المحسوسة الملموسة على الإنتاج وإتقان العمل إلى جانب وهو الأهم ضياع الصلاة عند المسلمين أو أدائها في غير وقتها فتجد أن الناس فعلاً في المصانع أو في الأعمال الوظيفية وفي المكاتب الحكومية، معظم الموظفين تجد الواحد منهم عليه علامات الإعياء والتعب والسهر وهو يؤدي العمل؛ لأنه لا ينام من الليل إلا ساعات قليلة، هذا إن كان من المصلين، وإن كان من الذين يتساهلون في الصلاة فيتأخر عنها ويصليها في ليته أو ربما يصليها خارج الوقت، فأقول بأن السهر حقيقةٌ ظاهرةٌ سيئةٌ يجب أن يكون هناك عناية بأمرها من عدة جهات:
أولاً: التحذير من السهر عن طريق التعليم على اختلاف المراحل.
ثانيًا: التوعية الكاملة عن طريق وسائل الإعلام توعية الآباء والأمهات والمربين؛ توعيتهم وتحذيرهم من أضرار السهر.
ثالثًا: ألا تكون هناك برامج تدعو للسهر وتشجع عليه، وبالنسبة للمحلات التجارية ينبغي أن تغلق في ساعة مبكرة من الليل، وهذه المسألة ينبغي أن تلقى عناية ودراسة من الجهات ذات الاختصاص؛ نعم، دراسة اقتصادية ودراسة صحية ودراسة اجتماعية ودراسة نفسية، هذه الأمور كلها مؤثرة على الناس في صحتهم وفي اقتصادهم وفي حياتهم الاجتماعية ومن سلبيات هذه الظاهرة ما نلاحظه من كثرة الطلاق في أيامنا بسبب السهر، فمثلاً شخص يتزوج فتاة ويأتي بها من بيت أبيها ويجعلها بين جدران أربعة، لا يأتيها إلا بعد الساعة الثانية أو الثالثة صباحًا، وربما أنه يجدها نائمة أو يجدها تسهر تنتظره، فهذا الأمر يجعلها تتضايق ولا تحس بالسعادة ولا تحس بالحياة السعيدة مع زوجها وبالتالي يقع ما يقع من مجادلة، ولا تستقبله بنفسه طيبة، بنفس منشرحة وإنما على مضض؛ مجاملةً والصبر ينفد، فتجدها مثلاً لا تحقق له كل طلباته فيتنازعان ثم بعد ذلك يحصل الطلاق.
كذلك أيضًا المظاهر التي تحدثنا عنها في البداية من الأمراض النفسية والوساوس وغير ذلك، السهر له إسهام عظيم فيها، لأن الإنسان إذا ارتاح وأخذ قسطه من النوم اطمأنت نفسه وهدأ باله واستيقظ نشيطًا كما جاء في الحديث «إذا نام أحدكم عقد الشيطان عليه ثلاث عقد، فإذا استيقظ وذكر الله انحلت عقدة، فإذا توضأ انحلت عقدة، وإذا صلى انحلت عقدة، فيصبح طيب النفس منشرح الصدر» (البخاري ومسلم)، بينما الآخر الذي يستيقظ ولا يذكر الله ولا يتوضأ ولا يُصلي تجده خبيث النفس كسلان متعصبًا غضبان لا يحب أن يكرر أحد معه الكلام إلا بعد ساعتين أو ثلاث وبعد أن يشرب الشاهي وبعد أن يستيقظ ويمشي في الطريق ويقود السيارة ويتكلم، بعدها تنشرح نفسه ويطمئن باله، فهذا من أضرار السهر والتخلف عن صلاة الفجر، ومن أعظم الأسباب التي تجعل الناس يتخلفون عن هذه الفريضة التي تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار، أكثر الأسباب لذلك هو السهر.
فالسهر في الحقيقة ظاهرة سيئة ينبغي أن تُعالج من جميع الأطراف ومن جميع الجهات، من الجهات التعليمية ومن الجهات الحكومية ومن وسائل الإعلام وغير ذلك مما ذكرنا في هذا الكلام.
مختارات