" حكم قراءة الفاتحة في الصلاة "
" حكم قراءة الفاتحة في الصلاة "
1- يرى جمهور العلماء أن قراءة الفاتحة في كل ركعة من ركعات الصلاة ركن من أركانها، سواء أكانت صلاة فرضًا أم نفلًا، سرًا أم جهرًا، وسواء أكان المصلي إمامًا أم مأمومًا أم منفردًا، فلا تصح الصلاة بدونها مع القدرة عليها؛ لأن ذلك شرط في صحتها، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد.
2- وذهب الثوري والكوفيون وأبو حنيفة إلى أن الصلاة تجزئ بقراءة ما تيسر من القرآن؛ آية طويلة، أو ثلاث آيات قصار، أو سورة قصيرة.
3- وذهب الحسن البصري وغيره إلى أن قراءة الفاتحة واجبة مرة واحدة في كل صلاة.
أدلة المخالفين لقول الجمهور والرد عليها:
وقد استدل أبو حنيفة ومن معه بقوله تعالى: " فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ " [المزمل: 20] وبحديث المسيء في صلاته، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «ثم اقرأ ما تيسر من القرآن»( ينظر الحديث بتمامه للشيخين وغيرهما في «جامع الأصول).
قالوا: وهذا يدل على أن المصلي يقرأ أي شيء يتيسر له من القرآن، وهو مردود بأن المراد بالقراءة في الآية: هو تلاوة القرآن بعد الفاتحة بما يتيسر منه، وذلك في صلاة التهجد، كما يدل عليه أول الآية: " إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ " [المزمل: 20]، وليس المراد قراءة الفاتحة نفسها.
أما حديث المسيء في صلاته، فهو يشير أيضًا إلى القراءة بعد الفاتحة بما يتيسر من القرآن، ويوضحه ويفسره الرواية الأخرى للحديث: «ثم اقرأ بأم القرآن» (صحيح ابن حبان).
وقالوا في حديث: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» أي: لا صلاة كاملة، فهو نفي للكمال، لا لحقيقة الصلاة وصحتها.
من أدلة الجمهور:
واستدل الجمهور على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من الصلاة بأحاديث؛ منها:
1- ما رواه الجماعة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» (أخرجه الجماعة إلا مالكاً).
2- وعن أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجزئ صلاة لا يُقرأ فيها بفاتحة الكتاب» (رواه ابن خزيمة وابن حبان وأبو حاتم).
3- وفي الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه: «أُمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر»(ينظر: «جامع الأصول» وقد أخرجه أبو داود بإسناد صحيح، ولفظ الحديث لمسلم وهو في البخاري وعند أبي داود وابن ماجة والترمذي و«المسند» وابن حبان).
4- وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، يقولها ثلاثًا» (أخرجه مسلم).
5- وعن أبي هريرة أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، فما زاد» (أبو داود ).
والمراد في الأحاديث السابقة نفي حقيقة الصلاة؛ أي: أن صلاة العبد بدون قراءة سورة الفاتحة لا تصح.
6- ويؤيد قول الجمهور حديث مسلم وغيره عن أبي قتادة أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين، ويُسمعنا الآية أحيانًا، وكان يُطول في الركعة الأولى من الظهر، ويقصر في الثانية، وكذلك الصبح، وفي رواية: ويقرأ في الركعتين الأخيرتين بفاتحة الكتاب (هذه رواية أبي داود والنسائي، انظر: رواية الشيخين وغيرهما في «جامع الأصول» والحديث في «صحيح مسلم» بهذا اللفظ وفي البخاري).
7- ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعة واحدة، أو أي صلاة بدون الفاتحة، ولا أحدًا من خلفائه، أو أصحابه وأتباعه بإحسان، رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
وما دامت الأحاديث قد صحت في قراءة الفاتحة في الصلاة في كل ركعة منها، فلا مجال للخوف في ذلك، وقد أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ الفاتحة في كل ركعة من ركعات الفرض والنفل، ولم يثبت خلاف ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم في حديث مالك ابن الحويرث: «صلوا كما رأيتموني أصلي»(أخرجه البخاري ومسلم).
حكم من لم يحفظ الفاتحة:
الأصل أن الصلاة لا تجزئ إلا بقراءة الفاتحة، فإن كان المصلي لا يحسنها، ويحسن سبع آيات غيرها من القرآن كان عليه أن يقرأها، وإن كان غير عربي ولم يحفظ شيئًا من القرآن كان له أن يذكر الله تعالى قدر الفاتحة بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير.
عن رفاعة بن رافع رضى الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم رجلًا الصلاة، فقال: «إن كان معك قرآن فاقرأ، وإلا فاحمده وكبره وهلله ثم اركع» (ينظر الحديث بتمامه في جامع الأصول).
هل يقرأ المأموم الفاتحة؟
أجمع العلماء على أن قراءة الفاتحة تسقط عن المأموم إذا أدرك الإمام حال ركوعه، أما إذا أدركه قائمًا قبل الركوع، فهل تكفيه قراءة الإمام للفاتحة أم لابد له من قراءتها؟
(أ) ذهب الشافعي وأحمد إلى وجوب قراءة الفاتحة خلف الإمام، سواء أكانت الصلاة سرية أم جهرية، وأن صلاته لا تصح بدونها، مستدلًا بحديث عبادة بن الصامت السابق: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
(ب) وذهب مالك إلى أن المأموم يقرأ الفاتحة خلف الإمام في الصلاة السرية دون الجهرية، وإن تركها في الصلاة السرية فقد أساء ولا شيء عليه، واستدل بالحديث السابق، ويمنع القراءة في الصلاة الجهرية؛ لوجوب الاستماع إلى الإمام وهو يقرأ، لقوله تعالى: " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ " [الأعراف: 204].
(ج) وذهب أبو حنيفة إلى أن المأموم لا يقرأ شيئًا في الصلاة السرية، ولا في الصلاة الجهرية أخذًا من الآية السابقة، ولحديث جابر: «من كان له إمام فقراءة الإمام قراءة له» (صحيح الجامع).
ولحديث أبي هريرة: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به؛ فإذا كبر كبروا، وإذا قرأ فأنصتوا» (أخرجه البخاري ومسلم).
وما عليه الجمهور من أن على المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية معًا هو الذي يُجمع به بين الأدلة خروجًا من الخلاف.
مختارات