" من أسباب دفع العقوبات : شكر النعم "
" من أسباب دفع العقوبات: شكر النعم "
إن شكر النعمة التي ينعم بها الله سبحانه وتعالى على الأفراد أو على الجماعات والمجتمعات سبب لاستقرارها وثبوتها، أما عدم الشكر فإنه يؤدي غالبًا إلى العقوبات الخاصة أو العامة، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه ما عاقب به كل شخص على كفره، فيجب علينا أن نشكر الله على نعمه سواء كانت دينية أو دنيوية.
والله سبحانه يحب شكر النعم التي أنعم بها علينا، فمن أسمائه الحسنى: (الشكور) أي الذي يعطي الثواب الجزيل على العمل القليل، قال تعالى: " إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا " [الإنسان:22].
وأخبر سبحانه وتعالى أنه أسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنة وأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، بسؤال الله الإعانة على ذكره وشكره بعد كل صلاة، فيقول أحدنا: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك [مسند الإمام أحمد 5/244].
وحيث إن شكر النعم سبب لزيادتها، وكفرها سبب للنقص ونزول العذاب فلنذكر في هذا المقام آيات وأحاديث في الشكر:
أولًا: إن شكر النعمة سبب للزيادة، قال تعالى: " لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ " [إبراهيم:7].
ثانيًا: أمره لرسله والمؤمنين بالشكر، والله لا يأمر إلا بالواجب المهم. قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا " [المؤمنون:51].
وكذا أمره لعموم المؤمنين بالشكر، قال تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ " [البقرة:172].
ثالثًا: تسميته لأنبيائه ورسله وعباده المؤمنين بالشاكرين قال تعالى عن نوح، عليه السلام: " إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا " [الإسراء:3].
رابعًا: ثناء الله على إبراهيم، عليه السلام، بالشكر، قال تعالى: " إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [النمل:120،121].
خامسًا: طلب كثير من رسله وعباده المؤمنين الإعانة على الشكر، قال تعالى عن سليمان عليه السلام: " رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ " [النمل:19].
سادسًا: أن الشكر مقترن بالأعمال الصالحة، ولا يسمى الإنسان شاكرًا إلا بالعمل قال تعالى: " اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا " [سبأ:13].
سابعًا: إن الشاكرين هم القلة القليلة من الناس، قال تعالى: " وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ " [سبأ:13].
ثامنًا: إن مصلحة الشاكر عائدة إلى نفسه ومجتمعه قال تعالى عن لقمان الحكيم: " وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ " [لقمان:12].
تاسعا: أن عاقبة كفر النعم وعدم شكرها وخيمة، قد تؤدي إلى الهلاك والدمار العام، قال تعالى: " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ " [النمل:122] وكذلك ما قصه الله علينا من قصة سبأ.
عاشرًا: أن الشكر يؤدي إلى صرف العذاب، قال تعالى: " مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا " [النساء:147] أي ما يصنع بعذابكم إن شكرتم نعمته، وآمنتم به وبرسوله، وكان الله شاكرًا للقليل على أعمالكم، عليمًا بنياتكم.
الحادي عشر: يتمثل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام:
أولًا: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشكر النعمة حتى كان صلى الله عليه وسلم يدعو بعد كل صلاة بالإعانة عليه «اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك».
ثانيًا: وصف من لا يشكر القليل بأنه لا يشكر الكثير، قال صلى الله عليه وسلم: «من لا يشكر القليل لا يشكر الكثير» [مسند الإمام احمد 5/244].
ثالثا: تعويد الناس شكر بعضهم لبعض على المعروف، تأديبًا لهم ليشكروا فاطر السموات والأرض، قال صلى الله عليه وسلم: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» [صحيح الجامع رقم:3025].
رابعًا: نسبة النعمة إلى موليها ومسديها، وهو الله سبحانه وتعالى، حيث إن النسبة لغيره كفر كالنسبة للطبيعة أو النجوم أو غير ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «قال الله أصبح من عبادي مؤمن وكافر فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي وكافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب» [صحيح الجامع رقم: 1326] وهذا يحكي واقعنا المعاصر. نسأل الله السلامة.
خامسًا: اهتمامه صلى الله عليه وسلم بشكر النعم الدينية التي أنعم الله بها عليه، كغفران ذنبه ما تقدم منه وما تأخر قال صلى الله عليه وسلم: «لما قام حتى تفطرت قدماه أفلا أكون عبدًا شكورًا».
فينبغي لنا أن نحمد الله – عز وجل – لأنه يستحق الحمد والمدح والثناء، وأن نشكره على آلائه التي لا تعد ولا تحصى، وأن لا نقتصر على الشكر باللسان فقط بل أن يكون بالقلب واللسان والجوارح، لأن النعم كثيرة وعظيمة.
حقيقة الشكر:
حقيقة الشكر: إظهار النعمة والاعتراف بها لله تعالى على وجه الخضوع. قال تعالى: " وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ " ولا يظن أن الشكر باللسان، فالجوارح كلها عناصر الشكر، ورأس الشكر العمل، قال تعالى: " اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا " [سبأ:13].
ومن الشكر عدم استعمال النعم في المعاصي فبعض الناس قد آتاه الله مالًا كثيرًا فيصرفه في معصية الله سبحانه وتعالى، من شراء الخمور وآلات اللهو والمزامير وغير ذلك، ولا يدري أن الله سبحانه وتعالى سيسأله عن المال من أين اكتسبه وفيما أنفقه؟!
فيجب الشكر على البشر عمومًا، وعلى من كان في بلاد الخير خصوصًا، وقد قص الله علينا عاقبة الذين كفروا النعمة، قال تعالى: " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ " [سبأ:15-17].
فصار أمر الجنتين عن اليمين والشمال بعد الثمار الناضجة والمناظر الحسنة والأنهار الجارية أن تبدلت إلى شجر الأراك والطرفاء والسدر ذي الشوك الكثير والثمر القليل، وذلك بسبب كفرهم وعدم شكرهم للنعم.
فيتبين لنا مما سبق أن شكر النعم سبب عظيم من أسباب دفع العقوبات من الله سبحانه وتعالى.
(نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا ذكره وشكره).
مختارات