" من أسباب دفع العقوبات : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
" من أسباب دفع العقوبات: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
إن أهم صفة ميز الله بها هذه الأمة عن غيرها من الأمم وشهد لها بالخيرية على تحقيقها وأكد عليها، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فقد أرسل الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، لعموم الناس: " يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ " [الأعراف:157] فمدار الإسلام كله على الأمر والنهي، فما أمر الله به ورسوله ففعله طاعة، يؤمر به، وما نهى الله ورسوله عنه فمعصية، ينهى عنه.
فالدين الإسلامي كله خير، ومعروف يلزمنا اتباعه، فإذا خرج الناس عن هذا (الخير) أو خالفوا أتوا بضده وهو الشر (المنكر) الذي يجب النهي عنه.
فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مما أنزل الله به كتبه، وأرسل به رسله، وهو من أهم فرائض هذا الدين، ولذا ذكره الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع، فمرة يكون تركه سببًا لاستحقاق اللعن، وأخرى يكون سببًا لنزول العقوبة والعذاب، وثالثة يكون تركه صفة من صفات المنافقين أعاذنا الله من النفاق.
والقيام به صفة من صفات المؤمنين، رزقنا الله الاستقامة على دينه، والثبات عليه، وقد قرنه الله سبحانه وتعالى بالصلاة والزكاة، امتنانًا على من مكنهم في الأرض، وتذكيرًا لهم بهذا الواجب. فقال تعالى: " الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ " [الحج:41].
فالأمر والنهي قوام المجتمع وصلاحه وترابطه، ومحبة بعضه لبعض، حيث به يظهر التناصح والتآزر، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرًا فليغيره، بيده فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [أخرجه مسلم، رقم:549] وقال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده» [صحيح الجامع:1970].
ومتى حوفظ على الأمر والنهي حوفظ على المجتمع كله من الدمار، نسأل الله العفو والعافية.
وقد قص الله تعالى علينا من أخبار الأمم السابقة إن تركوا هذا عمهم الله بعقاب من عنده ولم ينج منه إلا من كان يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر فقال: " وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ " [الأعراف:163- 166].
ففي هذه الآيات نبأ عظيم لمن أنار الله بصيرته، يقول ابن عباس – رضي الله عنه –: (قسم الله هذه الأمة (أي بني إسرائيل) إلى ثلاثة أقسام: قسم: عملوا المنكر، وهو الصيد في السبت، وقسم: خذلوا الذين يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، والذين أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، فلما نزل العذاب أهلك القوم الأولين، ونجى الله القسم الثالث من المسخ إلى القردة والخنازير، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر).
ويكفي في ذلك قول الحق تبارك وتعالى: " وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " [هود:117] أي مصلحون بالدعوة إلى الله، وبالأمر بالمعروف، والنهي على المنكر، وإرشاد العباد لعبادة ربهم، ولم يقل الصالحون لأن صلاح الفرد قد لا يتعدى إلى غيره، أما المصلح فتعدى صلاحه لغيره بالدعوة والقدوة، ويبقى أثره قرونًا عديدة بسبب الإصلاح، كما هو عليه أئمة المسلمين من المصلحين كابن حنبل وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وأحفاده إلى يومنا هذا – يرحمهم الله -.
وليعلم أن من تهاون في هذا الواجب أو قام ضده فإنه يكون فيه خصلة من خصال المنافقين، بل يكون منافقًا، قال تعالى: " الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ " [التوبة:67].
فيجب علينا جميعًا أن نعزز هذا الواجب من ديننا، وأن نسانده ومن قام به، ونؤيدهم تأييدًا معنويًّا وحسيًّا، وينبغي لنا أن نتنافس في الأمر والنهي بالقول والعمل والحال، وأن نعين القائمين به ما استطعنا فإن القائمين بالأمر والنهي هم ورثة الرسل، وخيار الموعودين بالنصر والظهور والاستخلاف في الأرض والأمن والفلاح، والرسل لم يبعثوا إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
نسأل العلي القدير أن ينصر دينه، ويعلي كلمته وأن يجعلنا من أنصاره العاملين به.
مختارات