" من أسباب دفع العقوبات : اجتناب الظلم "
" من أسباب دفع العقوبات: اجتناب الظلم "
الظلم هو التعدي على الناس في دمائهم أو أموالهم أو أعراضهم أو أبشارهم بغير حق قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم – وفي لفظ وأبشاركم – عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا» [أخرجه البخاري رقم:67].
وقال صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» [أخرجه مسلم رقم:2580] وقد أخبر، صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال في الحديث القدسي: «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا» [أخرجه مسلم رقم:2577].
وقال صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» [أخرجه مسلم رقم:2578] وتوعد من أخذ شيئًا بغير حق قال: «من ظلم قيد شبر من أرض طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين» [أخرجه مسلم رقم:1612].
فالظلم من أعظم أسباب العقوبات، وتسليط الظالمين بعضهم على بعض، كما قال تعالى: " وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا " [الأنعام:129] كما أنه من أسباب الحرمان الكوني والشرعي من الطيبات، قال تعالى: " فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ " [النساء:160].
وكذلك هو من أسباب العقوبات البليغة التي تهلك بها المجتمعات. قال تعالى: " وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا " [الكهف:59].
فلا يتجرأن أحد على الظلم، ولا يغتر بإمهال الله، ففي الحديث الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ " وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ " ». [أخرجه البخاري رقم:4686].
والظلم واقع من كثير من الناس في هذا الزمان، فالغيبة والنميمة والبهتان والكذب والحسد والضغينة والحقد والتجسس والغش والغدر والخيانة والدعوى الباطلة والأيمان الكاذبة الفاجرة التي يقصد بها أكل أموال الناس بالباطل، والتشفي منهم بغير حق، كل ذلك من الظلم المحرم، وكذلك السرقة ونهب الأموال، والرشاوى والمعاملة بالربا، وسفك الدماء بغير حق ومنع الحقوق عن أهلها ومستحقيها، كل ذلك من الظلم الذي هو ظلمات يوم القيامة.
فيجب على كل مسلم ناصح لنفسه، أن يتوب إلى الله من الظلم، وأن يرد المظالم إلى أهلها قبل أن يأتي يوم لا دينار فيه ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ من حسناته وإن لم يكن له علم صالح أخذ من سيئات صاحبه فطرح عليه ثم طرح في النار.
فترك الظلم من أسباب النجاة من الهلاك والشقاء في الدنيا والآخرة، لأنه علو في الأرض وفساد يقتضي الحرمان من العافية والحياة الكريمة.
فيجب علينا أن نتحرز من الظلم سواء كان في الأعراض أو الأموال أو الأبدان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره» [أخرجه مسلم رقم:2578]، وقال: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وعرضه وماله» [أخرجه مسلم رقم:2578] فالنبي صلى الله عليه وسلم ربط أخوة المسلم لأخيه بعدم الظلم في الدم والمال والعرض وجعلها محرمة.
ولذا فقد جعل الله سبحانه وتعالى العاقبة الحميدة للذين لا يريدون علوًّا في الأرض ولا فسادًا وهي الرفعة في الدنيا، والخلود في الجنان في الآخرة.
فيجب علينا ترك الظلم والابتعاد عنه خشية من عقوباته في الدنيا والآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أحرى أن يعجل الله له عقوبة من البغي – أي الظلم – وقطيعة الرحم» [أخرجه الترمذي رقم 2513، أبو داود رقم:4902].
وأخبر صلى الله عليه وسلم، أن دعاء المظلوم مستجاب على ظالمه، كما في حديث معاذ – رضي الله عنه - «واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب» وفي حديث آخر «دعوة المظلوم يرفعها الله إلى الغمام، ويقول: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» [البخاري رقم: 4347 ومسلم رقم:26].
قال تعالى: " تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ " [القصص:83] قال سعيد بن جبير في العلو: هو البغي.
ولهذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعض عقوبات الظلم تحذيرًا من تجاوزه، وانتهاك حرمته، فقال: «ما من راع يسترعيه الله رعية فيموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» [أخرجه البخاري رقم:7150 ومسلم رقم:227].
فالغش هو الظلم، وعدم النصيحة لهم في أمور الدين والدنيا، ويكفي هذا عقابًا وخذلانًا لمن انتهك حرمة الله، وقال صلى الله عليه وسلم: «من ظلم قيد شبر من أرض طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين» [أخرجه مسلم رقم:1413] فهذا عقاب شديد لمن تعدى حدوده إلى حد غيره.
ولذلك لعنه النبي صلى الله عليه وسلم، «لعن الله من غير منار الأرض» [أخرجه مسلم رقم:1978] اللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله – عز وجل – وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان له زوجتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل» [أخرجه أبو داود والترمذي].
فهذا تحذير شديد، ووعيد أكيد، لمن لم يعدل بين الزوجات وقد لعن الله سبحانه وتعالى الظالمين في أكثر من موضوع في كتابه العزيز فقال: " أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ " [هود:18] (اللعن): الطرد والإبعاد من رحمة الله، فمن طرد وأبعد عن الرحمة فلا صلاح له، ولا فلاح، فيجب على الجميع التحرز عن هذا الخلق لئلا ينزل عليهم سخط الله وعقابه، (نسأله الله السلامة والعافية في الدين والدينا).
مختارات