الحمد لله كثيرا
سبحان ربي! تأمل هذه الجملة البسيطة " الحمد لله كثيرا " لكن معناها عظيمًا، وأجرها أعظم.. النبي صلى الله عليه وسلم قال " قال رجل الحمد لله كثيرا فأعظمها الملك أن يكتبها فراجع فيها ربه عز وجل فقال اكتبها كما قال عبدي كثيرا " [رواه الطبراني وحسنه الألباني].. تعالوا نتعلم كيف نشكر نعمة الله علينا، لأن هذا هو طريق الوصول إلى الله جل وعلا... فالطريق إلى الله لا يقطَع بالأقدام وإنما تقطعه بقلبك، وقلبك لن يتحرك تجاه ربك إلا إذا استشعر مدى نعمة الله عليه.
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أحرك شفتي فقال لي " بأي شيء تحرك شفتيك يا أبا أمامة؟ "، فقلت أذكر الله يا رسول الله، فقال " ألا أدلك على ما هو أكثر من ذكرك الله الليل مع النهار؟، تقول الحمد لله عدد ما خلق الحمد لله ملء ما خلق الحمد لله عدد ما في السموات وما في الأرض الحمد لله عدد ما أحصى كتابه والحمد لله على ما أحصى كتابه والحمد لله عدد كل شيء والحمد لله ملء كل شيء وتسبح الله مثلهن، تعلمهن وعلمهن عقبك من بعدك " [صحيح الجامع (2615)]
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمد الله على كل حال..
عند استيقاظه من النوم " الحمد الله الذي أحيانا بعدما ما أماتنا وإليه النشور " [رواه البخاري]..
وإذا أوى إلى فراشه " الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي " [رواه مسلم]..
في أذكار الصباح والمساء.. في حال التوبه وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر..
حال الرفع من الركوع وبعد الصلاة..حال قيام الليل وهو ساجد في جوف الليل المظلم.. كان يفتتح الدعاء والخطبة وكل أمر ذي بالحمد لله..
الاعتراف بالنعمة
لا يكون مجرد كلام علي اللسان بل يجب أن يكون لها وزنها في قلبك.. ولابد أن يلهج لسانك بالحمد لله ومهما حمدت الله فلن تستطيع أن تحصي نعمه وتشكرها، وهذا هو الشكر أن تعجز عن الشكر..
والشكر أيضًا يكون بأن تتحدث بنعم الله عز وجل عليك، حتى تحببه إلى قلوب عباده..
فتعالوا نعدد بعض نعم الله تعالى علينا..
نعمة الإسلام.. أعظم نعمة..فلولا أحكام الشريعة والصلة مع الله من خلال الصلاة، لعاش الإنسان حياة مليئة بالضياع والعذاب ولصار عبدًا لشهواته.. لو استشعرت نعمة الإسلام حقًا، لن تعصي الله عز وجل ولسارعت بتنفيذ ما أمرك به.. ولذلك لا يشعر بها سوى من كان على غير ملة الإسلام ثم أسلم.
نعمة الصحة والعافية..عن أبي بكر قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر ثم بكى فقال " سلوا الله العفو والعافية فإن أحدا لم يعط بعد اليقين خيرا من العافية " [رواه الترمذي وصححه الألباني]..
وقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم لأن الناس لن تفهم الحكمة من الابتلاء وقد يصدهم هذا عن دينهم، على الأقل سيجعل بينك وبين الله فجوة، فتفتر..لهذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن نسأل الله العفو لأن الذنب يجلب الابتلاء، وأن نسأله العافية لأننا لن نقدر على تحمل البلاء.. نسأل الله العفو والعافية.
نعمة الابتلاء.. فقد يكون هذا البلاء سببًا في رجوعك إلى ربك وطاعته، قال تعالى {..وَعَسَى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهوَ خَيرٌ لَكم وَعَسَى أَن تحِبّوا شَيئًا وَهوَ شَرٌّ لَكم وَاللَّه يَعلَم وَأَنتم لَا تَعلَمونَ} [البقرة: 216]..
ولا يوجد أحدًا غير مبتلى، فعندما تبتلي انظر الي الأشد منك بلاءًا ليهون عليك بلاءك وتحمد الله..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من رأى صاحب بلاء فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا لم يصبه ذلك البلاء " [رواه الترمذي]
نعمة الرضا.. عندما يرزقك الله الرضا بما قسمه لك، سيخفف ذلك همّك وستجد بعد ذلك إن هذا البلاء كان خيرًا لك.. فكم في البلية من نعمة خفية.
نعمة التوبة.. ما أعظم أن يمنّ الله عليك بالتوبة وينجيك من وحل الذنوب والمعاصي، فتتغير حياتك ويبدلك الله خيرًا عن كل ما تركته لأجله سبحانه.. وكم من رسالة قد أرسلها الله عز وجل ليوقظك من الغفلة، سواءًا عن طريق آيات القرآن أو الرؤى أو المواقف التي تمر بها في حياتك فتنبهك موت صديق، تجارب الفشل والكرب، فتكون هذه النعمة سببًا في معرفتك بالله عز وجل وتجعلك أكثر قربًا من ذي قبل.. فالحمد لله كثيرا.
قال تعالى {وَإِن تَعدّوا نِعمَةَ اللَّهِ لَا تحصوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18]..
فمهما حاولنا أن نعدد نعم الله عز وجل علينا، لن نستطيع أن نحصيها كثرة.. فابحث عن هذه النعم وعددها واشكر الله عليها.
وإليك بعض الواجبات العمَليَّة لتحمَد الله على نعمه:
1) كثرة حمد الله عز وجل.. قال أعرابيًا للنبي صلى الله عليه وسلم علمني دعاء لعل الله أن ينفعني به، قال " قل اللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله " [رواه البيهقي وحسنه الألباني].. فإن لم تستطع أن تحفظ جميع صيغ الحمد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيكفي أن تحمد الله علي ما وهبك من النعم ولكن مع ذكر النعمة حتي لا تكون مجرد كلمة نرددها على ألسنتنا.. وستجد أنك بدأت تتحدث بالنعمة وتشعر بها من داخلك فتحمد الله عليها.
2) كشكول النعم.. داوم على كتابة النعم التي تشعر بها تجاه ربك سبحانه وتعالي.. والهدف هو أن نحبب الله عز وجل إلى قلوب العباد.
3) التخلص من صفة الكنود.. قال تعالى {إِنَّ الإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنودٌ} [العاديات: 6].. والكنود هو الذي يعدد المصائب وينسى النعم، كحال أغلب الناس الذين يعتقدون إن كثرة الشكوى ستقيهم من شر الحسد.. فإياك أن تعدد المصائب وتنسى النِعم.
4) إياك أن تنسب النعم إلى نفسك.. فيكون حالك كحال قارون، الذي {قَالَ إِنَّمَا أوتِيته عَلَى عِلمٍ عِندِي..} [القصص: 78].. فكان مصيره كما قال تعالى {فَخَسَفنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرضَ فَمَا كَانَ لَه مِن فِئَةٍ يَنصرونَه مِن دونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المنتَصِرِينَ} [القصص: 81]
5) تذكر إنك ستسأل عن كل هذه النِعم.. قال تعالى {ثمَّ لَتسأَلنَّ يَومَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر: 8].. فهذا سيدفعك لأن تشكر نعم الله عليك.
6) كثرة الدعاء بأن يجعلك الله شاكرًا له.. كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم معاذ قائلاً " فلا تدع أن تقول في دبر كل صلاة رب أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك " [رواه أحمد وصححه الألباني]
7) سجدة شكر.. النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره أو يسر به خر ساجدًا شكرا لله تبارك وتعالى [رواه ابن ماجه وحسنه الألباني].. وهذه تكون سجدة حب، فتعدد نعم الله عليك وأنت ساجد لخالقك سبحانه، فتحمده عليها وتناجيه بها.. فتجعلك تقطع المسافات التي تفصل بينك وبين ربك وتدخلك رياض محبته جل وعلا.
خذ ما أتيتك وكن من الشاكرين.. كن دائمًا أبدًا شاكرًا لأنعم الله،،
فاللهم لك الحمد كله وإليك يرجع الأمر كله،،
مختارات